بنهاية العقد الاول من الالفية الثالثة، تجد البشرية نفسها امام اسئلة صعبة وحائرة، وكأن التاريخ الانساني ما زال في بدايته، وليس في نهايته، كما بشّر بعض المهووسين بغرور القوة في لحظة من اللحظات كانت لحسن الحظ عابرة. فالايام والاسابيع والاشهر والسنوات والعقود والقرون والالفيات تمر، وهي تبدأ وتنتهي، والجنس البشري المعني الاول بالبدايات والنهايات يبدو وحده ثابتاً لا يتغير، قلما يتعلم من تجاربه ومن اخطائه، تعصف به دائماً الخطايا والتهورات والاطماع، وكأن قصة قايين وهابيل التوراتية كتبت لتؤكد ان الانسان مطبوع على قتل اخيه الانسان طمعاً بمال او متاع.


ولعل نيكولو ماكيافيللي المنظّر الاشف لفلسفة السلطة في العصور الحديثة، في كتابه الكلاسيكي laquo;الاميرraquo;، قد اصاب كبد الحقيقة عندما قال: laquo;هذه هي مأساة الانسان ndash; الظروف تتغير وهو لا يتغيرraquo;.


واذا جاز لنا ان نقول، كما قال مؤسس جريدة laquo;واشنطن بوستraquo; فيليب غراهام، ان laquo;الصحافة هي المسودة الاولى لكتابة التاريخraquo;، فان اول مؤسسين لكتابة التاريخ وهما الاغريقيان هيرودوتوس وثوكوديدس (في القرنين الخامس والرابع قبل الميلاد)، قد عكفا على كتابة التاريخ بنزعة صحافية، حيث اولهما بنى كتابه على المشاهدة والسماع، وبناه الثاني على الوقائع والتحليل. فلا عجب ان ثوكوديدس في مقدمة كتابه عن حرب البيلوبونيز (الحرب الاهلية بين أثينا واسبارطة بعد دحر الاحتلال الفارسي لبلاد الاغريق)، كتب بثقة بالنفس لا نظير لها انه وضع كتابه المذكور laquo;لجميع الازمنةraquo;. ومع ذلك فان جميع الازمنة شهدت حروباً اهلية وما زالت تشهد أمر وأدهى الحروب الاهلية وغير الاهلية.
وهذا ما حمل بعضهم على القول laquo;ان الشيء الوحيد الذي تعلمه الناس من التاريخ هو أنهم لم يتعلموا من التاريخraquo;. وهذا ما ذهب اليه هيغل بقوله: laquo;ان الدول والحكومات لم تتعلم شيئاً قط من التاريخraquo;.


وفي زمن الجمهورية الرومانية قبل اكثر من ألفي سنة، وفي خضم مسلسل من حروب الفتح والحروب الاهلية، قال السياسي والخطيب الروماني المفوّه كاتو: laquo;لا بد ان هناك مخزوناً هائلاً من الغباء في الطبيعة البشرية، والا لماذا تعلق كما علقت ألوف المرات، مرة تلو المرة، في المصيدة ذاتها بالطعم ذاته، بل ان البشر يعلقون بها وهم ما زال يتذكرون مصيبتهم الماضية، فيواصلون استدراج واستنهاض الاسباب التي اوقعتهم فيها والتي ستعيد انتاجهاraquo;.
وماذا عن اليوم، في زمن الحرية والتحرر والديموقراطية؟
ماذا عن الناس الذين يمسكون بزمام الامور ويقودون الدفة؟


ماذا عن السياسة والاخلاق والامانة وسوء الامانة لدى المسؤولين، وماذا عن المواطن ومسؤولية المواطن في الجمهورية، واسئلة عديدة اخرى واهمها عن القانون وحكم القانون.
في الاجوبة عن هذه الاسئلة، ليس افضل وأعم نفعاً من استعراض اقوال نطق بها بعضهم عن حكمة او عن تجربة، قديماً وحديثاً، بدءاً بما قاله المفكر الاغريقي هيراقليطوس عن اخلاق المرشحين للتعيين في المناصب العامة، حيث اعتبر ان laquo;الاخلاق هي القدرraquo;، لأن الخلق الشخصي للمسؤول واخلاقه المهنية القائمة على النزاهة المجردة، هي الامور التي تقرر قدر الحكم ومصيره، وانتهاء بما قاله الرئيس الاميركي ثيودور روزفلت، في محاضره له بعنوان laquo;المواطن في الجمهوريةraquo;.
تقول الكاتبة البريطانية دوريس ليسينغ (الحائزة على جائزة نوبل للعام 2007) في كتابها laquo;الدفتر الذهبيraquo;: laquo;قليلون هم الناس الذين يهتمون فعلاً بمسألة الحرية والتحرر او بمسألة البحث عن الحقيقة، وقليلون هم الناس الذين يملكون الرؤية والفطنة، او ذلك النوع من الرؤية والفطنة الذي تعتمد عليه الديموقراطية. ذلك انه بدون هذا النوع من الفطنة يموت المجتمع الحر او هو لا يستطيع ان يولدraquo;.
ويقول الكاتب الانجيلي الاميركي جون ماكسويل في تعريفه لمن هو القائد (له اكثر من 55 كتاباً يدور معظمها حول مسألة القيادة والتغيير بينها laquo;التفكير من اجل التغييرraquo;، وبيع منه ما لا يقل عن 15 مليون نسخة): laquo;القائد هو الذي يعرف الطريق، ويسير في الطريق، ويبين للناس الطريقraquo;.
اما دايفيد هوفمان (المنتج الاميركي المعروف للافلام الوثائقية) فيقول: laquo;ان ما هو خاطئ اخلاقياً لا يمكن ان يصح مهنياًraquo;.
ويقول الفيلسوف الفرنسي المعاصر مارسيل بروس: laquo;نحن لا نتلقى الحكمة، بل يجب ان نكتشفها بنفسنا بعد رحلة لا يستطيع احد ان يقوم بها عنا او يوفرها لناraquo;.
وعن العزم والاصرار على التغيير والتحسين، يقول الزعيم البريطاني ونستون تشرشل: laquo;ان تتحسن هو ان تتغير، وان تكون كاملاً هو ان تتغير دائماًraquo;.
ويقول ايضاً: laquo;الكلام سهل وكثير بينما الافعال صعبة ونادرةraquo;.
وفي الحرب والانسياق الى الحرب يقول تشرشل: laquo;رجل الدولة القوي ينساق في حمّى الحرب لا يعود سيد سياسته بل يصبح عبداً لأحداث غير منظورة ومن الصعب التحكم بهاraquo;.


