نصوص لا تُجوَّز الدولة الدينية


طموحُ السَّيفِ لا يَخشى إلهـاً
ولا يَرجو القيامَة والمعـــادا( )

حُضرت هذه الورقة لمؤتمر العلمانية في المشرق العربي الثاني.. الدولة العلمانية ومسألة الدين، بدعوة من داري نشر: البترا وأطلس، وكان من المفترض عقد المؤتمر مفتوحاً بجامعة دمشق، وعلى هذا الأساس قُدمت الدعوات، إلا أن وزارة الثقافة السورية، في آخر لحظة، أبلغت منظمي المؤتمر، أن يتحول إلى ورشة عمل، ومع ذلك عُقد ما هو أوسع من ورشة العمل باستضافة المركز الثقافي الدانماركي، الذي أتخذ بيتاً من بيوت دمشق القديمة محلاً له. حضر من سوريا صادق جلال العظم، ومن الأردن فهمي جدعان، ومن العراق: رشيد الخيُّون، ومن تونس: رجاء بن سلامة، ومن تركيا: بيناز توبراك وطالب كوشان، ومن بريطانيا: مارك سيد غويك.

في المستهل أقول: ليس هناك دولة، من العالم القديم، ومنها في عالمنا، لم تنسب وجودها وشرعيتها إلى الله تعالى، وأن قوانينها هي قوانين الله. لكن في حقيقة الأمر ليس شيء من عدالة السماء تحقق أو يتحقق، إنه شعار يُرفع لإخضاع النَّاس للمقدس لا أكثر. كم من دماء سفكت، وحرمات هُتكت تحت هذا المبرر. جاء في شريعة حامورابي (1792 - 1750 قبل الميلاد)، وتُعد شريعة هذا الملك الأولى في التاريخ، بهذا الشمول: laquo;عندما حدد (آنو) المتعالي، ملك الأنوناكي، و(أنليل) سيد السماء والأرض ومقرر مصير البلاد لـ(مردوخ) الابن الأكبر لأيا، الحكم على جميع النَّاس، وجعلاه سيداً على الأجيمي، وأطلقا اسمه على بابل، وجعلاه أقوى ما في جهات الأربع، وأقيمت له في وسطها ملكية خالدة بأسس راسخة، رسوخ السماء والأرض، في ذلك الوقت جعلاني.. أنا حامورابي.. الأمير الورع، خادم الآلهة، لأظهر الحق في البلادraquo;( ). وبهذا كانت الشريعة الشهيرة شريعة الإله لا شريعة الملك الإنسان.


وخشية وتحسباً من التكفير، وبالتالي القتل، حسب المنطق السالف، عندما قَدم الشيخ علي عبد الرازق (ت 1964) على إصدار كتابه laquo;الإسلام وأصول الحكمraquo;(1925) استهله بالشهادتين، على غير ما جرت عليه العادة في كتابة خُطب الكتب والمصنفات، وتأكيد عبوديته لله وإيمانه بالرسالة والملائكة، على أمل قطع الطريق على مكفريه، وهو يتحدث عن عدم وجود أو وجوب الإمامة أو الخلافة، وبالتالي الدولة الدينية، ومع ذلك لم يعتقوه، فلم يرد عليه مجلس المحاكمة (كبار العلماء) التحية( )، مع أن آية التحية لم تحدد نوعية الإنسان، الذي يُلقيها، وأمرت الله فيها ردها وبأحسن منها، قال: ﴿وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا﴾(النساء، آية: 84).
وفي المستهل أيضاً أود التذكير بمقولة للإمام علي بن أبي طالب (اغتيل 40 هـ)، قالها لابن عمَّه عبد الله بن عباس (ت 68 هـ)، وهو يهم بإيفاده إلى الاجتماع بالخوارج ومفاتشتهم في أمر انشقاقهم عنه: laquo;لا تخاصمهم بالقرآن، فإن القرآن حمّال ذو وجوه، تقول ويقولون. ولكن حاججهم بالسُنَّة فإنهم لن يجدوا عنها محيصاًraquo;( ). ويشرح ابن أبي الحديد (ت 656 هـ) هذه الوصية بالقول: laquo;ذلك أن القرآن كثير الاشتباه، فيه مواضع يُظن في الظاهر أنها متناقضة متنافيةraquo;( ). وهناك مَنْ يعدُّ ذلك القول من الحديث النبوي: laquo;القرآن ذو وجوه فاحملوه على أحسن وجوههraquo;( ). وكلا الشارحين ابن أبي الحديد، والشيخ محمد عبده (ت 1905) هما من أهل السُنَّة، فالأول، وإن كان هواه علوياً، إلا أنه كان معتزلي الأُصول شافعي الفروع.


