الأصابع تشير الى أنه سبب الخروقات الامنية

في التساؤل عن احوال الاختراقات الامنية العديدة التي تشهدها بغداد، تتزايد الاحتمالات حول وجود تواطيء من قبل افراد في المؤسسة العسكرية سواء من الضباط او المراتب، وهذا ما يسمعه الناس بعد كل حادث تفجير، وهذا يعده البعض مجرد رأي لا صحة له الا من اجل توجيه اتهامات معينة، او انه ضرب في العموميات، لتبرير حالة الكسل والتراخي او عدم القدرة على مواجهة خطط الارهابيين، وفي كل الاتهامات لم نجد من يشير الى اسباب مقنعة ودقيقة وصائبة ومنطقية وكيف اصبحت تلك الاسباب امرا واقعا داخل المؤسسة العسكرية العراقية التي باتت، كما يبدو،غير مسيطر عليها بعد حدوث العديد من الخروقات التي ربما اغربها هي الانفجارات التي تمت بالسيارات المفخخة ضد عدد من فنادق بغداد الكبرى التي تقع ضمن منطقة رئاسية ومحصنة جدا.


هذه الاشارات جعلت المواطن العراقي البسيط يتساءل مذهولا عما يحدث، وينتابه خوف من المجهول فلا يرى بصيص امل في افق المستقبل، فالاختراقات خطيرة جدا، والضحايا كثيرون، وليس هنالك من حلول جذرية لوأد هذه الاخفاقات التي تهيمن على الواقع العراقي، وهذا ما جعلتني ابحث للحصول على اجابة مقنعة، اردتها خاصة بي، فليس من المعقول ان يتم التخطيط لضرب الفنادق المحاصرة بالسيطرات العديدة والاجهزة الكاشفة للمتفجرات، وقبلها ضربت وزارات واماكن حساسة تقع وسط بغداد المكتظ برجال الامن والجيش والاستخبارات وما الى ذلك من اجهزة كشف وتفتيش لاي عابر او مار في تلك الامكنة، لابد من وراء ذلك اسباب غير مرئية وغير مكشوفة.


اول الخيط الذي امسكته كان من خلال في دردشة عادية مع احد الاشخاص، يعمل في وزارة الداخلية، حول الاوضاع الامنية واحوال الوزارة والانتخابات وما الى ذلك، وبين شرح واسهاب واقتضاب ورأي، توقفت امام مفردة ذكرها في سياق حديثه وهي كلمة (دمج)!!، وكنت اعتقد انه يقصد (دمج الصحوات) التي اصبحت ظاهرة في الحباة العراقية بعد تفاقم الوضع الامني (الصحوات الشعبية) المسلحة التي تكلفت بحماية الاحياء السكنية، لكنه صحح لي: (بل انه دمج اشخاص تابعين لاحزاب وعشائر!!)، ولانني لا امتلك اية معلومة فقد اضطرني فضولي الى ان استفهم عما يقصده، فامستغرب ما أسأله عنه كونه ليس جديدا كما قال، فطلبت منه توضيحا اكثر فقال بشيء من التوجس والريبة ايضا: كل حزب من الاحزاب الحالية،على الساحة العراقية، له الحق في تقديم اشخاص تابعين له من اجل ان يكونوا على ملاك وزارة الداخلية، ضباطا او مراتب، فتقبلهم الوزارة وتمنحهم الرتب المطلوبة والمناصب!!!.


استغربت ما سمعت وحاولت مع محدثي ان يمدني بمعلومات اكثر لكنه رفض متعللا انه لا يمتلك اكثر مما قال، ولكنني شعرت به لا يريد ان يقول الكثير لاسباب ربما كونه لا يعرفني، احترمت رأيه، ولكنني مضيت في البحث عن معنى هذا (الدمج) و تفاصيله لاشباع غرور في نفسي، وحاولت الاقتراب اكثر من المؤسسة العسكرية، وزارة الداخلية، فوجدت بعض المعلومات، قال لي احد المنتسبين في الداخلية: منذ عام 2004 بدأ عملية (الدمج) هذه، والمتمثلة في ان يقوم كل حزب سنويا بتقديم مجموعة اشخاص تابعين له من اجل ضمهم او دمجهم ضمن القوات العسكرية على مستوى وزارتي الدفاع والداخلية كما اعرف، ولكنني سأتحدث لك عن الداخلية كوني اعرفها، وهؤلاء الاشخاص يمنحون رتبا عسكرية حسب الاعمار وليس حسب الشهادة الدراسية او الخبرة وغيرها، وهذا ما جعل العديد من من هؤلاء ينالون رتبا عالية وهم لا يفهمون من الامور العسكرية شيئا، بل مجرد دورة تدريبية لمدة اربعة اشهر واغلب دروسها تتعلق بتعليم السلاح.


واضاف: هذه الرتب الممنوحة اعتباطا لها تأثيرها الكبير داخل المؤسسة العسكرية، فهناك مثلا من يحمل رتية (عقيد) لكنه لا يعرف اي سلوكيات عسكرية، بل انه لا يعرف ما يدور حوله، فلا يعرف كيف يصدر الاوامر ولا يعرف كيف يتلقاها، لان شهادته الدراسية بسيطة لا تتجاوز الاعدادية، وهذا ما احدث اختلافات وتقاطعات بين هؤلاء وبين الضباط من خريجي كليات الشرطة، بل ان الخطورة تكمن في نزول هؤلاء الى الشارع حيث لا يعرفون التعامل معه كونهم لا يفقهون شيئا من الاليات المتبعة في مواجهة الارهاب والتصدي له.


