تعلقت آمال الولايات المتحدة والدول الاعضاء في حلف الناتو بمؤتمر لندن حول افغانستان للوصول الى حل لمشكلات الدولة التي يحلو للبعض أن يدعوها مقبرة الامبراطوريات، إلا أن آمال الرئيس الافغاني حامد كرزاي بقيت معلقة بتمديد الحضور العسكري الغربي في بلاده لكي يحمي الديمقراطية المريضة بالفساد الاداري وزراعة وتجارة المخدرات وطالبان ومن ورائهم القاعدة.


وتذهب الصحفية الالمانية نينا فيركهويزر الى أنّ الدول المعنية بهذا البلد والتي تدعى رسميا بالدول المانحة quot;قد اقتنعت أخيراً بأنه لا مجال للقضاء على الفساد وزراعة المخدرات وطالبان بشكل تامquot;.


من هنا تحاول كتلة الناتو أن تقلد الاسلوب الذي اتبعته الادارة الامريكية في التعامل مع الملف العراقي حين خلقت الصحوات( مقاتلو القبائل المكلفون بحماية مناطقهم) في غرب العراق وصارت تدفع لهم رواتب شهرية تبلغ 300 دولار للمقاتل ( و300 الف دولار لزعيم القبيلة) مقابل تخليهم عن دعم تنظيم القاعدة، فاعلنوا على الاخير حربا بلا هوادة أخرجته من مناطقهم في محافظات الانبار وصلاح الدين، والجزء الجنوبي الغربي العربي من محافظة كركوك.


ديمقراطية القبائل تقود الى الخيبة
الاوروبيون الذين ملوا من ملف افغانستان الباهض التكاليف والذي يخشون تداعياته السياسية على بلدانهم في ظل التنافس الانتخابي الديمقراطي المستمر يحاولون أن يرسموا مسارا يمهد لخروجهم من هذا البلد دون أن يغيب عن اذهانهم الانسحاب السوفياتي المهين منه والذي نجم عنه انهيار الكتلة الشرقية الشيوعية وتفكك الاتحاد السوفياتي. من هنا دار الحديث في مؤتمر لندن حول تحييد العناصر غير المسلحة المتعاطفة مع طالبان ومحاولة تجنيدهم ضد الحركة لخلق انشقاق في صفوف الحركة ينزع عنه حاضنتها الطبيعية أي القبائل الافغانية التي تحميها. ويجمع المختصون بالشأن الافغاني على أنّ تركيبة البلد العشائرية الفلاحية تجعل من فرض أيّ اسلوب للحياة العصرية عليه عبثا مكلفا لا طائل تحته ويرى أغلبهم أنّ الحل يكمن الى حد بعيد في يد الافغان، لكن حين سؤالهم كيف يمكن للافغان ان يتخلصوا من عقدة الخوف من طالبان وكيف لهم التمرد على سيطرة الاقطاعيين وامراء الحروب الذين ادمنوا تجارة السلاح والقتال كمصدر للرزق والسلطة لا يجدوا جوابا سوى اقتراح حلول لن تأتي أكلها الا في المدى الابعد ( نشر التعليم وازالة الامية، إقامة بنية تحتية، القضاء على البطالة، خلق قطاع صناعي، جلب الاستثمارات الاجنبية و تحرير المرأة)، مجمعين على أن الديمقراطية على الطريقة الغربية لا يمكن أن تقدم حلولا يقبلها المجتمع العشائري المتدين وسوف تفشل كما فشلت قبلها محاولات فرض القيم الشيوعية المتحررة على منطقة quot;الهندو كوشquot;، وهم بهذا يريدون الديمقراطية في غلاف اشتراكي باترياركي وفي غلالة ديكتاتورية على أن يبقى الاسلام شعار الدولة الرسمي و الهندباء غلتها القومية.