نقول: حتى السُنَّة النبوية هي حمالة ذات وجوه، فكل طائفة اختلقت، أو روت، الأحاديث التي تجابه بها الطائفة الأخرى، فلأهل السُنَّة كتب عديدة، من أبرزها الكتب الستة: laquo;صحيح البخاريraquo;، وlaquo;صحيح مسلمraquo;، وlaquo;سنن أبي داودraquo;، وlaquo;جامع الترمذيraquo;، وlaquo;سُنَّن النسائيraquo;، وlaquo;سُنَّن ابن ماجةraquo;، ومصنفوها: محمد بن إسماعيل البخاري (ت 256 هـ)، ومسلم بن الحَجَّاج (ت 261 هـ)، وسليمان بن الأشعث السجستاني (ت 275 هـ)، ومحمد بن عيسى الترمذي (ت 279 هـ)، وأحمد بن شعيب النسَائي (ت 303 هـ)، ومحمد بن يزيد ابن ماجة القزويني (ت273 هـ).


أما الشيعة فعندهم الكتب السبعة، أربعة منها للمحمدين المتقدمين الثلاثة: laquo;الكافيraquo;، وlaquo;مَنْ لا يحضره الفقيهraquo;، وlaquo;الاستبصارraquo;، وlaquo;التهذيبraquo;، ومصنفوها: الكُليني(ت 329 هـ)، والشيخ الصدوق(ت 381 هـ)، والطوسي(ت 460 هـ). وثلاثة منها للمحمدين المتأخرين، صُنفت في الفترة الصفوية: laquo;الوافي في شرح الكافيraquo;، وlaquo;وسائل الشيعةraquo;، وlaquo;بحار الأنوارraquo;، من قبل: الفيض الكاشاني(ت 1680، والحر العاملي (ت 1692)، والمجلسي (ت 1699).


وكل منها يحوي الصحيح، والحَسن، والضعيف، وهناك من الموضوعات من الحديث، ولهذا ظهرت كتب الجرح والتعديل، والمختلف في الحديث، وقد رصد ابن قيم الجوزية (ت 751 هـ) في laquo;المنار المنيف في الصحيح والضعيفraquo;( ) أحاديث ليست بالقليلة من الركيك والمكذوب على الرسول.


وقد نُقل عن شيخ المعتزلة وفيلسوفهم، إبراهيم بن سيَّار النَّظام (ت نحو 231 هـ)، وقوفه على اختلاف الرواة والإخباريين، ورواياتهم لأحاديث تناقض بعضها بعضاً، قال: laquo;كيف يجيز السامع صدق المخبر، إذا كان لا يضطره خبره، ولم يكن معه علم يدل على غيبه، ولا شاهد على قياسه، وكون الكذب غير مستحيل منه مع كثرة العلَّل التي يكذب النَّاس لها ودقة حيلهم فيها، ولو كان الصادق عند النَّاس لا يكذب، والأمين لا يخون، والثقة لا ينسى، والوفيَّ لا يغدر، لطابت المعيشة، ولسلموا من سوء العاقبة(إلى قوله) ولولا أن الفقهاء والمحدثين والرواة والصلحاء المرضيين، يكذبون في الأخبار، ويغلطون في الآثار، لما تناقضت آثارهم، ولا تدافعت أخبارهم. قالوا: ولو وجب علينا تصديق المحدث اليوم لظاهر عدالته، لوجب علينا تصديق مثله، وإن روى ضدَّ روايته، وخلاف خبره، وإذا نحن قد وجب علينا تصديق المتناقض مثله، وتصحيح الفاسد، لأن الغلط في الأخبار، والكذب في الآثار، لم نجده خاصاً في بعض دون بعضraquo;( ). وأتى النَّظام على كذا عدد من الأحاديث المتضاربة، لا مجال لذكرها، لكن يمكن للمستزيد مراجعتها في المصدر أدناه.


