الواقع الحالي وإستمرارالكارثة الارمنية:

طبيب كردي سوري السويد
[email protected]


مجازر الأرمن وأرشيف الدولة التركية-2
إدخال الإبادة الارمنية الى دهاليز السياسة هي جريمة أخرى بحق هؤلاء الضحايا الأبرياء. هذا هو ما يقوم به ارمن الشتات بكل أسف. ارمن الشتات في امريكا وكندا وكل اوروبا وحتى استراليا لهم لوبيات مؤثرة في تلك البلدان. من جهة أخرى يمتلك هؤلاء رؤوس أموال ضخمة ولهم دوركبير في عالم المال والأعمال على المستوى العالمي.

كل تلك الإمكانيات وأرمينيا الدولة المستقلة وأرض الآباء والأجداد تعيش في مستنقع آسن من الفقر والفاقة وفي ظروف بدائية خارج العصريعجز وصفها. لقد وصل الأمر بالشباب والشابات من ارمينيا الى التسول في شوارع المدن التركية وخاصةً استانبول ومدن الساحل السياحية لاهثين وراء لقمة العيش على أقدام أبناء مدبري المجازر يتجرعون السم لاحول ولا قوة لهم. أعدادهم ضخمة وليست لهم حق الإقامة بشكل قانوني يتكلمون بتركيةٍ ركيكة مما يجعلهم عرضةً للإبتزاز والضغوط. الدولة التركية صامتة وتغض الطرف عن إقاماتهم اللاقانونية لتستفيد من المأساة. عمال وأجراء وأيدي عاملة رخيصة وبدون تأمينات. الحكومة الارمنية مضطرة الى التصالح مع تركيا بسبب الوضع المعاشي الكارثي فيها حتى تفتح هذه الأخيرة حدودها، بينما ارمن الشتات يلطمون الخدود ويذرفون الدموع على المجزرة ولا أي شيء آخر.

القضايا العادلة والكبيرة تفقد مصداقيتها وإحترام الآخرين لها إذا كان من يرفع لواءها وينادي بها ليست لديهم المصداقية والأخلاق السامية والحس الإنساني الصادق.

ارمن الشتات صاروا عبئاً على القضية. ألا يجدر بهم أن يعودوا الى الوطن الأم ارمينيا لإعادة بنائه؟. على الأقل عليهم إستثمار رساميلهم الضخمة هناك. حتى أرمن سوريا ولبنان لا يرتضون العيش في الظروف المهينة التي تقاسيها ارمينيا.

العالم المتحضرلا يمكن أن يثق بارمن الشتات الذين إختزلوا القومية الارمنية والوطن الارمني كله بشعارات الإبادة ويجعلوها مطيةً للبقاء في المحافل الإقتصادية المشبوهة المرتبطة باللوبيات. المصيبة الكبرى هي أن العكس هو مايحدث أي هجرة الأرمن للوطن الأم.

ما العمل؟.

الحل الوحيد هو الوصول الى الحقيقة المجردة لما حدث. في بداية الحديث كنت قد نوهت الى وجوب فتح أرشيف الدولة التركية، ولكن قرأت ما قاله عالم الإجتماع الكبير السيد إسماعيل بشيكجي قبل فترة وجيزة في مؤتمرٍ في استانبول يؤكد أن تركيا محت من الوجود كل الوثائق المتعلقة بالإبادة وكان بين الحضورالسيد توما جليك عضو المجلس السرياني الاوروبي. السيد بشيكجي يقول: إذا أردنا الوصول الى الحقيقة ليس أمامنا إلا الرجوع الى الصحافة اليومية التي كانت تصدرفي تلك الفترة الزمنية، التركية منها والاوروبية. أما المصدرالآخر فهو نص المقابلات التي أجريت مع الناجين من المجزرة وهي بالآلاف المؤلفة.

