قبل سفره بنحو أسبوعين إنقسمت وسائل الاعلام الإسرائيلية بين مشير لمساحة الود المفتقد بين نتنياهو والرئيس الامريكي مؤكدة أن نقاط التلاقي بيهما تزداد تباعداً ، وبين مدافع عن حقه في الاختلاف بل ورفض الضغوط طالما انه يدافع عن مصلحة إسرائيل حتى لو كان ذلك ضد مصالح أمريكا الحليف الاكبر..
قال يوئيل ماركوس بصحفية هآرتس ( 20 يونية ) ان نتنياهو لا يستطيع صنع سلام مع الفلسطينيين كالذي صنعه بيجين مع مصر ولا يملك قوة الشخصية التى تجعله قادراُ علي إزالة المستوطنات بالقوة كما فعل ( بيجن ) تمهيدا لإنسحاب كامل من سيناء.. أما موشيه أرنس فطالب رئيس الوزراء في نفس الصحيفة بعد ذلك بثلاثة أيام أن لا يرضخ للضغوط الأمريكية بالقول مرة أخري ان إسرائيل ليست جمهورية موز تأتمر بأوامر من واشنطن ، خاصة وانه ينفذ برنامجه الانتخابي الذي أتي به إلي رئاسة الوزارة ونصحة بأن يراعي تحالفه الداخلي لأنه في رأيه هو السند الحقيقي له ضد عاديات الداخل والخارج..
أما صحيفة الجارديان البريطانية ( 28 يونية ) فجاء تنبؤها دقيقا عندما استخلصت من اقوال مايكل أورين سفير إسرائيل في واشنطن أن العلاقات بين الطرفين quot; أصبها شرخ زلزالي عميق يصعب تجاوزه quot; ، حيث عسكت زيارة رئيس هئية الاركان المشتركة للقوات الأمريكية الأميرال مايك مولن ndash; أواخر شهر يونية ndash; أبعاد وعمق هذا الشرخ..
تعليقا علي هذه الزيارة المفاجأة والسريعة ، أجمعت التقارير الأوربية علي :
1 ndash; عدم قناعة إسرائيل بالقرارت الدولية والأمريكية التى أتخذتها واشنطن ضد إيران ، ورفضت كافة دعاوي البيت الأبيض التى حملها مايك في شأن جدواها وقدرتها علي وقف طموحات طهران النووية..
2 ndash; رفض إسرائيل لأسلوب تعامل واشنطن quot; الدبلوماسي الناعم quot; مع دمشق لفض العلاقات التحالفية بينها وبين طهران ، وتفضيلها الضغط المباشر لفطع يدها التى تمول حزب الله في لبنان ومنظمة حماس في قطاع غزة بالدعم المادي والمعنوي..
3 ndash; موافقتها علي اعادة قرية الغجر إلي لبنان ضمن إتفاق صريح ترعاه أمريكا عبر آليات الأمم المتحدة ، بشرط قبول بيروت للإشتراطات التى حددتها إسرائيل..
4 ndash; عمق الإحتلاف بين الطرفين حيال تركيا ، ففي حين تري واشنطن ضرورة تقديم بعض التنازلات لإرضاء أنقرة.. تصر أسرائيل علي التصعيد لثقتها أن لتركيا حدود فاصلة لا يمكن أن تتخطاها ضمن ملف علاقاتهما معا..
ورغم هذا الاجماع ، خرج مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي علي العالم قبل سفره بثلاثة أيام ليؤكد أن لقاؤ نتنياهو مع الرئيس الامريكي quot; سيغير وجه الشرق الاوسط quot;.. مما جعل كبار المعلقين السياسيين يتساءلون ضمن تغطيات وسائل الإعلام الامريكية لأبعاد الزيارة وفحواها ، عن كنه هذا التغيير وكيف سيجري وما هي حدوده ؟؟..
جلسات العمل التي بدأت أمس في واشنطن لن تصل إلي نتيجة محددة فيما يتعلق بخطط الادارة الأمريكية التى تري ان تحريك ملف الصراع بين إسرائيل والجانب الفلسطيني بشكل ايجابي يقود إلي قيام الدولة الفلسطينية ، سيساهم كثيراً في فرض الإستقرار داخل أفغانستان والعراق من ناحية وسيوقف تنامي دور طهران العابث بالمخططات الأمريكية في المنطقة من ناحية أخري..
هذا بينما يري نتنياهو أن الصدمات المتتالية التى تثقل كاهل باراك أوباما في الميدان الأفغاني وإنسداد أفق تشكيل الحكومة العراقية قبل شهرين من بدء إنسحاب القوات الأمريكية من فوق أراضيها ، تفرضان علي واشنطن أن تضع ملف السلاح النووي الإيراني علي رأس إهتماماتها ومن ثم عليها أن تأجل قيام الدولة الفلسطينية إلي ما بعد ذلك من منطلق ان التهديد الإيراني لإسرائيل ولحلفاء أمريكا في المنطقة هو الأكثر إضراراً بمصالح واشنطن وليس الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وفي قلبه وقف البناء في المستعمرات ومخطط تهويد القدس..
