استراتيجية الدولة التركية في معالجة القضية الكردية
تتعامل حكومة رجب طيب أردوغان مع المسألة الكردية على المستوى الدولي والاقليمي والداخلي باسلوب ديماغوغي أمني وعدائي لا يختلف عن اسلوب انظمة بقية الدول

ايديولوجية حزب العدالة والتنمية واستراتيجية الدولة التركية1-2

المحتلة لكردستان، وهو يريد تصفية حركة حرية كردستان وحزب العمال الكردستاني وازاحة دور قائد الحركة عبد الله اوجلان الأسير في السجن الانفرادي في جزيرة ايمرالي بكل الاساليب المتاحة له. انه يهدف من وراء تحركاته الاقليمية والدولية تخطيط مؤامرة جديدة وفعالة ضد الكرد، لاتختلف كثيرا عن المؤامرة الدولية والقرصنة المخابراتية في اختطاف زعيم حزب العمال والحركة الكردية التحررية في كردستان الشمال. ان حكومة اردوغان تعتبر القضية الكردية مصدر قلق لجميع دول المنطقة وتؤدي إلى عدم الاستقرار، ان تقييمه هذا صحيح طالما ترفض هذه الدول وضع حل سلمي وعلى اسس ديمقراطية لإنهاء معاناة الشعب الكردي ورفع الذل والاهانة عنه وإبطال نكران حقوقه وخصوصيته القومية. ان40 مليون كردي يمثلون ثاني امة من حيث العدد والمساحة الجغرافية في المنطقة لا يمكن ازالتهم وامحاءهم من الخارطة الجغرافية.
ان رئيس وزراء الحكومة التركية رجب طيب أردوغان يبكي على أطفال غزة الذين قتلوا او جرحوا في الحرب الاسرائيلية الظالمة على القطاع، ونحن الكرد نبكي أيضا تضامنا مع الشعب الفلسطيني الذي يعاني من ظلم الحكومة الاسرائيلية مثلما يعاني الكرد من ظلم الحكومة التركية، ولكن ماذا يقول السيد أردوغان حينما يقتل رجال أمنه أطفال الكرد بالرصاص الحي في المدن الكردية، أويعتقلونهم ويعذبونهم في السجون التركية، حيث بلغ عددهم في الفترة الاخيرة أكثر من أربعة ألاف طفل كردي معتقل، أليس هذا نوع من أنواع الحقد والتعصب القومي الاعمى على الكرد؟. وهل هذا التصرف ينسجم مع الاخلاق الاسلامية؟. ما هو موقفه من المحكمة التركية التي حكمت على فتاة كردية تبلغ من العمر خمسة عشرة عاما لمدة 8 سنوات؟. أين عدالة المسلم الصوفي أردوغان والمحاكم التركية التي حكمت بالسجن على الصحفي الكردي كورشون لمدة 525 عاما مجرد انه دافع عن الحقوق المشروعة لشعبنا المظلوم، حيث وجهت اليه المحكمة 105 تهمة من بينها quot;الترويج لمنظمة ارهابية والانتماء لهاquot;. ان محاكم حزب العدالة والتنمية أصبحت بمثابة آلة حرب ثانية بعد الآلة العسكرية في يد السلطات تستخدمها في حملات الابادة السياسية وعمليات الاعتقال بحق الساسة الكرد، ان هذا النوع من تسييس المحاكم هو خرق للقوانين والمواثيق الدولية وحتى التركية.


ان رئيس وزراء تركيا لا يكتف بهذا القدر من الاضطهاد، بل صرح أكثر من ذلك وهو قتل كل من يخرج للتظاهر للنيل من الشعب الكردي نساءا واطفالا وشبانا لاجل ترهيبهم، ولكن ستفشل هذه المحاولة اليائسة لأن هولاء لن يخضعوا لمثل هذه السياسة الطائشة لحزب العدالة والتنمية.

ان الوجه الحقيقي لديمقراطية الحكومة التركية هو البقاء في السلطة واستمراريتها وابعاد كل من يخالفها ويقف في وجهها، وهي تطبق طرقا جديدة وملتوية وحقودة ضد ساسة الكرد في كردستان، حيث تجري عملية الاعتقالات بأعداد كبيرة لم يسبق له مثيل في السابق، وهي تطال حزب السلام والديمقراطية وكوادره وقياداته وساسة الكرد الفاعلين في الساحة السياسية، وقد بلغ عددهم حوالي ألفي معتقل وبدون محاكمة حتى انهم يرفضون تقديم العلاج اللازم للمرضى، الهدف من وراء هذه التطورات الخطيرة هو شل الحركة السياسية للحزب وخلق الفوضى بين أبناء الشعب الكردي وعزله عن قيادته وعن زعيم الحركة عبد الله اوجلان، وكل ذلك بسبب الانتخابات القادمة واضعاف حركة حرية كردستان، وايجاد بديل كردي ضعيف وعميل لهم.


