للأسف و من مراجعة أوراق و صفحات التاريخ العراقي البعيدة و القريبة تتضح حقيقة مهمة لم تتغير معالمها و لا حيثياتها و لا طبيعتها، وهي تلك المتعلقة بطبيعة العقلية الإجتثاثية و الإستئصالية التي تتحكم بسلوك كل من يطأ السلطة في العراق أو يتوسد على أريكتها أو يلامس حافاتها!، فالعراق كان و مازال من البلدان المبدعة للغاية في إنتاج و إستحضار الدكتاتوريين و الطغاة الذين رسموا بأقلامهم الدموية لوحات التاريخ العراقي الموشى بالدماء و الأشلاء، فطغاة العصر الأموي سلموها ساخنة لطغاة العصر العباسي الذين تحكم بهم طغاة ( أمميون ) فتارة من البويهيين و طورا من السلاجقة حتى تحولت الخلافة العباسية لحالة رهيبة من الرثاثة قبل أن يضرب المغول معاولهم في العالم الإسلامي و تخيم عصور الظلام الطويلة و فترات الإحتلال الفارسية و التركية وصولا للبريطانية في مطلع القرن العشرين وحيث تهيأت لأول مرة منذ ثمانية قرون طويلة من الضياع و الظلام فرصة إقامة الحكم الوطني الدستوري الملكي الهاشمي الذي جاء الفاشست من الضباط و العسكر الأغبياء ليقوضوا أركانه و يضيعوا فرصة التطور الإنساني الحقيقية التي ضاعت بين ثنايا الإنقلابات الفاشلة و الأحزاب المهترئة، فالبعثيون في إنقلابهم الدموي الرهيب في فبراير 1963 أعلنوها حربا واضحة على خصومهم عبر صرخة الأمين القطري السابق للحزب علي صالح السعدي وهو يتوعد خصومه الشيوعيين بعبارته الشهيرة ( إذبحوهم حتى العظم )!!

لاحظوا مدى شدة و قساوة وفاشية ووحشية التعبير السابق الذي إنطلق من لسان من يفترض أنه رجل دولة و ليس ( سرسري ) من سرسرية شوارع بغداد الخلفية!!

لقد كان السعدي وقتها صادقا وهو يحدد محاور وطبيعة و منهج العقلية السلطوية في العراق التي لا تعرف البراغماتية و لا أنصاف الحلول و لا السياسة التوفيقية التي كان يعتبرها البعثيون سياسة إنهزامية لا مكان لها في العراق، وقد نجح البعثيون و بإمتياز تاريخي صارم في إنتاج أجيال ( رائعة ) من العراقيين يتمتعون بروح فاشية و بمنطق إجرامي و بعقلية حقد لا حدود و لا سدود لها وقد إمتلك هؤلاء قدرة النفاق المتأصلة في المجتمع العراقي وقدرة التحول و نقل الولاءات بسرعة خرافية، وكانت الأحزاب الدينية و الطائفية ( شيعية كانت أم سنية فلا فرق بين الحالتين ) في طليعة من تشرب بالفكر الفاشي البعثي و أرتوى من منهجه الصافي و تسربل بردائه الدموي المفجع! فكل ما تغير هو الشعارات المرفوعة و الواجهات التي تتخفى تحتها تلك الأجيال الفاشية التي أزاح الإحتلال الأمريكي ( غطاء البالوعة العراقية ) عنها و أبرزها للعالمين كمثال حي و متجسد للطبقة السياسية العراقية الجديدة التي من شأنها أن تقود مسيرة الشعب العراقي في ( العراق الجديد )!!!

وفي الحقيقة لا شيء جديد بالمرة، فالعنف يستنسخ ذاته، و الفاشية الكبرى المندرسة قد أنجبت مجموعة من الفاشيين الصغار؟ كل ما تغير هو إعادة إنتاج حصص المجرمين في العراق الذين لا طاقة لهم على الحوار و النقاش و الإبداع إلا من خلال لغة الإجتثاث و الإستئصال وإستعمال السواطير و كواتم الصوت في قمع الخصوم، ولعل أسوأ بضاعة أنتجها الفكر الفاشي العراقي في العصر الديمقراطي الأمريكي الجديد هو تلك الأحزاب الطائفية التي تملأ الدنيا صراخا وعويلا و ( لطما ) في ذكر مساويء البعثيين و إرهابهم وتنسى حقيقة أنها نتاج حقيقي لذلك الفكر و تلاميذ نجباء لتلك المدرسة الفاشية التي لم تندرس مؤثراتها الفكرية أبدا بل ظلت حية تسعى و متجددة بعد أن تلبست روحها الفاشية في أهل تلكم الأحزاب الطارئة و المتخلفة و المريضة فكريا و سلوكيا، فما صرح به القيادي فيما يسمى ( التيار الصدري ) و النائب في البرلمان المحروس المدعو بهاء الأعرجي في سب و شتم الصحابي الجليل و احد العشرة المبشرين بالجنة و الخليفة الراشدي الأول أبو بكر الصديق ( رض ) ليس مجرد زلة لسان عابرة قيلت في أوقات غضب، لأنه لا علاقة بالفشل القائم في العراق بالصحابة الأجلاء أو بالائمة الكرام!

