انتظروا المفكرين والمثقفين العرب عموما، والسوريين خصوصا، انتظروهم كي يفندوا ثقافيا وفلسفيا، لماذا يحدث ما يحدث؟ سيعودون لمناقشة مسائل الإصلاح الديني، والإسلام وعلاقته بالسلطة السياسية، وسيكون في النهاية، الإسلام والمجتمع السوري، بمنقباته ومحجباته وسافراته، جميعا هم وراء كل ما يحدث، وراء انتصار النظام السوري على الشعوب السورية والفلسطينية واللبنانية والعراقية. وسيختلفون في تقييم النزعات الثقافية والثقافوية، وماذا نفعل بهذا التراث، المعتق بدنان لا تحول ولا تزول، فهذه تحل لنا كل الإشكاليات المزمنة. ثم يلتفتوا لمناقشة الوضع العربي من جديد وضعفه أمام الوضعين الإيراني والتركي، لماذا؟ وكأن السلطات العربية كانت ضعيفة أمام إيران او تركيا!
الفلسطينيون منقسمون، العراقيون دم، ولا يستطيعون تشكيل حكومة منذ أشهر على انتخاباتهم، واللبنانيون باتوا يريدون عودة الجيش السوري إلى لبنان، والشعب السوري، من أحسن إلى أحسن، فوضعه المعاشي والمدني يتطور من أرقى إلى أرقى!

وهل نحن داخل الحداثة أم خارجها، وكأن اتفاقيات تأبيد الوضع في الجولان السوري المحتل1975 اتفاقيات لا حداثية، ولازالت تحكم مساحة ليست قليلة من الأوضاع في الشرق الأوسط بكل ما في هذه المساحة من حركية قوى فعلية. هذه الاتفاقيات غير مسموح اللعب بها إسرائيليا إلا أذا أرادت إسرائيل ذلك. لهذا قال ليبرمان للرئيس الأسدquot; أننا يمكن أن ننهي نظام عائلتكم السياسي في سوريةquot; واعتقدنا حينها أنه يوجه كلامه للأسد، ولكن ما اتضح أنه يوجه كلامه للقوى الدولية التي كانت تريد اللعب بالوضع الذي فرضته هذه الاتفاقيات.

المعارضة السورية، لم يتغير عليها الشيء الكثير، سوى أنها رغم هزيمتها كما يرى بعضنا، فإنني أقولquot; انه رغم كل ما جرى، فوضع المعارضة السورية أفضل بكثير مما سبق عام 2005 لأن هنالك متغيرات لا يمكن طمسها بسهولة، ولهذا بحثه الذي بالتأكيد سنعود إليه لاحقا. صحيح ان المعارضة السورية، كان لديها فرصة منذ 2003 وحتى 2008 أن تتحول إلى قوة ضاغطة وفعلية، في اللوحة السورية، ولكنها أضاعتها في غياهب سجونها الذاتية، ومحددتها الواهية، وبعض شخصياتها، التي لا ترى العالم إلا من خلال أسماءها.خمس سنوات مرت والمعارضة في معاركها بين إعلان دمشق وجبهة الخلاص، وبين جبهة الخلاص وجبهة الخلاص، وبين إعلان دمشق وإعلان دمشق..والعربية والكردية، وبين الكوردية والكوردية، وكأن العالم ينتظر مشايخنا.

كتبت عن المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الحريري ومن معه ومن بعده، لجهة المتغيرات التي حدثت من زاوية الأشقاء اللبنانيين، ولهذا ستبقى اللوحة ناقصة، مالم نجيب على سؤال: لماذا النظام السوري بات الآن خارج لوحة الاتهام؟ وما الذي قدمه النظام السوري من أجل ذلك؟
في لبنان ما الذي قدمه؟ سفارة..وتهيئة الأمور لمجيء الشيخ سعد الحريري رئيسا لحكومة لبنانية، بمندوبين ساميين سوريين داخلها. وزيارة الرئيس الأسد لبيروت كما هللت وبشرت وسائل إعلام قوى الرابع عشر من آذار.

منع حزب الله من استخدام سلاحه لكي يسترد مزارع شبعا كما كان يدعي، وترك تيار المستقبل يستعيدها عن طريق المقاومة الدبلوماسية! كما صرح بعد مؤتمره الأخير. كل ما قدمه الأسد، كان لا يكفي لكي يركبوا التهمة على عناصر غير منضبطة من حزب الله، سفارة سورية في بيروت، ماذا يعني هذا؟ هل سيكون حزب الله أو بعضا من عناصره اللامنضبطة هي من خططت، ووضعت 2000كيلو غرام متفجرات تحت موكب الحريري، وهي من اغتالت سمير القصير والنائب جبران تويني، والنائب بيار الجميل، وكل الشخصيات اللبنانية، المرتبطة بخروج الجيش السوري من لبنان، ومفاعيل هذا الخروج ومقدماته حتى.