الحقيقة أن المصدرالأهم من كل ذلك هو ما أرسله القناصل والسفراء الأجانب من التقارير المرسلة من تركيا الى دولهم بالإضافة الى ما كتبه هؤلاء لاحقاً من كتب ومذكرات. عندها سيجد المرء مدى إشتراك تلك الدول الأوربية في حصول وإستمرارالفظائع وذلك بالصمت الجبان والمخزي لتلك الدول إزاء ما كان يجري أمام أعينهم. بل نرى أن المانيا بالذات كانت مَنْ وضعتْ تفاصيل مخطط الجريمة (قانون التهجير) لحليفتها تركيا بحيث أنها صارت فيما بعد quot;مدرسة quot; تعلم فيها النازيونquot; علوم الإبادةquot; كما كتب الصحفي الشهير روبرت فيسك في إحدى كتبه. كتب فيسك أيضاً: {{ وقد عرف العالم الكثير عن هذه المذبحة أولاً أن بدأت وكلفت الحكومة البريطانية الكونت جيمس برايس والمؤرخ الشاب أرنولد توينبي بإعداد تقريرعن أحداث الإبادة التركية ضد الأرمن في عام ١٩١٥ وقد قاما بتقديمه، وإلى جانب هذا فقد وضعا مؤلفاً آخر في ٧٠٠ صفحة عن المشاهد التي رأياها بأعينهما في تركيا وأطلقا عليه: (معاملة الأرمن في الامبراطورية العثمانية ١٩١٥- ١٩١٦ ) وجاءت كثير من الشهادات التي تضمنها هذا الكتاب من المبشرين الأميركيين في تركيا ومن الديبلوماسيين الإيطاليين والهولنديين والسويديين واليونانيين والأميركيين والألمان}}.

لا أخفيكم سراً أن أقول أنني أصبت بالكآبة والحزن طيلة الأسبوع الذي قضيته في قراءة المصادر وكتابة هذا الموضوع، وإن ما كتبه د.ايشجانلي في الصحيفة الالكترونية quot;كردستان بوستquot;، وهو كردي، يختصر مايود المرء قوله إذ يقول: {{قرأت في كتاب quot;ماردين عش النسرquot; للقس هياك وهو ينقل ماشاهده من أهول المجزرة. حتى يستطيع الإنسان قراءة الكتاب كله لابد من أن يكون المرء مصاباً بعاهةٍ في الضمير والوجدان، أو أن مراكزاللامبالاة وفقدان الحس وإنعدام الشعور متطورة جداً في دماغه. أنا لم أستطع قراءة الكتاب الى نهايته، وإذا ظن أحد منكم أن لديه القدرة على ذلك فليجربه}}.

قضية المذابح تهم البشرية جمعاء. حتى ترتاح أرواح ضحايا المجزرة لابد من الوصول الى الحقيقة. لذلك يتوجب عدم ترك القضية لألاعيب السياسة. الأفضل هو تشكيل هيئات ولجان من المؤرخين والعلماء المشهود لهم بالحيادية والنزاهة (مثلاً برئاسة نلسون مانديلا أو أحداً آخر من وزنه ومستواه ) وتحت إشراف الامم المتحدة لإتخاذ القرارات الإلزامية للجميع وقبل حلول عام 2015 أي قبل مرور مئة عام على المجازر.

قد يعتقد الكثير من السريان بأن الغرب المسيحي سوف ينصفهم. الديانة لم تعد تعني شيئاً للغرب وهذا هو الصواب. إلا أن المصلحة صارت غشاوةً على أعينهم وضمائرهم. اليونانيون كانوا يعتبرون أنفسهم الطفل المسيحي المدلل لدى الغرب وإعتقدوا أن الغرب سيقف معهم ضد تركيا، ولكن هذا الغرب quot; المسيحيquot; وقف ولايزال يقف الى جانب الدولة التركية على طول الخط. هذه العقلية الساذجة أوصلت اليونان الى الافلاس كما نرى حالياً.

بالنسبة الى الأخوة السريان الذين يعودون بجذورهم الى طورعابدين، وكاتب هذه السطور جذوره من هناك، نطالبهم بالعودة الى أرض الآباء والأجداد، أي أرضهم. طورعابدين لا تكتمل فرحتها إذا لم تكحل العين بعودة أبنائها السريان. طور عابدين تفقد هويتها ورونقها دون الفسيفساء المسيحي والإيزيدي والمسلم ودون المحلمي والسرياني والكردي والارمني والعربي......