واشار محدثي الى: ان حال الاحزاب هذا يشابهه حال (العشائر) الذي لديها (مكتب) في وزارة الداخلية ضمن (مديرية شؤون العشائر ) و(يقوم عليها مدير عام برتبة لواء)، وتتعامل معهم الوزارة بشكل طبيعي، وهذه العشائر تقدم اشخاصها للدمج وتوافق عليهم الوزارة دون اي تردد او تمحيص او تدقيق فيما كان عليه هؤلاء الاشخاص لانها تثق برؤساء مكاتب العشائر المنتشرين في المحافظات كافة، وايضا بغض النظر عن الشهادة الدراسية او الخلفية العسكرية، وهؤلاء ايضا يمنحون الرتب حسب العمر، وهذا اكبر خطر تواجهه وزارة الداخلية.


مرة اخرى.. وجدت نفسي مدفوعا بالفضول الى معرفة تفاصيل اخرى عن (الدمج) الذي ما زلت اجد ان ما قيل لي عنه لم يشبع فضولي، ووجدت ان ما حصلت عليه يمثل كسبا لمعرفة حقيقة التفجيرات والخروقات الامنية المتكررة، حسب تقديري، وحين ألتقيت شخصا اخر تحدثت معه عن حالة الدمج، فقال لي: انه دمج عشوائي، لا يفيد ابدا الوزارة ولا الدولة العراقية، ولا الاجهزة الامنية، على العكس ان ضرره اكبر ذلك ان هؤلاء الاشخاص لا احد يعرف بالضبط خلفياتهم الحزبية، بالاضافة الى ان انتماءهم الى احزابهم وعشائرهم اكثر من انتمائهم للوزارة، والاهم من هذا كله انهم غير ممارسين لاي شأن من شؤون المؤسسة الامنية لا اداريا ولا عمليا.

محدثي وبعد ان كلام عام قال: سأسرك شيئا، هو الممثل الحقيقي للخطر، وانا اعتقد ان الخروقات الامنية بسببه، واضاف بعد لحظات من الصمت: حين تقوم الاحزاب والعشائر بأرسال اسماء الاشخاص الذين تريد دمجهم، يتم الاقتراح على هذه الاحزاب او العشائر ان العدد كبيرا فيجب انقاصه، اي ان حزب الدعوة مثلا ارسل قائمة بـ (65) شخصا، فأن المقترح يكون ان يكون العدد (50) فقط، ولكن في الحقيقة ان الامر يتم احتسابه لحزب الدعوة بعدد (65)، حيث يضاف (15) شخصا الى القائمة من خارج حزب الدعوة، واعتقد ان هؤلاء الاشخاص المضافين يدخلون بطريقة او اخرى حسب العلاقات والصداقات او من خلال مبالغ مالية عالية، ويحسبون على حزب الدعوة فلا يمكن لاحد ان يرتاب فيهم، ويظلون يمتلكون هذه الصفة، وهنا كما ارى انا شخصيا (والكلام لمتحدثي) تكمن الخطورة، انا سمعت الكثير عن هذا من داخل الوزارة، واعتقد انه صحيح، وهذا الامر ينطبق على مكاتب العشائر ايضا، فمن السهولة ان يرشح مدير مكتب تابع لمحافظة معينة بعض الاشخاص على انهم من عشيرته او تابعين له، وقد لا اظن السوء في المكاتب عامة ولكن ما اعتقده هو واقع!!، والحليم من الاشارة يفهم.


محدثي اشار باستحياء ورهبة الى: ان احدى المحافظات اخذت نصيبا وافرا من الدمج لاسباب لم يوضحها لكنه قال (كل من في وزارة الداخلية يعرفها)!!.


حاولت اقترب اكثر للحصول على معلومات تخص الدمج، فعلمت ان دورة جديدة للدمج قد افتتحت قبل ايام، كما علمت ان الوزارة عازمة على ان تقوم بدراسة (الدمج) وانها تفكر في احالة العديد منهم على التقاعد لاسيما الذين اعمارهم كبيرة والذين ليس لديهم شهادات دراسية مثل البكالوريوس، وهذا الامر لم يكن سرا في الوزارة وليس جديدا ايضا، وهو ما دعا العديد من هؤلاء (المدمجين) يسارعون الى الالتحاق بالمدارس والكليات المسائية من اجل الحصول على البكالوريوس والبقاء في عمله، وهناك من ألتحق في كليات دينية لسهولة النجاح فيها.


هذا الكلام استفسرت عنه من احد منتسبي الداخلية فأجاب: نعم.. الوزارة تعمل على احالة الكثيرين منهم على التقاعد، وحين سألته عن قيمة الراتب التقاعدي الذي سيتقاضاه المتقاعد؟ قال: حسب الرتبة طبعا لكنه بالتأكيد لا يقل عن مليون دينار!!، ثم اردف: او لا يقل عن (750) الف دينار.

قلت: أترى ان هذا الراتب استحقاق لهؤلاء؟ فقال: لا اعرف ولكن قياسا لخدمتهم القصيرة ارى ان في غير محله، ولا تنسى ان اعداد هؤلاء كبيرة.


ترى.. هل تعلم هيئة النزاهة بكل هذا؟، وهل حاولت ان تبحث في الدمج وتتابع تفاصيله؟ لتقف على حقيقة ما يجري، وهل لدى الحكومة علم بهذا؟