الإصرار والإخلاص والإرادة وقبل ذلك تحديد الهدف كانت منطلق المنتخب المصري إلى النجاح وتحقيق الإنجاز الثالث على التوالي بحصوله على كأس الأمم الإفريقية، واحتلاله المركز العاشر عالميا في تصنيف الفيفا، وهو ما يثبت أن مصر قادرة على تحقيق الإنجازات في مجالات مهمة، وليكن ما حققه الكابتن حسن شحاتة لمصر في كرة القدم دافعا للتقدم في المجالات الاقتصادية والتكنولوجية والعلمية، نريد منتخبا علميا يكون هدفه تقديم حلول علمية لمشاكل مصر، والمشاركة والمنافسة بقوة في الهيئات والمراكز البحثية العالمية.

توحد الشعب المصري بمختلف فئاته وانتماءاته خلف كرة القدم، وأصبح منتخبه حديث العالم، وأتمنى أن تكون مصر حديث العالم في تكنولوجيا الفضاء والحاسب الآلي، والنانو تكنولوجي، والتي تركز معظم بحوثها على اللبنات الأساسية التي تدخل في بناء الطبيعة، بحيث يمكن انتاح أشياء جديدة تختلف عما هو موجود ومألوف، كذلك الاهتمام بالزراعة أول حرفه عرفتها البشرية كبداية للانطلاق، فلا ينبغي نسيان قضية التنمية في مصر لأنها الأساس في جعل مصر قادرة على النهوض من جديد، وتحقيق الاكتفاء الذاتي من الحبوب خاصة القمح، لتعود مصر من جديد سلة غلال تمد العالم بما يحتاجه، ومواجهة نقص المساحات الخضراء والذي أدى بدوره إلى مشكلات نقص الغذاء مع تزايد معدلات النمو السكاني وزيادة حرارة الطقس والازدحام والتلوث.

هذا التوجه نحو تخضير الصحراء وزيادة الرقعة الزراعية أحد الأساسيات الكفيلة باستعادة مصر مكانتها في العالم، وإذا كانت مصر عجَزت عن اللحاق بثورات تكنولوجية عالمية، وباتت متلقية لنتاج هذه الثورات فإن من الملائم هذه المرة أن تلحق بالتقدم المذهل في مجال الزراعة، ولا يجب أن نتكاسل بحجة تراجع أسعار السلع الغذائية، لان ما هو رخيص اليوم قد يزداد سعره غدا.

وليس من قبيل المصادفة أن يتم إلهاب خيال العالم من خلال فيلم سينمائي مثير هو فيلم quot;افاتارquot; للمخرج جيمس كاميرون والذي حقق ولا يزال إيرادات هائلة، وتدور فكرته حول حماية البيئة التي يعيش فيها الإنسان، قبل أن تنهار تحت دعاوى التغيرات البيئية والصناعية ويدعو إلى حماية كوكب الأرض من خلال تعريف المخلوقات التي تعيش عليها بكيفية التعامل مع الطبيعة، والحفاظ عليها وحمايتها من كائنات غير عاقلة، تأتي لتدميرها بحجة البحث عن مواد أولية.

لقد عبر الفن عما يحتاج إليه العالم الذي يبحث عن حلول لازمات ملحة، وليس كافيا أن تتجه الحكومة المصرية إلى التوسع في استصلاح الأراضي، وزيادة المساحات الخضراء، وإدخال أساليب جديدة في الزراعة والري، بل عليها تحقيق الاكتفاء الذاتي، ومضاعفة إنتاج الحبوب، وزيادة دخل الفلاحين، وتحسين مستويات معيشتهم، ومواجهة الضغوط التي تولدها المشكلة السكانية، ليس هذا فحسب بل على مصر العودة إلى مشروع عالم الفضاء المصري الدكتور فاروق الباز الخاص quot; بتنمية جنوب الوادي والصحراء الغربيةquot;، لقد قدم الرجل مشروعا تعميريا يربط شمال مصر بجنوبها، فضلا عن استصلاح مليون ونصف فدان جديد لزيادة الرقعة الزراعية، وإقامة مجتمعات متنوعة في الصحراء الغربية في ما عرف quot; بالظهير الصحراويquot;، وإنشاء خط قطارات يربط الشمال بالجنوب، وخطوط لمياه الشرب والكهرباء بما يمكن من توصيل الخدمات للتنمية العمرانية المتكاملة ما بين الطريق المقترح ووادي النيل، وهذا المشروع الطموح سيوفر المسكن والوظيفة لملايين الشباب العاطلين عن العمل، وهذا قد يحُل مشكلة البطالة، التي عجزت حكومات متعاقبة عن حلها وباتت تؤرق كل بيت.

إن مصر بحاجة ملحة لمثل هذه المشروعات حاليا، بعد أن فقدت الدلتا اثنين وثلاثين في المئة من أخصب أراضيها، بسبب التعدي عليها فضلا عن تكدس المصريين في أربعة وعشرين في المئة فقط من مساحة مصر، في وقت يمكن فيه تعمير الستة والسبعين في المئة الباقية من مساحة مصر.

وإذا كانت مصر على مشارف حِقبة تاريخية جديدة تتميز بزيادة عدد السكان، ونقص الغذاء، وسيطرة التكنولوجيا، فإن هذا التطور التكنولوجي مهما وصل من تقدم بعيدا عن الزراعة فإنه لن يطعم مئات الملايين من الأفواه الجائعة التي تتزايد عاما بعد عام، والكلام عن الزراعة يرتبط مباشرة بالماء سواء المطر أم المياه الجوفية أم الآبار، وخلال العقود الثلاثة الأخيرة تغير المناخ في العالم وبدأ كثير من الأراضي في إفريقيا تتصحر، وجدبت الأراضي، وأصبحت غير صالحة للزراعة، وواقع المياه في مصر لا يختلف كثيرا عن العالم العربي فمشكلة المياه كما يرى الدكتور حمدي الظاهري في كتابه quot; مستقبل المياه في العالم العربيquot; مشكلة استراتيجية ليست مرتبطة بالارتفاع سنة والانخفاض سنة أخرى، ولا يجب بالتالي ربطها بأيام الجفاف، وسكان مصر حاليا لا يتمتعون بحصة من مياه الشرب، والمياه اللازمة للاستخدامات الأخرى وفق المستويات العالمية، ولكي يحصل المصريون على احتياجاتهم من مياه الشرب لابد من توفير ألف وثمانمئة متر مكعب سنويا لكل فرد، وإذا تصورنا أن سكان مصر سيبلغون مئة مليون نسمة عام 2020 فإنهم سيحتاجون إلى مئة وخمسة وأربعين مليار متر مكعب من المياه.

ليكن إذن هدف مصر تحقيق إنجازات علمية في مختلف المجالات، لكي تنهض من جديد، وتكون حديث العالم في إنجازات حقيقية، كما هي حديث العالم الآن في كرة القدم، وأن تثبت للعالم أنها حضارة أربعة آلاف سنة وأول من علمت العالم.

إعلامي مصري