هذا كله لايحدث إلا إذا بدأنا بتربية أطفالنا منذ الآن الحب والتسامح أهم مبادئ الديانة المسيحية......عندها ستأتي أرواح الضحايا لترفرف فوق سماء طورعابدين وتحمي أبناءها جميعاً، ذلك الفسيفساء، من كل مكروه.....
ونردد جميعاً:

المجد لله في العلا...
وعلى الأرض السلام...
وفي الناس المسرة....
آمين

ملحق:
من كتاب روبرت فيسك:

ومن بين الشهادات الأميركية ما كتبه ليزلي ديفيز القنصل الأميركي في هاربورت عن جولة له على ظهر حصان في أراضي الموت في أرمينيا حيث كتب أنه حول بحيرة laquo;جولجوكraquo; رأى بقايا جثث ما لا يقل عن ألف أرمني.. جثثاً متراكمة على الصخور أُسقطت من أعلى جبال المنطقة، وفي الماء وعلى الرمال.. وعلى سفوح التلال.. laquo;كانت النساء ملقيات على ظهورهن مع تشويه بشع بحراب الشرطة.. وفي إحدى رحلاته اقترب ديفيز من امرأة تحتضر وقدم لها خبزا... فصرخت وقالت إنها تريد الموت.. وفي قرية أخرى في المنطقة وجد ديفير أرمنيا حيا.. أنقذه وعرف أنه أستاذ جامعي.. وكتب هذا الأستاذ بعد ذلك كتابا عن laquo;الألم والكرامةraquo; مرثية، جاء فيها:

ألا تستحق هذه الأجساد الميتة والعظام الجافة حفنة من تراب
حفنة من تراب.. على الأقل لهؤلاء.. الذين لا يطالب بهم أحد
نحن نكره تخيل أجساد أحبابنا
طعاماً للحشرات
وعيونهم الجميلة ملأى بالديدان
وخدودهم التي تستحق القبلات
محشوة بالعفن
وشفاهم الوردية
طعاماً للزواحف
إنهم مطروحون في الجبال
مهجورون، غير مدفونين
تهاجمهم الديدان والعقارب
عيونهم مفتوحة، وجوههم مرعبة
رائحتهم نتنة.. كرائحة السملخ
النساء، عاريات الصدور، والسيقان،
ألا توجد حفنة من تراب.. تغطي شرفهن؟
الهنا.. امنحنا حفنة التراب التي نطلبها
لأن البشر لا يمنحونها!.

مأساة.. إبادة بشعة قام بها الأتراك ولكنها كانت المدرسة التي تعلم فيها النازيون.. !!!!

وفيما يلي مقتبسات من مقال للمؤرخ الكردي الدكتورخالد عيسى:
سنعرض، في هذه الحلقة، قسماً من المعلومات التي حصل عليها المفتش الخاص قائد كتيبة الأمن العام في القامشلية، و التي أرسلها في السابع عشر من أيلول 1931، إلى رئيس الأمن العام في ولاية حلب(1). و هي تتضمن معلومات تتعلق بصفحة من التاريخ المشترك للأمتين الكردية و الأرمينية.

****

المفوضية السامية للجمهورية الفرنسية
+-+-+-+
الأمن العام
------
كتيبة القامشلية
--------

رقم: 777/آ.ع.ق
القامشلية في السابع عشر من شهر أيلول عام 1931
من المفتش الخاص قائد كتيبة الأمن العام في القامشلية
إلى
السيد رئيس الأمن العام في ولاية حلب
الموضوع: النشاط الكردي
المرجع: مذكرتكم رقم 3266/ آ.ع المؤرخة في الرابع عشر من شهر آب 1931.
لي الشرف أن أوافيكم أدناه، بالمعلومات المجمّعة بهذا الخصوص:
(...)
د)- علاقاتها، مساندوها
1/- الاتفاق مع اللجنة الثورية الأرمينية quot;تاشناقquot;:

رغم هذه النقطة المكتسبة (دمج كل الأحزاب الكردية)، يدرك الوطنيون الكرد بأنهم، بالاعتماد على ذاتهم لوحدهم، و بدون دعم و تعاون أجنبيين، لن يستطيعوا، رغم تضحياتهم، الصمود طويلاً في هذا النضال الشامل ضد القوات التركية ( استفادوا كمثال من تجربة عام 1925)، قرروا التفاهم مع الأرمن الذين كانوا قد سبق لهم، على ما يبدو، و أن قاموا بتقديم عروض في هذا الاتجاه بواسطة الدكتور فاهان باباظيان، رئيس حزب quot;تاشناقquot; في سورية و لبنان.

نسى هذان الشعبان نزاعاتهما القديمة، المدبّرة من قبل السلطان عبد الحميد، من أجل توحيد إمكاناتهما ضد العدو المشترك.

انعقدت اتفاقية بينهما أثناء المؤتمر الذي انعقد في السابع و العشرين من شهر تموز عام 1927، برئاسة جلادت عالي بدرخان.