وللتدليل علي ذلك سيلعب نتنياهو بورقة الخطوات التى قام بها لتخفيف الحصار عن غزة والتى بدأ يسوق لها في كل خطبة وتصريح يصدر منه ، بالرغم أن ما تم منها حتى اليوم لا يتعدي الوعد بالتنفيذ.. إذا قبلت السلطة الوطنية الفلسيطينة بفكرة الإنتقال إلي المباحثات المباشرة بعد تجربة الغير مباشرة منها بقيادة جورج ميشتيل دون أي نتيجة إيجابية ، وإذا واصلت حماس وقف إطلاق النار وتساهلت في شروط إبرام صفقة أطلاق سراح الجندي الأسير لديها جلعاد شليط..
أوباما يدرك أبعاد المشكلات الداخلية والخارجية التى تعاني منها حكومة نتنياهو خاصة خضوعه لأفكار أكبر حلفاءه وزير خارجيته افيجدور ليبرمان الرافض لأي خطوة تقود لسلام مع الجانب الفلسطينى حتى لو كانت من أجل الافراج عن الجندي المسجون لدي حماس منذ أربع سنوات ، ونتنياهو يعرف خفايا الوضع الإقتصادي الأمريكي الذي تراجعت خطوات إستكمال تعافيه بسبب عودة مؤشر البطالة إلي الإرتفاع !! ويدرك أبعاد التوتر الذي نشب مؤخراً بين وانشطن وموسكو علي خلفية خلية التجسس الروسية التى قبض عليها منذ نحو أسبوعين ، وأيضا بسبب إتفاق بناء القاعدة الصاروخية الذي وقعته وزيرة الخارجية هيلاري كلنتون مع بولندا مؤخراً..
نتنياهو أبدي إعتراضاً علي اللقاء الودي والحميم الذي جمع بين الرئيس الأمريكي والملك عبد الله بن عبد العزيز خادم الحرمين الشريفين.. وقال بعض مستشاريه أنه لا يرضي عن الأطر التى تجمع بين الزعيمين خاصة علي المستوي الشخصي.. وأنه يرفض التواصل الإيجابي بين الحكومتين خاصة علي مستوي موافقة الإدارة الأمريكية بيع السعودية طائرات متطورة لتحديث سلاحها الجوي ، ويَعد بأن يعمل علي إفشال كل ما اتفق عليه الطرفان مستقبلاً..
تقف انتخابات الكونجرس النصفية التى ستجري في شهر نوفمبر القادم بين الرجلين كرمانة الميزان التى ستحدد لمصلحة من ستجري الرياح بسفن كل منهما في الأشهر القليلة القادمة.. أوباما وحزبه يخططان لأن يحتفظ الديموقراطيون بتفوقهم العددي ، بينما يهدد نتنياهو عبر جماعات الضغط اليهودية الأمريكية علي مستوى الولايات ، بضخ الكثير من الأموال لصالح مرشحي الحزب الجمهوري لكي يقلب علي الرئيس الأمريكي الطاولة ويصيبه في مقتل لو فقد الاغلبية النيابية في كلا المجلسين والتى يعتمد عليها في تسيير القرارات بين إدارته والمجالس التشريعية..
لهذا فقط لن يخضع نتنياهو لمطالب الرئيس الأمريكي ، الذي عليه أن ينتظر حوالي خمسة أشهر حتى يعرف بشكل قاطع ماذا كان قادراً علي فرض رؤيته وخطة سلامه المرتقبة علي رئيس وزراء الدولة التى تعهد أكثر من مرة ان يضمن أمنها وسلامة شعبها.. أم أنه مضطر بسبب تقلص عدد نواب حزبه إلي مجاراته حتى تنتهي مدة رئاسته لأمريكا ؟؟..
اما إذا حافظ الحزب الديموقراطي علي أغلبيته ، فسيكون في مقدور باراك أوباما أن يستكمل مشروعه الشرق أوسطي بلا خشية من طعون داخلية في الظهر تأتيه من الأغلبية الجمهورية في الكونجرس أو علي يد جماعات الضغط اليهودية الأمريكية المؤيدة لليمين الإسرائيلي بقيادة نتنياهو..
ستنتهي جلسات مباحثات زيارة رئيس وزارء اسرائيل لواشنطن الحالية ببيان يضع حروف الخلاف في مكانها الصحيح.. سيتمسك كل من الطرفين برأيه حيال الملف الإيراني.. وبرأيه فيما يتعلق بخطوات السلام بين إسرائيل والسلطة الوطنية الفلسطينية ، ولن يوافق أوباما علي توجيه ضربة عسكرية لإيران كما لن يوافق نتنياهو علي رفع الحصار بالكامل عن قطاع غزة او مواصلة تجميد البناء في السمتعمرات.. أو حتى إبداء الإعتذار لتركيا أو تقديم تعويضات لشهدائها الذين أغتالتهم رصاصات قواته البحرية المتعمدة..
bull;استشاري إعلامي مقيم في بريطانيا [email protected]
- آخر تحديث :
التعليقات