مئات من العراقيين لقوا حتفهم في الاشهر الاخيرة بعد ان تمكن انتحاريون يقودون سيارات محملة بالمتفجرات من اختراق الطوق الأمني المفروض لحماية قلب العاصمة بغداد بالرغم من المئات من اجهزة كشف المتفجرات المستخدمة من قبل الجيش والشرطة في نقاط التفتيش المنتشرة في كل انحاء بغداد حيث يتم استخدامها لتفتيش السيارات والمارة.

هناك بالتأكيد،اضافة الى فشل اجهزة كشف المتفجرات،عوامل اخرى ادت الى نجاح الارهابيين في الوصول الى اهدافهم لكن المؤلم هو ان الحكومة العراقية انفقت ما مجموعه 85 مليون دولار (52.7 مليون جنيه استرليني) لشراء 1500 جهاز لكشف المتفجرات من شركةATSC البريطانية.
وقال ماكورميك لصحيفة التايمز ان شركته باعت الجهاز المسمى ADE-651 ب8000 دولار للجهاز الواحد اي ما مجموعه 12 مليون جنيه استرليني.

و حصل الوسطاء والقائمين على تدريب عناصر الاجهزة الامنية على استعمال الجهاز على ما تبقى من المبلغ (اي 40.7 مليون جنيه استرليني) وعلى الرغم من ادعائه أنهم اخترعوا كاشف متفجرات اعترف ماكورميك بان الآلية التي يعمل فيها الجهاز ما زالت غير واضحة.

وقالت التايمز التي اختبرت الجهاز ووجدت انه واهي لايحتوي على المكونات الإلكترونية المطلوبة ويفتقد الى بعض الاجزاء قالت انه فشل في الكشف عن مفرقعات نارية وضعت في صندوق من ورق الكارتون من مسافة بضعة أمتار أي عكس ماتقوله ادبيات مبيعات شركة ATSC والتي تؤكد ان الجهاز يستطيع الكشف عن المتفجرات الدقيقة من مسافة تصل إلى كيلومتر واحد أو ثلاثة كيلومترات من الجو.

وكانت مصادر عسكرية أمريكية مهمة أعربت عن شكوكها فيما اذا كانت اجهزة الكشف عن المتفجرات تعمل على الإطلاق. وفي هذا الخصوص قال سيدني الفورد او ((Sidney Alford وهو خبير المتفجرات ومستشار قوات العمليات الخاصة البريطانية ((SAS وقوات العمليات الخاصة في البحرية الامريكية ((US Navy Seals قال لبرنامج ((Newsnight في اذاعة ال BBC البريطانية ان بيع اجهزة 651ADE- هو عمل غير اخلاقي على الاطلاق لانه يمكن أن يؤدي إلى قتل العشرات إن لم يكن المئات من الناس. وكان تحقيقا اجري من قبل البرنامج قد كشف النقاب عن أن تلك الأجهزة غير قادرة على اكتشاف المتفجرات.

بعد ان قام الدكتور ماركوس كون، وهو خبير في جامعة كامبريدج البريطانية ويعمل في مختبر الحاسوب في الجامعة قام بتشريح الشرائح الالكترونية الموجودة داخل اجهزة ADE-651 والتي يفترض انها تكشف عن مادة تي ان تي ((TNT قال انه من المستحيل لهذه الشرائح ان تكشف عن أي شيء على الاطلاق.

وقال الدكتور كون لبرنامج ليلة الاخبار((Newsnight quot;لا يوجد شيء يمكن برمجته في هذه الشرائح ولاتوجد ذاكرة ((memory ولا متحكم دقيق ((microcontroller وبالتالي فلايمكن تحميل او تخزين اية معلومات على هذه الاجهزةquot;.

الأمر الذي دعى كولن بورت مدير شرطة سومرست وآفون في بريطانيا شخصيا باصدار أوامره بالتحقيق بالقضية. وقال متحدث باسم الشرطة في بيان: quot;اننا نجري تحقيقا جنائيا وكجزء من ذلك فقد ألقي القبض على رجل يبلغ من العمر 53 عاما (ماكورميك) بتهمة الاحتيال وتزوير الحقائق. افرج عنه لاحقا بكفالة في انتظار مزيد من التحقيقات. وفي بيان لها قالت وزارة الأعمال البريطانية quot;لقد أثبتت الاختبارات أن التكنولوجيا المستخدمة في أجهزة ADE651 وما شابهها ليست مناسبة لكشف المتفجرات لكن تصديرها لا يحتاج الى رخصة لانها لاتدخل ضمن تصنيف التكنولوجيا العسكرية وعليه فنحن لا نحتاج لمراقبة بيعها واستخدامها في الخارج quot;.