أخلص من هذا المستهل إلى القول: ليس من الحق الإنكار على العازفين عن الدولة العلمانية أو المدنية، والمعتقدين في قيام الدولة الدينية ما يستندون هم أيضاً إلى آيات ومتون أحاديث مؤيدة لوجهة نظرهم، أو منافحتهم من أجل ذلك الهدف، لكنه ليس من الحق أيضاً أن ينكروا على القائلين بالدولة العلمانية أو المدنية، والضاغطين ضد وجهة تلك النظر آيات وأحاديث وممارسات ليست بالقليلة، بل أكثر مما يتشفع به أصحاب فكرة الدولة الدينية.


وقبل تناول محجتنا، وهي النصوص، غير الداعمة، بل المباعدة لقيام دولة الدين، أو حكم ظل الله في الأرض، هكذا قالها الشيخ ابن تيمية (ت 728 هـ): raquo;إن السلطان ظل الله في الأرضlaquo;( )، لا بد من فك الربط المزعوم ما بين العلمانية والإلحاد، ذلك ما فرضه على أصحاب الدعوة العلمانية فقهاء الإسلام السياسي، حتى غدا العلماني قريناً بالملحد، وأقول هنا، مدافعاً عن حقيقة الدين، مما فرضه عليه الفقهاء، والفقهاء السياسيون، من شدة وعسر، أنه يعطي الحق حتى للملحد بالعيش السليم، وهناك عشرات النصوص، التي تحيل أمر الاعتقاد إلى الله وما سيحاسب به عبده الجاحد، إن صح التعبير.


لا أضع العلمانية مقابل الإسلام الدين، مثلما يضعها خصومها، أما محلها الصحيح فهو مقابل الإسلام السياسي، فيمكن ما يقابل الدين، وما ظهر من نظريات أو فرضيات علمية، هو العِلم (كسر العين)، ومنه تكون العِلمانية (كسر العين)، أما على مستوى الاصطلاح السياسي فهي العَلمانبة (فتح العين)، وهي من العَالم، فهذا ما ورد في السريانية، اللغة التي كانت فاعلة بالمنطقة: عَلمو، أو عَلما، أي الدنيا. و ورد في laquo;التعريفاتraquo;: laquo;العَالم لغةً عبارة عمَّا يعلم به الشيء، واصطلاحاً عبارة عن كل ما سوى الله من الموجودات، لأنه يعلم به من حيث أسماؤه وصفاتهraquo;( ). وورد في قواميس العربية: laquo;العالم الخلق والجمع عَوالمraquo;( ). وليس هناك في المصطلح فرق ما بين العالم والدُّنيا إلا أن العَالم: اسم، والدُّنيا صفة( ). ويأتي العَالم في العربية أيضاً laquo;أهل كل زمانraquo;( ).


