انطفأ حماس أجهزة الاعلام العربية والعالمية لمتابعة احداث قافلة quot;الحريةquot; وتراجع شعب غزة وهجوم اسرائيل وريادة تركيا الاسلامية لنصرة القضية الفلطسينية والحملة العالمية لفك الحصار عن شعب غزة خلف عناوين بطولة كأس العالم لكرة القدم في جنوب افريقيا. وبعد أن قرّت الموجة، وبان ساحل الأرض من ساحل السراب، تكشّفت للعيان حقائق مذهلة، تثير عشرات الاسئلة، والصحافة قبل كل شئ هي عالم الأسئلة:

حماس تركيا

تركيا تعيش صحوة اسلامية كبرى غير معلنة، وحكومة اردوغان تجد خلفها ملايين الاتراك في أرياف المدن و المهاجرين المنتشرين في انحاء العالم، ولكي تعزز هذا الحشد قررت تركيا أن تتبنى قضية خلافية كبرى وهي تنظر بحسد الى جارتها ايران التي تعاظم امتدادها العربي بتبنيها لقضية فلسطين. ولم تستطع الادارة الاسلامية لتركيا أن تتبنى قضية كل فلسطين لأن حكومة quot;ابو مازنquot; في الضفة الغربية لا تمثل استثمارا اسلاميا ناجحا ومضمونا، لذا اتجهت نحو قطاع غزة، ولأنها لا تستيطع أن تدعم علنا ادارة حماس التي تحكم غزة فقد اختارت ان تدعم حملة تنظمها بعض المنظمات الاوروبية لايصال مساعدات عينية الى أهل غزة ( اسوة بقوافل المساعدات التي كانت ترسل الى شعب العراق لكسر طوق الحصار الاقتصادي في تسعينات القرن الماضي والتي كانت تنتهي في مضايف القصور الرئاسية لصدام حسين).

نجحت تركيا في مساعيها وأضحت لاعبا جديدا مهما في الشرق الأوسط بعد ان ظلت لعقود طويلة بعيدة عن ميدان اللعبة السياسية في هذه المنطقة. نجحت تركيا من خلال دعمها الاعلامي لقافلة quot;الحريةquot; في استقطاب الدعم العربي والاسلامي، رغم انها تحتفظ بقاعدةquot; انجرليك quot; الامريكية ورغم أنها عضو في حلف الناتو، ورغم انها شريك عسكري استراتيجي لاسرائيل وقد دأبت على القيام بمناورات عسكرية مشتركية معها على امتداد عقود من الزمن، نجحت تركيا في تعبئة الرأي العام العربي والاسلامي لمعركة اعلامية مرتقبة رغم أن لديها سفارة في تل أبيب ( وليس في القدس) ولاسرائيل سفارة في انقرة، (وهذا يذكرنا بدولة قطر وثورتها الاعلامية الكبرى التي تقودهاquot;الجزيرةquot; لاسيما وأنّ وزير الصناعة والتجارة الاسرائيلي بنيامين بن اليعازر كان في موجودا في الدوحة لحضور اجتماع المنتدى الاقتصادي العالمي اثناء واقعة السفينة quot;مرمرةquot;).

نجحت تركيا ان تصنع لنفسها قضية عبر دعمها الاعلامي لأسطولquot; الحريةquot; الاوروبي للمساعدات. ومن نافلة القول أنّ مواقف الدول ترتبط بمصالحها ولا علاقة لها بمبادئها المعلنة، فهل تحوّلت مصالح تركيا من اسرائيل واوروبا الى غزة؟

وهل سيكون العرب بديلا جنوبيا يمكن أن يعوض تركيا عن خيباتها المتكررة المستديمة في الانضمام الى الاتحاد الاوروبي؟

وهل تقبل الحكومات العربية غير المتوافقة مع حماس أن تكون ظهيرا لتركيا وهي تدعم غزة التي تديرها حماس؟

وهل ترضى الدول العربية الرائدة أن تصادر تركيا دورها الريادي في المنطقة؟ وما علاقة كل هذا بالاتفاق بين تركيا والبرازيل وايران بشأن برنامج الاخيرة النووي؟

وهل تسامى المسلمون فوق خلافاتهم الطائفية التي فرقتهم الى معسكرين متضادين فاتفقت تركيا الاسلامية السنية مع ايران الاسلامية الشيعية بشأن هذه القضية؟