قدّمَ الدكتور فاهان بابازيان و أخوه كراتش (هراتش ndash; المترجم) * اللذان مثلا لجنة quot; تاشناقquot;، عرضا بشروط حزبهما، و تم قبولها.

تنص الاتفاقية المنعقدة على:

تلتزم لجنة quot; تاشناقquot; بتقديم دعم مادي و مالي للثوار الكرد للاستمرار في القتال بغية إنشاء دولة كردية مستقلة، أو تحت الانتداب الفرنسي أو الانكليزي، حسب الظروف.
ستشمل هذه الدولة ولايات بيتليس، و موشن، و دياربك، و ماردين، و مالاتيا، و عنتاب، و سيواس، و خربوت.
ستُلحق بحكومة ايريفان ولايات وان، و أرزروم، و بايازيد.
في حالة الحرب، ستكون الدولتان متضامنتين ضد الغزاة.
تم التصديق على هذه الاتفاقية بخطاب ألقاه جلادت بدرخان خلا ل هذا المؤتمر، و سأنقل، أدناه، بعضاً من مقتطفاته.
quot; تأمل لجنة quot;خويبونquot; أن لا تؤثر، لا المكائد المستقبلية و لا الأخطاء المرتكبة في الماضي من قبل الأمتين، على العلاقات الودية و الشبه أخوية التي أُعيد تشييدها بين الأرمن و الكرد.

تأمل أيضاً بأن تكون هذه الصداقة المستعادة بعد المآسي المشتركة، و الدم النبيل لشهداء الأمتين الشقيقتين المراق من قبل نفس الجزار، متينة بشكل كاف لمقاومة كل المكائد و كل هذه الذكريات.

بعد انتزاع أرمينيا و كردستان من مخالب طغاتها، ستحل مسألة تحديد الحدود بين بلديهما بروح الصداقة و الأخوة، و سيكون التنازل عن بعض المدن و القرى أقل قيمة من الصداقة و التفاهم الأرمني- الكردي الجيد.quot;

و منذئذ انخرطت لجنة quot;تاشناقquot; أيضاً في العمل. يُعتقد بأنه التحقت بضعة مئات من الأرمن بثوار إحسان نوري باشا (انظر نشرة المعلومات رقم 226، و 445، و 602 الصادرة في الثامن من نيسان، و في الرابع عشر من حزيران، و في السادس و العشرين من تموز لعام 1931).
و يقال بأنه قد تم إرسال أسلحة و ذخائر من فروع اللجنة في ايريفان، و في العراق، و في بلاد فارس، بل حتى من سورية. و يعتقد بأن فرع تبريز (بلاد فارس) الذي يرأسها المدعو ميهران، و هو تاجر كبير في هذه المدينة، هو حالياً المكلف بشكل خاص بإمداد الثوار ( انظر نشرة المعلومات رقم 2681 الصادرة في الثالث و العشرين من شهر آب عام 1931، الفقرة الرابعة).

تنظيم هاتين اللجنتين (خويبون و تاشناق ndash;المترجم) هو الأفضل تجهيزاً. الدعاية النشطة لأعضاء لجنة quot; تاشناقquot; في الجزيرة لصالح الثوار الكرد معروفة ( انظر نشرة المعلومات رقم 399، و المعلومة رقم 412 المؤرختين في الثالث و الخامس من شهر حزيران عام 1931).
أحد الأهداف المبتغاة من هذه الدعاية، من بين غيرها، هو تحقيق الاتحاد الأرميني-الكردي في سورية و في العراق. في الحقيقة، تتلاقى كل الجهود نحو هذا الاتحاد، بنيّة إعادة محاولة جديدة، رغم الفشل الذي وقع في تموز عام 1930، للقيام بحملة في تركية.

لا ننسى، في الواقع، بأنه بعد القرارات المتخذة في مؤتمر بحمدون، في آب عام 1930، حضّرت اللجنتان حملة في تركية، لكنها فشلت في اللحظة الأخيرة.


ملاحظة من المترجم:
(1)- كانت دولة سورية قد تشكلت بدمج دولتي حلب و دمشق، و تحولت هاتان الدولتان إلى ولايتين داخل الدولة السورية، بينما بقيت دولة جبل الدروز و دولة جبل العلويين مستقلتين.
*- (ملاحظة من الأمن العام في حلب) 1- لاتوجد صلة قرابة بين فاهان بابازيان و هراش بابازيان.