لا يهم أن تسمى الدولة لا الدينية بغير العلمانية، إذا كان هناك مَنْ يتحسس ويجفل من هذا الاسم أو المصطلح، مع أنه يعني إدارة العَالم أو الدُّنيا laquo;أهل كل زمانraquo;، بالدولة المدنية مثلاً، لكن الخلاف على ما يبدو ليس في التسمية إنما في المضمون، وهو فصل الدولة عن الدين، وبالتالي فصل السياسة الحزبية عن الدين، إذا كان هدف كل حزب الوصول إلى السلطة. باعتقادي، مثلما سعى إلى ذلك الشيخ علي عبد الرازق، أن هناك من النصوص القرآنية الكثيرة، والممارسات الحيَّة، ما لا يُقر دولة دينية ويوجبها، يُديرها حاكمها باسم الله تعالى، ولهذا يحاولون إبعاد مفردة الدينية عن الدولة التي يزعم الإسلاميون قيامها، فلا يقبلون إلا بتسميتها إسلامية، على أساس أن الإسلام ليس ديناً حسب، إنما هو طريقة حياة وسلوك معاش، والنَّاس يعيشون هذا الإسلام بلا توجيهات سلطة، لكن الحقيقة هم يردونها دولة دينية يرادفها تطبيق الشريعة بحذافيرها، على النساء وعلى كل مناحي الحياة.


وهذا ما استشعرته قبيلة لمتونة المغاربية، وهو ما يعني بداية تأسيس دولة الملثمين، أو المرابطين، ننقلُ تلك التجربة الحيَّة وذات المغزى، بما ينطبق اليوم، على الجامعات الدينية والإمارات التي حاولوا إشادتها داخل العراق مثلاً، ننقلها عن صاحب laquo;الكامل في التاريخraquo;: إنه العام 448 هـ، حجَ رئيس قبلية يدعى جوهر، والتقى هناك بفقيه اسمه عبد الله الكُزولي، فطلب منه مرافقته لتعليمهم أمور الدين، لكن الفقيه أراد السلطة، فقال له رجال القبيلة: laquo;أما ما ذكرت من الصلاة والزكاة فهو قريب. وأما قولك: مَنْ قتل يُقتل، ومَنْ سرق يُقطع، ومَنْ زنى يُجلد أو يُرجم، فأمر لا نلتزمه، إذهب إلى غيرناraquo;! بعدها تمكن الفقيه من تسمية شيخ قبلية laquo;أميراً للمسلمينraquo;، وهو الولي عليه، ولما خالفه رفيقه الأول جوهر عقد مجلساً لمحاكمته بـ laquo;محاربة أهل الحقraquo;، فحكم عليه بالقتل laquo;فقتل بعد أن صلى ركعتينraquo;! وظلت النائرة قائمة حتى تأمر عليهم يوسف بن تاشفين(ت 500 هـ) مؤسس مدينة مراكش وأمير المسلمين المعروف. وهكذا كان الدين وسيلة، فهموها، على بساطتهم، رِّجال قبيلة لمتونة بأن غاية الفقيه ابن ياسين قيام دولة وهو مرشدها أو وليها( ).


سأبدأ من النصوص القرآنية، تلك التي تبعد الشأن السياسي وإدارة المجتمع عن الدين، إيماناً بأن النص القرآني حمال ذو وجوه، مثلما تقدم، وبالتالي مثلما للمبشرين بدولة دينية أو إسلامية، من داخل القرآن، للتواقين إلى دولة لا دينية عَلمانية أو مدنية، يعش في ظلها الآخرون بلا تأزم وشروط، الحق بالانطلاق من داخل القرآن أيضاً، وليس من حق أي طرف توظيف النص الديني ورمي الآخر بالكفر أو الإلحاد. وما لا يدعم قيام الدولة الدينية من النصوص القرآنية ما حصر تكليف الرسول بالبلاغ، والإنذار والبشارة، والهداية، ونفى الحِفظ، ونفي السيطرة، والوكالة، ونفي الإكراه، ونفي الإجبار، وجميعها تأتي بمعني السيطرة والتسلط، وهي السلطة.