ومضى البيان إلى القول quot;ولكن استعمالها كاجهزة كشف متفجرات هومصدر قلقنا. وحالما تم لفت انتباه منظمة الرقابة على الصادرات واللورد ماندلسون تحركنا بسرعة لوضع القيود على التصدير والتي ستدخل حيز التنفيذ الأسبوع المقبل وسوف يصدر أمرحظر تصدير هذا النوع من الأجهزة الى العراق وأفغانستان بموجب قانون مراقبة الصادرات المرقم 2002quot;.

واضاف البيان quot;ان سبب اقتصار حظر تصدير الجهاز لهذين البلدين هو ان سلطتنا القانونية للسيطرة على تصدير هذه الاجهزة يستند إلى المخاطر والأضرار التي يمكن ان تسببها للقوات البريطانية وغيرها من القوات الصديقة العاملة هناكquot;. واختتم البيان قائلا quot;ان السفارة البريطانية في بغداد قد أثارت موضوع اجهزة ADE651 مع السلطات العراقية وعبرنا عن قلقناquot;.

وحسب صحيفة نيويورك تايمز فإن وزارة العدل الأميركية حذرت من شراء أنواع من الأجهزة المحمولة باليد والتي يُزعم أنها تكشف المتفجرات عن بعد بناءا على معلومات علمية تقدم بها المركز الأمني لعلوم هندسة المتفجرات في quot;سانديا لاباسquot; بالولايات المتحدة والمعتمد في وزارة الدفاع الأميركية الا ان وزارة الداخلية العراقية اصرت على شرائها باكثر من ثلاث اضعاف سعرها الحقيقي.

ولعدم ايمانه بفاعلية الجهاز فان الجيش الأميركي في العراق لايستعمله مطلقا وفي هذا الخصوص قال الميجر جنرال ريتشارد جيه رو من الجيش الأمريكي والذي يشرف على تدريب الشرطة العراقية quot;لا نعتقد ان هناك عصا سحرية يمكن أن تكشف عن المتفجراتquot;. واضاف quot;اذا كانت هناك عصا سحرية فكنا استعملناها جميعا. واضاف قائلا ليست لدي ثقة بعمل هذه الاجهزة quot; ورأى إن خمس الى ثمانية كلاب شم يمكن أن تشترى بمبلغ 60،000 دولار، وهي تعطي نتائج أفضل بكثير في فحص المتفجرات.

وبرغم كل هذه الانتقادات لاجهزة الكاشف الا ان اللواء جهاد الجابري مدير مديرية مكافحة المتفجرات في وزارة الداخلية ((EOD يقول: quot;أنا لا أبالي بمختبر سانديا أو برأي وزارة العدل الأميركية أو غيرهما. أنا أعرف عن هذه القضية أكثر مما يعرف الأميركان. وفي الحقيقة أنا أعلم بالمتفجرات من أي شخص في العالمquot;.quot; وأضاف قائلا quot; لايهمني ان كانت آلية الجهاز علمية أو سحرية ما يهمني هو انه يكشف المتفجراتquot; واستهزأ اللواء الجابري بريشارد رو قائلا: quot;هل يمكن تصور استعمال كلاب في (400) نقطة سيطرة في بغداد؟ ستتحول المدينة اذن الى حديقة حيواناتquot;.

وبحسب متحدث أميركي رسمي فأن الأميركيين أجروا اختبارات على الجهاز البريطاني ووجدوا أنه لم يتمكن من الكشف عن شحنة تزن طناً من المتفجرات كانت معبأة داخل سيارة شحن مما أثار موجة من السخرية في وسائل الإعلام العالمية دفعت الكوميدي الامريكي جيمس راندي لتوجيه دعوة علنية إلى ماكورميك تحداه فيها ان يثبت قدرة جهازه على كشف المتفجرات وقال له إذا نجح الجهاز في إثـبات ذلك سيدفع له مكافأة قيمتها مليون دولار. لكن ماكورميك تجاهل الأمر كلياً وواصلت شركته تسويق الجهاز والترويج له على أنه قادر على الكشف عن المتفجرات وعدة اشياء أخرى وفقاً لوصف الجهاز في منشورات الشركة.

وكان مجلس النواب العراقي اعلن عن تشكيل لجنة لتقصي الحقائق وراء شراء اجهزة كشف المتفجرات [ADE-651] من شركة بريطانية بعد ان أثبتت الحقائق انها غير فعالة في الكشف عن المواد المتفجرة.

التحقيق سيركز على ما اذا كان هناك فساد في إبرام هذه الصفقة وعما إذا كانت أي أطراف حكومية متواطئة أو ما إذا كانت هناك أسباب فنية وراء فشل هذا الجهاز. (أكيد الأخيرة).