ان ما يجري الآن في تركيا من اعتقال لرؤساء البلديات في المدن الكردية الذين انتخبوا من قبل الشعب بشكل شرعي وحسب القانون التركي، لهو وصمة عار على جبين رئيس الدولة التركية ورئيس وزرائها، ومناف لكل القيم والاخلاق والديمقراطية التي ينادون بها. ان اعتقال رؤساء البلديات بالشكل السافر ووضع الاغلال في اياديهم وتحت حجج وذرائع واهية لايحدث في اي بلد من بلدان العالم، ما عدا الدولة التركية. ان التوتر السائد بين الجيش والحكومة واعتقال الضباط المتهمين بالانقلاب العسكري عام 2003 ما هو إلا خلاف حول مراكز القوة، ومسرحية سياسية لكسب الانتخابات القادمة ولاجل تسييس السلطة القضائية لصالح حزب العدالة والتنمية. ولماذا كل هذه الضجة الاعلامية؟. ان السيد أردوغان وصل الى السلطة بعد الانقلاب العسكري على زعيمه أربكان، وان ما يدعى الآن بالانقلاب العسكري قد مضى عليها سبع سنوات. ان الحكومة التركية تعمل من أجل ابعاد الجنرالات عن التدخل في شؤون السلطة ليس حرصا على الديمقراطية التركية بل لأجل السيطرة على السلطة القضائية وتغيير الدستور لصالح حزب العدالة والتنمية الحاكم، المكون من اجهزة الشرطة والاستخبارات ومستشارية الامن العام لفرض هيمنتها على البلاد واحادية حكم الحزب الواحد.

مؤامرة الدول الاقليمية:
ان مخطط المحور الثلاثي أو ما يسمى بالمثلث السوري التركي الايراني موجه بشكل خاص ومبدئي ضد الشعب الكردي وحركته التحررية في الاجزاء الاربعة من كردستان دون استثناء لاقليم كردستان العراق، حيث يستمر القصف الجوي والارضي من جانب كل من ايران وتركيا على قرى الاقليم دون تقديم احتجاج من الحكومة العراقية أو من قبل أمريكا المسؤولة عن أمن جغرافية العراق على اعتبارها دولة محتلة له، أما الادارة الكردية في الاقليم فتبقى ساكتة وكأن شيئا لم يحدث، وتغمض عيونها عن الدمار والخراب الذي يحل بالقرى الكردية، دون ان تتحرك قوات البشمركة لحماية الحدود والدفاع عنها، بينما تقوم هذه القوات بخلق المضايقات على طرق التموين لكي لاتصل المواد الغذائية لمقاتلي قوات حماية الشعب. هذه القوات التي تمثل رمزا كردستانيا يشترك فيها ابناء الشعب الكردي من جميع أجزاء كردستان الاربعة. ان هذا التواطؤ مع الحكومة التركية يدخل في دائرة المصالح الحزبية والسياسية والاقتصادية ولها أهداف هي:
1 اضعاف أو إزاحة حزب العمال عن الساحة الكردستانية ثم ايجاد بديل ضعيف له، وبالاخص في كردستان تركيا دون ان يدركوا بأن حرية آمد هي بوابة ومفتاح كردستان، وعاملا اساسيا في استقرار الاقليم من الاعتداءات الداخلية والخارجية ومن طرف آخر لا يمكن لآمد ان تكون حرة بدون صمود حزب العمال الكردستاني امام المؤامرات الاقليمية والدولية سياسيا وعسكريا واعلاميا ولا يمكن وضع بديل آخر لهذه المعادلة.


2 ترى الادارة الكردية في الاقليم، بأن فتح قنصلية تركية في أربيل يعتبر اعترافا بفيدرالية اقليم كردستان العرااق، وهذا خطأ كبير لايقبله أي عقل سياسي ناضج، أن الدول تفتح القنصليات في المدن الكبيرة لأسباب تتعلق بمصالحها، كما هو الحال مع تركيا التي فتحت قنصليات عديدة في العراق في البصرة والموصل، ثم جاء دور أربيل.
3 ان تركيا هي المستفيدة الاولى اقتصاديا في الاقليم، لها عشرات بل مئات الشركات العاملة تحت مسميات عديدة، ان كانت وهمية اوحقيقية، وترافق هذه الشركات عشرات بل قل المئات من الجواسيس وعملاء الاستخبارات التركية للتجسس وخلق الفوضى والتفرقة بين الكرد. على ادارة الاقليم الا تنخدع بالعروض التركية وأساليبها الملتوية، عليها ان تكون اكثر وعيا ويقظة لاجتناب صراع كردي كردي، فبدلا من اعتقال عناصر حزب العمال والتعاون مع الدولة التركية عليها ان تحتج على الممارسات التركية تجاه الاعتقالات لساسة الكرد ورؤساء البلديات وكوادر حزب السلم والديمقراطية وعشرات المئات من اطفال الكرد وشبابهم.


