ثمة حديث، هذه الأيام، عن إحتمال توصل قائمتي العراقية و دولة القانون، من خلال المفاوضات الحالية التي تجري بين أياد علاوي و نوري المالكي، الى حل وسط لتجاوز أزمة تشكيل الحكومة في العراق، مفاده قبول أحد الطرفين بإستلام منصب رئاسة الجمهورية و الخارجية بدلاً من التعند في مطالبة منصب رئاسة الوزراء، و ذلك بعد الإتفاق على إجراء تعديل طفيف للصلاحيات التي يتمتع بها رئيس الوزراء لصالح رئيس الجمهورية، و قد يكون على رأس هذه الصلاحيات مسألة التحكم بالقوات المسلحة العراقية التي هي تحت أمرة رئاسة الوزراء بناء على يمليه الدستور العراقي الدائم على وظائف هذا المنصب السيادي.


و رغم أن هذا الإحتمال لا يتعدى حالياً طابعيه الإحتمالي إلا أننا نرصد حسب الأنباء التي تتسرب من هنا و هناك، بأن الأمر ليس إحتمالاً ضعيفاً أو مجرد فكرة مطروحة للنقاش و التفاوض حتى و إن تم نفيه من قبل متحدثي القائمتين و ذلك ربما لغرض التغطية على أسرار و خبايا مجريات التفاوض الحالي بين الطرفين.


و اللافت في الأمر طبعاً أن هذا السيناريو الذي فَكَرَت فيه قائمة العراقية قبل الدخول في الإنتخابات الأخيرة (7/3/2010) و أثاره أكثر من مرة السيد طارق الهاشمي، أصبح الآن، خاصة بعد بروز مخاطر أزمة تشكيل الحكومة و خيبة القائمة يوماً بعد يوم من أن تُشَكل الحكومة، أصبح قيد البحث بل الإشتغال عليه، حتى و إن كان الأمر فيه بعداً يتعلق بمنطق جس النبض، و لكن من دون الخشية، على ما يبدو، من موقف الأطراف العراقية الأخرى منه، و دون إيلاء أي إهتمام حقيقي لتداعياته و عواقبه على شروط تشكيل الحكومة على أساس الشراكة الوطنية التي تنادي بها الأطراف العراقية المختلفة، و لا حتى بوضع المعاني الخطيرة التي ترتبط بذهنية الأقصاء و الإستبعاد بنظر الإعتبار.


هذا السيناريو إن كان صحيحاً أم لا، لا يقلل من أهمية الوقوف على خطورته، و ذلك ليس لأن الأمر بحد ذاته ينطوي على مخاطر سياسية و مجازفات كبيرة بواقع العراق الراهن و إنما لأنه يعبر عن عمق مأزق ثقافة الديمقراطية العراقية الهشة التي لا تتحمل، في النهاية، مبدأ التعددية و لا الشراكة الوطنية و لا حق المواطنة و إنما تتحول أمام أنظارنا، من حين الى حين، الى ثقافة إستبعادية و أقصائية منافية لأبسط مفاهيم و مباديء النظام الديمقراطي الحقيقي، و ربما الدليل الساطع اليوم على هذا هو ظهور بوادر التفكير و التنظير بل التحضير لحرمان الأكراد من المواقع السيادية و المناصب الدولتية التي يتمتعون بها اليوم بعد نضالاتهم و ثوراتهم ضد الديكتاتورية الإستبداد، بل أسوأ من ذلك، هو عمل و تنسيق بل تلويح بعض الأطراف العراقية، من هنا و هناك، بعدم التجاوب مع مطالب المكون الكُردي في العراق فضلاً عن عدم التفاعل الحقيقي مع مسألة تطبيق المادة 140 من الدستور العراقي الدائم و أو الإعتراف بحق أقليم كردستان العراق بإرام عقود نفطية مع الشركات الأجنبية و التعاطي مع ميزانية قوات البيشمركة و القضايا العالقة بين الحكومة الأتحادية في بغداد و حكومة الأقليم في أربيل.


المشكلة هنا، في نظري، هي أن هذه التطورات و المعطيات أو البوادر و الإحتمالات على الساحة العراقية، تعيد البلد، لا محالة، الى حقب تاريخية مظلمة تنعدم اليوم شروط التخلص من أعباءها و مآسيها، بل تعيد العراق الى المربع الأول والى المراوحة العقيمة في التاريخ و أعادته على أسوأ صورة.. فالمعلوم هو أن الأكراد الذين قاوموا الديكتاتورية و الأنظمة العراقية المتعاقبة عبر التاريخ و قدموا مئات الآلاف من الشهداء و التضحيات الكبيرة و أندلعوا ثورات دموية من أجل حق تقرير المصير و الديمقراطية للعراق، لا يقبلون اليوم أبداً بأقل مما حصلوا عليه حتى الآن من حقوق قومية و سياسية في العراق و لا يساومون إطلاقاً عن مطاليبهم و قضاياهم التي ينضالون اليوم من أجلها عبر الحياة الديمقراطية و الإستحقاقات الدستورية فما بالك إذن إذا ما جرء و فكر الآخرون في البلاد في أقصائهم و أبعادهم عن المواقع و المناصب الرئيسية و التلاعب من جديد بموقعهم و مصيرهم؟ أن مرام من هذا القبيل ليس أمراً سهلاً على أحد أبداً و لايمكن تصور عراق آمن و مستقر سياسياً و أمنياً بدون الأكراد و ربما التجارب التاريخية المريرة التي مر بها العراق خير دليل ما نذهب اليه و نخشاه، و عليه نقول دوماً ما قلناه سابقاً: لا مستقبل لهذا البلد من دون قبول المكون الكُردي كجزء فاعل من النظام السياسي و المجتمع و لا معنى لأية ديمقراطية حقيقية في البلد من دون الإعتراف بحقوق الأكراد الكاملة، هذا ما يقوله لنا التاريخ و المنطق و العقل بل التجارب السياسية في هذا البلد خلقه الله على أن يكون متعدد القوميات و الأطياف و الشعوب و القبائل ليتعارفوا و ليس ليتحاربوا..
*رئيس تحرير مجلة ( والابريس ) ndash; كُردستان العراق