بل أنه تعبير حقيقي وفج عن طبيعة وحقيقة العقلية الطائفية المريضة و الروح الإستئصالية و مخططات الفتنة الطائفية و التقسيمية السوداء التي يحملها أهل الفكر الطائفي الصفوي الإرهابي، لا أدري حقيقة عن أية مؤامرة يتحدث ذلك الأعرجي و هو يعود بنا القهقرى لعصور التاريخ السحيقة و قبل أن يطأ دين الإسلام أرض العراق أصلا و إلى ( سقيفة بني ساعدة ) تحديدا و المحنة التي أصابت المسلمين بعد الوفاة المفاجئة للنبي الكريم محمد ( ص ) و الدور التاريخي و الشجاع و المسؤول الذي وقفه الرعيل ألأول من الصحابة في فترة أطلت فيه الفتن بقرونها و كان أهل الردة يبيتون ضربة ساحقة ماحقة للإسلام و أهله و نبيه الكريم وهي من احرج الفترات في تاريخ الإسلام السياسي و الحضاري، فأبي بكر الصديق ( رض ) كان فدائيا من فدائيي الإسلام وهب حياته و ما يملك في سبيل تحصين العقيدة و الدفاع عنها و مقاتلة المشركين و المرتدين ثم يأتي في آخر الزمان شخص تافه ذو فكر صفوي بدائي متخلف ليشتمه و يتهكم عليه و يصفه بالمتآمر في خطوة خبيثة لإشعال فتنة طائفية سوداء لن تبقي أو تذر، فهؤلاء الأغبياء لا يعيشون أو يتنفسون إلا في اجواء الفتنة و الدسائس، إنهم فايروسات طائفية صفوية خبيثة وجب إستئصالها قبل أن يستفحل أمرها و تدمر ليس العراق فقط بل عموم الشرق ألأوسط و لربما العالم الإسلامي، ولا أدري لماذا يسكت حماة الدستور في العراق عن سلوكيات أمثال مثل أولئك الفئات الطفيلية المريضة التي تخلت طوعا عن رداء ( التقية ) و أعلنت جهارا عن حقدها و عدائها للإسلام و أهله و سعيها الحثيث و المشبوه لإشعال الفتنة السوداء بين المسلمين؟ أين أهل العدالة و المساءلة المزعومة عن إجتثاث أهل تلكم الأفكار المدمرة؟ البعث قد رحل و أنتهى أمره و لا يمكن أن يعود فالماضي لا يعود و التاريخ لن يكرر نفسه أبدا إلا بصيغة تراجيدية تتحول لحالة هزلية كما نشاهده في العراق المدمى اليوم، حيث طفح الطائفيون و أنزوى الوطنيون و ساد أهل الجهل و الخرافة و أبتعد أهل العقل و الحصافة، لأن كواتم الصوت و السيوف الطويلة قد باتت اليوم للأسف أصدق أنباءا من الكتب و العقول و الكفاءات... طريق العراق سيكون الجحيم الحقيقي فيما لولم تشمل آليات الإجتثاث ذلك الأعرجي و سيده الذي علمه الإفك و النفاق و بقية عصائب الإرهاب و القتل و الجريمة و الفاشية الطائفية المريضة، و أي حديث عن عراق حر جديد لن يكون سوى مهزلة حقيقية في ظل سيادة و تقديس القتلة و الجهلة و الأميين و غلمان الصفويين و النابشين في قبور التاريخ المندرسة... إنها الحقيقة فالدجالون في العراق باتوا اليوم هم الرقم الصعب... و تلك هي المأساة!... فلا حول و لا قوة إلا بالله.

[email protected]