ان استراتيجية المثلث العدائي هي شن حرب مشتركة على المستوى العسكري والامني والسياسي والاعلامي ضد الثوار الاكراد والاحزاب الكردية الوطنية، وضد اقليم كردستان العراق وقد ازداد هذا المحور شراسة وعدوانية بعد إلغاء تأشيرات السفر بين هذه البلدان وتفعيل السياسة الامنية والمخابراتية المشتركة بينهم، فسلمت دمشق العشرات من المناضلين من عناصر حزب العمال للدولة التركية مع إرتفاع عدد المعتقلين وضحايا التعذيب في السجون، ناهيك عن قتل المجندين الكرد عمدا في الخدمة الالزامية واعدام شبابهم المناضلين في ايران.

المؤامرة الدولية:
ان هذه المؤامرة تستهدف حركة حرية كردستان بمشاركة الاتحاد الاوروبي وعلى رأسها الادارة الامريكية وذلك لمصالحهم الجشعة مع تركيا وفي المنطقة وهي لا تختلف من

حيث الهدف لتلك المؤامرة والقرصنة الدولية على الزعيم الكردي عبد الله اوجلان، وكان مخططهم أن اعتقال اوجلان سيؤدي الى خلق الفوضى والانشقاق بين صفوف حزب العمال الكردستاني والقضاء على مسيرته النضالية، ولكن النتائج جاءت عكس رغباتهم، حيث زاد التلاحم والتضامن والارتباط مع قائد الحركة بين المجتمع الكردي والقوى السياسية الكردية في جميع اجزاء كردستان، وزاد حزب العمال الكردستاني وقوات حماية الشعب شأنا وقوة في جميع المجالات، ولقنوا الجيش التركي المعتدي درسا قاسيا لا تنساه آلة الحرب التركية، واخذوا الآن لهم شعارا السلم بدلا عن الحرب، الديمقراطية بدلا من التعصب القومي، قائد حر هوية حرة وحكم ذاتي ديمقراطي.
بعد هذا الفشل الذريع لمخططهم في تصفية حزب العمال وعزل عبد الله اوجلان عن شعبه، جاءت الدول المتآمرة بمشروع جديد للنيل من حركة حرية كردستان وقوات حماية الشعب بأساليب تنافى الديمقراطية التي يدعونها كما يلي:


1 ان تركيا تطلب من واشنطن ان تعمل معها كحليف استراتيجي ضد حزب العمال والحركة الكردية، وإلا سوف تكون مصالحها مهددة في المنطقة.
2 تفعيل مشروع اللجنة الرباعية التي عقدت في اربيل لتصفية الكردستاني، والمكونة من تركيا والعراق وأميركا بإشتراك ادارة اقليم كردستان.
3 اعتقال سياسي وناشطي الكرد في البلدان الاوروبية كما هو الحال في فرنسا وايطاليا وألمانيا وبلجيكا.
4 التصدي للمنبر الكردي الحر، واستهداف الفضائية الكردية Roj tv ومكاتب المؤتمر الوطني الكردستاني، ومؤسسات كردية اخرى وذلك من خلال الحملة الارهابية التي اشترك فيها المئات من رجال الامن والشرطة دون سابق انذار، وكأن بلجيكا تقوم نيابة عن حلف الناتو بشن الحرب على الصوت الكردي الحر في كردستان.

الرد الكردي على هذه المؤامرة الدولية
1 لإنجاح القضية الكردية يجب ان يكون الصراع الاستراتيجي للكرد ضد هذه المؤامرات اوسع من الاقليمية ويأخذ البعد الكردستاني والاقليمي والدولي.
2 المطلوب من الحركة السياسية الكردية والمثقفين ومنظمات المجتمع المدني التمسك بالحقوق القومية المشروعة وتوحيد الخطاب الكردي على كافة المستويات.
3 تشكيل مؤتمر وطني كردستاني أو حكومة كردستان الفيدرالية في المهجر لتحقيق الوحدة والديمقراطية بين الاطراف السياسية الكردية والمجتمع الكردي ثم وضع استراتيجية مشتركة واضحة وشفافة، تأجذ على عاتقها مسؤولية العلاقات الكردستانية والاقليمية والدولية للدفاع عن حقوق الكرد ولأجل حل المسألة الكردية.

طبيب ومحلل سياسي كردي