زمن افغانستان لا يشبه زمن الناتو

ورغم أن رئيس حكومة البلد المضيف للمؤتمر غوردن براون قد تحدث عن quot;مرحلة حاسمة في افغانستانquot; فان الرئيس الافغاني كرزاي كرر الاشارة الى انه لا يتوقع أن يقف بلده على اقدامه قبل عام 2014 ليضع بهذا التقدير للقوات الدولية العاملة في بلده سقفا زمنيا مقترحا يتناسب مع رؤياه. لكن كرزاي دعا في نفس الوقت الى انهاء الصراعات المسلحة في افغانستان مشيرا الى أنّ quot;الوقت قد حان لمد يد السلام الى كل ابناء الشعب وخصوصا الى اخواننا المغرر بهم دون ان يكونوا اعضاء في تنطيم القاعدةquot;.
البلدان المشاركة في المؤتمر لم تجد أمامها الا الموافقة على مقترح الرئيس الأفغاني وخصصت لدعم خطته مبلغ 500 مليون دولارتبذل للمتمردين الذين يتخلون عن خيار القتال ويقبلون بوظيفة آمنة بدخل مضمون. فراتب الجندي في الجيش الافغاني هو 100 دولار في الشهر فيما راتب عنصر طالبان الذي يتخلى عن سلاحه ويعمل في وظيفة وهمية مدنية هو 200 دولار وهذا غير قليل في مجتمع لا يتجاوز معدل الدخل الشهري للفرد فيه 90 دولار.


هواجس المانيا
وتبحث كبرى دول الاتحاد الاوروبي ألمانيا صاحبة ثالث أكبر اقتصاد في العالم عن مخرج وهي التي تورطت في الشأن الافغاني منذ عام 2001 إثر اتفاقية بون التي وضعت إطار عمل القوات الدولية ( ايساف) في أفغانستان. وتتزايد الضغوط دلخل المانيا في ظل التنافس السياسي وفي ظل اعتراض أغلبية الالمان على الحضور العسكري لبلدهم خارج الحدود.


صحيفة (تاغيس تسايتونغ) اليسارية الميول كتبت بعد يوم من مؤتمر لندن quot;ليس ثم جديد في وضع مطالب امام الحكومة الافغانية، لكن الجديد هذه المرة أن المطالب غير واقعية بالمرة، ولن تتحقق هذه المطالب ما لم تتحمل الحكومة الافغانية تبعات عدم تنفيذها. ويبدو ان الناتو يعتمد على كرزاي بنفس القدر الذي يعتمد فيه الاخير على الناتو، ومن غير المنتظر استبعاد كرزاي من السلطة في حال فشله في اجابة هذه المطالب، فالناتو يحتاج الى حكومة تبدو متماسكة تمكّنه من أن ينجز انسحابا يحفظ ماء الوجه، وحقيقة أن مزور انتخابات كبير يمكن أن يلعب هذا الدور تكشف عمق يأس الناتوquot;.


فيما يرى المحافظون في المانيا أن أهم نتيجة خرج بها مؤتمر لندن هي اتفاق 70 دولة على أن السلام مطلب مهم وحيوي في منطقة الهندوكوش، لكن صمود هذا الاتفاق أمام الظروف ومتغيرات المنطقة هو الاختبار الحقيقي لجدوى المؤتمر لاسيما وأن حركة طالبان قد أعلنت مباشرة بعد صدور بيان المؤتمر رفضها سياسة المصالحة معquot; الغزاةquot;.
وفي ظل كل هذه الضغوط جاء قرار المستشارة الالمانية انغيلا ميركل خجولا حين أعلنت أنّ بلادها سترسل 500 جندي وتضع في الاحتياط 350 جندي آخر لتصل الى معدل قريب من المتوسط الذي طالبت به الولايات المتحدة الامريكية وهو تعزيز القوات الالمانية العاملة في افغانستان ب1500 جندي.


خيارات بديلة في ظل خيبات مؤكدة

ويكاد أن يكون جميع أعضاء حلف الناتو متفقين على أن الجيش وقوات الامن الافغانية لايمكن أن تصبح قوات يعول عليها في المستقبل القريب، فالوقت اضيق من أن يسمح بارتفاع مستوى أجور هذه القوات الى حد يحصن افرادها أمام اغراء التحالف مع تجار المخدرات.
وكشف بيان مؤتمر لندن جسامة المهام التي تواجه المجتمع الدولي والحكومة الافغانية، إذ يتحتم تدريب 35 الف عنصرمن الجيش و 25 الف من قوات الأمن حتى أكتوبر عام 2011.


الامم المتحدة لم تملك الا أن تحاول إعادة سيناريو العراق في افغانستان، فقد اعلنت أن السويدي شتيفان دي ميستورا الذي نجح بمساعدة الهبات المليونية الامريكية في تجنيب العراق حربا أهلية شاملة سيكون موفدها الى افغانستان في مسعى لتوحيد الجهد مع المجتمع الدولي باتجاه خلق اجواء مصالحة تعفي الناتو بالدرجة الاولى والولايات المتحدة في ظل ادارة اوباما في المرحلة الابعد من التزام البقاء في البلد الصعب غير النافع افغانستان.

بون