وقال المتحدث باسم عمليات بغداد اللواء قاسم عطا في تصريح ان اللجنة المكونة من خبراء في مجال المتفجرات واساتذة جامعات وقادة امنيين ستعلن نتائج التحقيقات التي اجريت على خلفية الخروقات الامنية الاخيرة ومدى فاعلية اجهزة الكشف عن المتفجرات وقد شارفت اللجنة على انهاء عملها وسترفع توصياتها إلى القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء نوري المالكي خلال ايام.

من خلال دفاعه المستميت عن الاجهزة الفاشلة يبدو ان اللواء جهاد الجابري وراء الصفقة الفاسدة واذن فعليه الاعتراف بفشل الجهاز وتفسير عدم استماعه لنصائح النقاد وذوي المعرفة حول عدم فاعلية تلك الاجهزة.

الشعب العراقي يريد تفسيرا للمبالغ الكبيرة التي صرفت على الوسطاء والتدريب والتي بلغت 40.7 مليون جنيه استرليني حسب تقارير الشركة المصدرة.

نريد ان نعرف من هم الوسطاء ومن استلم كم؟ ولماذا دفعت كل هذه المبالغ على التدريب؟ ولماذا لاتستطيع وزارة الداخليه التعاقد مباشرة مع الشركة البريطانية لاستيراد الاجهزة الفاشلة دون وسطاء.

لماذا يحتاج مجلس النواب العراقي الى تشكيل لجنة للتحقيق بعد كل هذه الشهادات من خبراء عالميين؟ واذا كان لابد من التحقيق فيجب ان يتركز على نقطتين فقط

الأولى: ليس فيما اذا كان هناك فساد في الصفقة أو لا،فلا شك ان الفساد سبب الصفقة، بل يجب ان يكون التركيز على حجم الفساد وكمية المال العام المنهوب وكيفية استعادته.

والنقطة الثانية: هي الكشف عن هوية الاطراف او الاحزاب السياسية المتورطة في الصفقة.

ولاداعي للتحقيق حول فاعلية الاجهزة للاسباب الآتية:

اولا: ليس لدينا خبراء في هذا المجال افضل من الخبراء البريطانيين والأمريكان الذين على اساس شهاداتهم القت الشرطة البريطانية القبض على السيد جم ماكوميك بتهمة الاحتيال وستمنع السلطات هناك تصدير الجهاز الى العراق وافغانستان.

ثانيا: اذا كانت هذه الاجهزة لاتدخل ضمن تصنيف التكنولوجيا العسكرية quot;حسب التقرير البريطانيquot; فشرائها للاستعمل العسكري وحده دليل ادانه.

ثالثا: كي نسد باب المساومة السياسية ونلغي خيار (الخلل الفني) من امام لجنة التحقيق التي شكلها مجلس النواب والتي سأراهن ان (اسباب فنية وراء الفشل) ستكون على رأس استنتاجات لجنة التحقيق، هذا اذا اعلن عن نتائج التحقيق اصلا.

حسب علمي لم يقتل جندي بريطاني او امريكي بسبب هذه العصي لكن كي لايقتل احد من قواتهم او القوى الصديقة ستمنع بريطانيا تصدير هذه العصي (التي لاترتقي حتى الى تسمية اجهزة) الى العراق وافغانستان فما الذي سنفعله نحن الذين خسرنا مئات الأرواح بسببها؟ ولولا حرص بريطانيا على ارواح جنودها لماكان بمقدور احد ان يعرف الحقيقة ولحصد الاعتماد على هذه العصي ارواح آلاف اخرى من العراقيين.

اللواء جهاد الجابري (على افتراض انه عراب الصفقة) ركب راسه مرتين مرة لانه لم يستمع الى رأي الخبراء حينما عقد الصفقة الكارثية ومرة حين دافع عن اجهزته التي أقرصانعيها بفشلها.

ماالفرق بين من يبيع المتفجرات ويفخخ السيارات وبين من يشتري اجهزة يفترض انها تكشف عن المتفجرات وهو يعلم انها لاتكشف عن اي شيء على الاطلاق؟

الاثنان يتسببون في قتل المئات من العراقيين بدافع المال الملوث بالدم.

انظر اخي الى اي حد وصل استهتار المسؤول العراقي بارواحنا؟

ايها القارئء هذا الاستهتار ستثبته لك نتائج لجنة التحقيق والتي حتما ستعزو الفشل الى أسباب فنية وستخلص الى ان عوامل أخرى عديدة،غير العصي، ساعدت الارهابيين على اختراق نقاط التفتيش وبالتالي فلا علاقة لفاعلية او عدم فاعلية العصي بالتفجيرات المتلاحقة في بغداد وسينجو القاتل (افضل خبير متفجرات بالعالم ).

[email protected]