حماس اسرائيل

اسرائيل انسحبت من غزة عام 2005 لأنها لاتريد أن يستمر صراعها مع الفلسطينيين الى الأبد فهو يعني فيما يعني تعبئة كافة مواردها لادارة ماكنة عسكرية واستخبارية ضخمة تلغي اية امكانية لرفاه اقتصادي تسعى اليه أي دولة في العالم. غزة كما يبدو ترفض هذا الانسحاب المرتبط بحصار بحري يراقب كل بضاعة تدخل الى القطاع الذي يبلغ عدد سكانه مليون ونصف مليون انسان. اسرائيل (كما تعلن رسميا) لا تريد ان تتسرب الى القطاع مواد لتصنيع صواريخ يمكن ان تطلق على اراضيها، وحماس تصّر على ان صواريخ القسّام هي السبيل الوحيد للحوار مع اسرائيل.

إسرائيل تعلن أنها تسمح بمرور 15 الف طن من المساعدات الانسانية الى غزة اسبوعيا، فيما يحفر مئات الغزيون انفاقا على الجانب المصري من الحدود لتهريب البضائع الى داخل القطاع وتطاردهم قوات الامن المصرية بشكل مستمر.

نقلت وكالات الانباء أنّ قافلة المساعدات الكارثية كانت تتكون من 6 سفن متجهة الى شواطيء غزة، استجابت 5 منها لنداء القوات الاسرائيلية ورست بسلام في ميناء quot;اشدودquot;، فيما رفضت السفينة التركية quot;مرمرةquot; النداء وكان ما كان.

الصور التي عرضت على اليوتيوب عن تفاصيل ما حدث تظهر الجنود الاسرائيليين وهم ينزلون بالحبال الى السفينة ليتلقاهم ركابها بالقضبان والسلاسل ويلقون بأحدهم الى البحر، فهل قرر ركاب السفينة التصدي للقوة المهاجمة المسلحة بالسلاح الابيض قبل أن تفتح النار عليهم، أم أن الجنود اطلقوا النار فأجابهم الركاب باسلحتهم البسيطة؟

لايوجد بين القتلى والجرحى غربي واحد رغم أن السفينة كانت تحمل اكثر من 600 ناشط من كل الجنسيات، فهل رفض الغربيون المواجهة مع الجنود الاسرائيليين وتواروا في أقبية السفينة، أم أن المهاجمين وسط فوضى الهجوم تمكنوا ان يحددوا مسار اطلاقاتهم باتجاه العرب والاسيويين؟

لماذا لم تحدث مواجهات بعد أيام من الحادث حين سيطرت القوات الاسرائيلية على سفينة المساعدات الايرلندية (راتشيل كوري)؟

بين ركاب السفينة النائبة الاسرائيلية حنان زغبي التي شاركت في الحملة لكسر الحصار على غزة، وقفت حنان أمام الكنيست تدافع عن نفسها في جلسة صاخبة تعرضت فيها للشتائم والهجمات فيما تولى النواب الاسرائيليون العرب الدفاع عنها، وقالت فيما قالت:

quot; إن حصار غزة غير قانوني وغير أخلاقي وغير أنساني. كل سياسي له مواقف أخلاقية يعارض الحصار، ومن له مواقف لا أخلاقية يؤيد الحصارquot;. ثم خرجت الزغبي من الكنيست بحماية الجنود الاسرائيليين، فلماذا غضبت اسرائيل من الناشطين اذا كان بينهم نائبة في الكنيست؟ وإذا كان نائب اسرائيلي موجودا على سطح السفنية quot;مرمرةquot; تعبيرا عن احتجاجه على مواقف الدولة العبرية،فمتى نجد نائبا عربيا يفعل المثل باتجاه معاكس داخل برلمان بلاده؟

والأسئلة لن تنتهي، لكن المؤكد أنّ اسرائيل قد خسرت في هذا النزال أكثر مما ربحت، وأولى الخسائر هي اعلان الرئيس الامريكي باراك اوباما تخصيص 400 مليون دولار مساعدات للفلسطينيين، والخسارة الاسرائيلية هنا على مستويين، مادي حيث سيصل الى حماس جزء كبير من هذه المسساعدات، ومعنوي حيث عبّر اوباما بهذه الطريقة عن رفضه لما حدث وعن تعاطفه مع الجانب الاضعف في الصراع.