وكتب المستشار الاميركي وليام هوردينغ يقول: laquo;ليس في الحياة آلية للسير الى الوراء. فيها فقط آلية للسير السريع الى الامام، وليس لنا في ذلك خيار. والشيء المهم هو ان نتذكر ذلك ونوطد انفسنا على التجديد واعادة البناءraquo;.


وكان المصرفي الاميركي كيللي كينغ يعلق في مكتبه صورة لرجل يتسلق جبلاً كتبت تحتها العبارة التالية: laquo;اذا كان لا بد من ذلك، فالامر ليraquo;.
وكان رجل الاعمال الاميركي جون وانامايكر يقول: laquo;ليس هناك خطأ او فشل أفدح من التوقف وعدم اعادة الكرةraquo;.
بمعنى انه اذا صب المرء جهده نحو شيء ما فان الامور سوف تكون حسنة في النهاية، وهو ما عبر عنه الشاعر الالماني الكبير غوته بقوله: laquo;أصمد في وجه المحن ولا تستسلم لها فتخف الآلهة الى مساعدتكraquo;.


او ما عبر عنه العالم الفرنسي لويس باستور بقوله: laquo;الحظ يميل الى العقل المستعدraquo;.
وفي السياسة يقول الكاتب الصحفي في جريدة laquo;نيويورك تايمزraquo; بول كروغمان: laquo;الكذب في السياسة ليس شيئاً جديداًraquo;.
اما في القانون فيقول المفكر الحقوقي الانكليزي المعروف وليام بلاكستون: laquo;من المفترض ان يكون القانون درعاً لحماية الابرياء، ووسيلة لحماية الناس من اعتداءات الآخرين، وخصوصاً من اعتداءات الحكومة نفسها عليهمraquo;.


لكن فيما يخص المواطن في الجمهورية، فقد قال الرئيس الاميركي السادس والعشرون ثيودور روزفلت في محاضرة له بذا العنوان القاها في جامعة السوربون الفرنسية في شهر نيسان/ ابريل من العام 1910 (اي قبل قرن كامل): laquo;ليس الناقد هو الذي يعتد به، ليس الشخص الذي يشير الى عثرات الرجل القوي، او الى حيث يمكن لفاعل الفعل ان يفعله بصورة افضل. فالفضل يعود الى الرجل الموجود في الساحة فعلياً حيث يتمرغ وجهه بالتراب والعرق والدم، ويناضل ببسالة، يخطئ فيعيد الكرة، لأنه لا فعل بدون خطأ او نقص. انه الرجل الذي يعرف الحماس العظيم، والاخلاص الكبير، ويفني نفسه في سبيل قضية جديرة بالبذل، وهو الذي يعرف في النهاية وفي احسن الاحوال النصر الكامن في الانجاز العظيم، وفي اسوأ الاحوال اذا أخفق يعرف انه أخفق وهو يسير بجرأة متناهية حتى لا يكون مكانه بين الانفس الباردة البليدة التي لا تعرف طعم النصر ولا طعم الهزيمةraquo;.
ليس هناك إطراء أعظم من هذا الاطراء للرجال والنساء الكادّين في العمل. انهم ابطال هذ ا العالم!

الدكتور عودة ابو ردينة، اميركي من اصل عربي، متخصص في شؤون الشرق الاوسط وسياسات دوله، وله مساهمات كتابية عدة في المجالات الاقتصادية والمالية والمصرفية والنفطية، وهو يقيم في واشنطن، وهذا المقال تنشره ldquo;ايلافrdquo; باتفاق خاص مع تقرير ldquo;الديبلوماسيrdquo; الذي يصدره شهرياً من لندن الصحافي اللبناني ريمون عطاالله-عدد شباط/فبراير 2010