- آيات البلاغ: ﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ الْمُبِينُ﴾(النَّحل: آية 82). و﴿وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾(آل عمران: آية 20). و﴿مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ﴾(المائدة، آية: 99). ﴿وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ﴾(الرعد، آية: 40). وهناك سور أُخر حددت مهمة النبي بالبلاغ ولا يتعدى البلاغ سوى laquo;تبليغ الرسالةraquo;( )، وليس للمكلف بالبلاغ سلطة أو أمر على الذي أُمر تبليغه.
- آيات الإنذار والتذكير: ﴿فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾(هود، آية 12). ﴿وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ﴾(الحجر، آية: 89). ﴿فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ﴾(النَّمل، آية: 92). ﴿وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآَنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ﴾(العنكبوت، آية: 50). ﴿وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ﴾(فاطر، الآيات: 22- 24). ﴿إِنْ يُوحَى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾(ص، آية: 70). ﴿فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ﴾(الخاشية، آية: 21). ﴿فَذَكِّرْ بِالْقُرْآَنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ﴾(ق، آية: 45).. وتأتي النذير بمعنى صوت الرسول( )، الحامل الرسالة لتبليغها.


- آيات الهداية: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ﴾(يونس، آية 108). ﴿وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآَنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ﴾(النَّمل، آية: 92). وهناك عدد كبير من الآيات فيه معنى الهداية ومعنى الهداية وترك النَّاس لرَّبهم، بلا فرض سلطة دنيوية عليهم، منها على سبيل المثال: ﴿فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ﴾(الزحرف، آية: 83). ﴿فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ﴾(الطور، آية: 45).


- نفي الحِفظ: ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا﴾ (النَّساء، آية: 80). ﴿قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍraquo;(الأنعام، آية: 104). ﴿قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ﴾(الأنعام، آية: 107). ﴿بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍraquo;(هود، آية: 86). ﴿فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا﴾(الشورى، آية: 48). والحفظ تأتي بمعنى: الرعاية، والوكالة على الشيء( )، وكلها بمثابة السلطة.
- نفي السيطرة: ﴿لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ﴾(الخاشية، آية: 22). والمسيطر هو الرقيب والمتسلط( )، وكلها تأتي بمعنى السلطة.


- نفي الوكالة: ﴿وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ﴾(الأنعام، آية: 66). ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ﴾(الأنعام، آية: 107). ﴿وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ﴾(الأنعام، آية: 108). ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ﴾(الزمر، آية: 41). ومن معاني الوكالة أو التوكل الاستسلام( )، والوكيل تأتي بمعنى الحفيظ، وهو السلطة بعينها.


- نفي الإكراه: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآَمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾(يونس، آية: 99). ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾(البقرة: آية: 256). فكيف تقم دولة دينية ليس فيها إكراه في الدين! وعدم إكراه الناس على مبادئها وقوانينها، وماذا تعني الشروط العُمرية( ) التي تواجه أهل الأديان، من غير المسلمين.


- نفي الإجبار: ﴿نحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ﴾(ق، آية: 45)، جاء في التفسير جبرهم على الإيمان( ). ومعلوم أن الجبار اسم من أسماء الله، والسلطة لا تقوم إلا على الجبر لفرض قوانينها، أو الحاكم لفرض سلطته.


هذا عدد من الآيات، التي لا تشير إلى سلطة سياسية أو مُلك أو خلافة الله، والدولة الدينية لا تكون إلى عن طريق خلافة الله، فكتابه دستورها، مثلما يزعم الزاعمون، وإذا سألت أحدهم هل يمكن الموافقة على دستور لا يناقشه المحكومون، ولا يستفتون عليه، ويقترح المندوبون من المواد إليه، سيقال لك إنه كلام الله لا يناقش ولا يُقدم ويؤخر ويحذف، وما هو معلوم أن الله موصوف بأرحم الراحمين، بدليل أكثر من آية، ومنها: ﴿قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾(الأعراف، آية: 151)، فكيف يفرض على النَّاس بشر يحكمهم بكتاب الله.


وهناك سور إقرار الاختلاف بين النَّاس في الدين وفي الشرع، وكل ما جعله الله لبني آدم، جاء في آيات الاختلاف: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾(المائدة، آية: 48). ﴿وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾(يونس، آية: 19). ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ﴾(هود، آية: 118). وشرعية الاختلاف لا يبشر بدولة دينية، إنما دولة يعيش في ظلها الأديان والمذاهب، لا تحاسب رعيتها على أساس الشريعة.