اتهام حزب الله، جاء منذ تسريبات دير شبيغل الألمانية، بعد مؤتمرات المصالحات العربية- العربية، والتي تحدثت أنباء على أنها تسريبات سورية، مرورا بتصريحات إشكنازي رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، وليس آخرا، تقرير التلفزيون الإسرائيلي القناة الأولى في 29.07 وتسميته لقيادي في حزب الله مصطفى بدر الدين، وأنه لا يمكنه الإقدام على الاغتيال دون إذن من قيادة الحزب.
****

اللاحرب واللاسلم على جبهة الجولان، ليست حالة عارضة، بل هي أسست لنظام إقليمي، لازلنا نتعثر في قراءة آلياته، الموضوع ليس خيانات ومؤامرات، الموضوع انخراط إقليمي ما بالوضع الدولي، انخراط سوري إسرائيلي، لم يتأثر كثيرا بانتهاء الحرب الباردة، لأن من مصلحة الطرفين ألا يتأثر، كانت إسرائيل تمتص الموجة التي رافقت خروج القوات السورية، واغتيال الحريري، ولكنها لم تكن تقبل بأية زحزحة على هذا الوضع، لأنها ليست جاهزة للسلام، ولا داعي للحرب..كان الوضع يتحمل ضغوطا على النظام السوري، حتى حدود معينة، وكنت قد كتبت كثيرا عن هذا الأمر في السابق.

المحكمة الدولية، بغض النظر سواء كانت مسيسة أم غير مسيسة لا يمكن أن تستمر دون أن تستدعي المسؤولين الفعليين عن نظام الوصاية الأمني السوري- اللبناني. وهذا الهاجس كان واضحا في المواقف الإسرائيلية ومواقف بعض النخب الأوروبية والأمريكية، وإلا ما الذي حدث حتى يغير ساركوزي موقف فرنسا 180درجة مئوية؟
مسموح للمحكمة الدولية أن تمضي ولكن من غير المسموح لها، أن تصل إلى نتائج يمكن أن ينهار ما أسسته اتفاقيات الفصل على جبهة الجولان، ولا أن يتحرر شعبنا من حالة الفقر والإفساد والديكتاتورية المزمنة.

وهذا الوضع يشبه إلى حد كبير ما ترتب على اتفاقيات كامب ديفيد ووادي عربه، ممنوع المساس بثابت الأمن الإسرائيلي، الذي صاغته هذه الاتفاقيات، ومن وجهة نظر إسرائيلية وليس أية وجهة نظر أخرى، مع مصلحة واضحة للنظام في دمشق من استمرار هذه الحالة.

فلم تستطع النخب الغربية التي كان لها رأي آخر، واستراتيجية أخرى أن تصمد، أمام الضغوط التي بدأت تظهر ملامحها في تقريرquot; بيكر ndash;هاملتونquot; 31.12.2006حول صياغة استراتيجية جديدة أمريكية في الشرق الأوسط. والذي نص علىquot;أن التعامل مع إيران وسورية مثار خلاف. ومع ذلك، نرى أن أي أمة، من وجهة نظر ديبلوماسية، يمكنها وينبغي عليها أن تشرك خصومها وأعداءها في محاولة لتسوية النزاعات والخلافات تماشياً مع مصالحها. وعليه، فإن على المجموعة الدولية إشراك إيران وسورية في حوارها الديبلوماسي من دون شروط مسبقة. وترى مجموعة الدراسات حول العراق أن العلاقات الأميركية مع سورية وإيران تشمل قضايا صعبة يجب أن تحل. لكن ينبغي إجراء محادثات ديبلوماسية مكثفة وموضوعية، تتضمن قدراً من توازن المصالح. ويجب أن تضع واشنطن في اعتبارها نظام الحوافز لإشراك سورية وإيران، كما حدث بنجاح مع ليبياquot; هذه الفقرة من التقرير لا تحتاج إلى تعليق.

كان واضحا منذ ذلك الوقت أن هذه اللجنة برئاسة بيكر- هاملتون، جاءت نتيجة لضغوطات اللوبيات المتعددة في أمريكا والغرب وأهمهاquot; الإبياكquot; مجموعات الضغط المساندة لإسرائيل في أمريكا. هذا التقرير شكل ولازال، الإطار السياسي للإدارة باراك أوباما.
لهذا سقطت المحكمة الدولية خلف جبهة الجولان، وخرج حزب الله أو ربما يخرج هو الجاني. فالنظام في دمشق لم يقدم للبنان الدولة ما خرج من أجله، بل ما يحدث الآن هو العكس، فقد أصبح لبنان بحاجة للعسكر السوري، كعلاقات وليس كتواجد فعلي أكثر من أي وقت مضى، وهذه مهمة سيتولى بعضا منها السفير السوري في بيروت.
****

لم نكن في وارد تجميل القبيح، لحظة اغتيال الحريري وبقية شهداء لحظة الاستقلال اللبنانية، لحظة سياسية دولية وإقليمية ولبنانية-سورية، ترتب عليها ما ترتب، وليس زواجا أبديا بين أطراف هذه اللحظة، وهذه اللحظة السياسية انتهت، مع قمة الكويت..أكيد لن تعود الأمور كما كانت، ولكن ما يعود بين النظام السوري والأطراف اللبنانية جميعا الآن، ليس في مصلحة شعبنا السوري، وهذا هو الأهم الذي علينا رؤيته.

نحن ضد الفتنة، ومع التسامح، ولكن بعد معرفة الجاني، عندها لتسقط كل الأطراف اللبنانية حقها، عن بعضها أو عن غيرها.