لاحقا لمقابلتي مع ايلاف والتي نشرت الاربعاء 21 تموز الماضي عن تزايد عدد القنوات الفضائية العربية استلمت بعد ذلك بيومين او ثلاثة عددا من المكالمات الهاتفية من بعض الاصدقاء ليلفتوا انتباهي ان برنامج quot;الا تجاه المعاكسquot; سيناقش موضوع الفضائيات العربية الثلاثاء الموافق 27 تموز 2010. الهدف هنا ليس سرد تفاصيل ما قال هذا الضيف اوذاك بل التركيز على نقطة اخذت حيزا كبيرا في النقاش وهي عدم براءة الفضائيات وانها امتدادا للامبريالية الغربية والتي تهدف للسيطرة على العقل العربي والغاء هويته الوطنية وما الى هنالك من الابتذالات المستهلكة.

مبالغات متناقضة
خلال النقاش تمسك احد الضيوف بموقفه وبقناعته ان الفضائيات العربية ترتبط بشكل او بأخر بنظرية المؤامرة والاستعمار. واعتبر الضيف ان دور الفضائيات هو تشويه الهوية القومية ومؤامرة ضد المواطن العربي. الامبريالية تستعمل الفضائيات كسلاح لضرب هوية المنطقة وطمس ثقافتها وأكد الضيف ان عدد الفضائيات المتزايد ليس بريئا. بعبارة اخرى ان هناك في العالم العربي من يعتقد ان انتشار الفضائيات هي نوع من الاستعمار الذي يهدد حضارتنا وثقافتنا من خلال القوة الناعمة الأميركية لتشويه هويتنا الوطنية وطمسها وخدمة المشروع الصهيوني الى ما هنالك من مبالغات وتناقضات.

هذا التفكير والتحليل ليس جديدا حيث سمعنا في السنوات الأخيرة العديد من الاتهامات والوشايات المغرضة عن قنوات الجزيرة والعربية وغيرها من القنوات الفضائية.
من يتابع ويراقب المشهد الاعلامي في فضائنا العربي يعرف تماما ان الاعلام يستخدم احيانا لتحقيق اهداف سياسية او تسويق وجهة نظر معينة واحيانا اخرى للتحريض ضد طائفة او اقلية او مجموعة من البشر بسبب موقفهم السياسي او الديني. الساحة العراقية هي المثل الأسوأ على ذلك في العالم العربي. لذا يمكن القول ان للقنوات أجندات وتوجهات تخصها ولكنه من التبسيط والاجحاف وضع اللوم برمته على أميركا او على أي دولة معينة. فالصورة أكثر تعقيدا من ذلك بكثير. وهذا لا يعني ان ما يجري على الساحة السياسية والاعلامية لا يهم اميركا والاتحاد الأوروبي ولكن هذا الاهتمام له دوافع جيو سياسية واقتصادية ولكنه ليس مؤامرة بالمعنى الكلاسيكي.

ماذا تريد أميركا واوروبا
ليس غريبا او جديدا ان ما يجري في الفضاء الاعلامي العربي يهم الغرب والولايات المتحدة على الأخص بسبب دورها ونفوذها العالمي وفي الشرق الأوسط بالتحديد. الولايات المتحدة لها مصلحة ان يكون الاعلام العربي معتدلا وغير معاديا لأميركا ومصالحها ولا يحرض ضدها او ضد حلفاءها في المنطقة. واقتنعت الادارة الأميركية ان للاعلام دور هام في التأثير على الرأي العام في العالم العربي. ولهذا اعلنت الادارة الأميركية للملاْ عام 2003 أنها ستؤسس محطة ناطقة باللغة العربية وستقوم بتمويلها وفعلا انطلقت quot;الحرةquot; عام 2004 وبتكلفة تزيد عن 100 مليون دولار سنويا. أي لم يكن هناك مؤامرة وعمل سري ولم يكن هناك محاولات للتمويه والخداع. والكونغرس الأميركي يعتبر quot;قناة الحرةquot; أحد أذرع السياسة الخار جية في المنطقة العربية وهدف quot;قناة الحرةquot; الرئيسي هو تحسين صورة أميركا في المنطقة وايصال وجهة النظر الأميركية للعالم العربي. لم يكن هناك حاجة للتمويل السري لهذه المحطة او تلك بل انطلق المشروع بشفافية ووضوح ورسالة واضحة رغم انها لم تحقق الأهداف المنشودة. وهناك اعتقاد سائد ان quot;الحرةquot; لم تحقق الاختراق والنجاح المطلوبين.

والكلام عن نظرية مؤامرة ضد العرب هي شماعة اخرى نضع اللوم عليها لفشلنا واحباطنا لذا الترويج لمؤامرة فضائية ضد العالم العربي يعتبر تفكير ساذج يأتي في اطار التشكيك في كل ما يتعلق بالاعلام.

الاتهامات ضد الجزيرة كمثال
ألم نسمع اتهامات عام 2005 ان الجزيرة أداة في يد السي آي ايه CIAوعميلة لاسرائيل الى غير ذلك من التهويل الذي لا أساس له من الصحة. ووصلت الاتهامات ذروتها عندما وصفت الجزيرة بالعميلة للقاعدة والمقاومة العراقية والسي آي ايه والموساد وحزب الله وحماس في آن واحد. هذا التناقض غير المنطقي يفكك اساطير المؤامرة وينسفها تماما. أن تكون عميلا او متعاطفا لطرف واحد او لجهة معينة وحلفاءها قد يمكن تصديقه ولكن أن تكون عميلا لعشرة اطراف وبعضها يحارب ضد البعض الآخر وفي آن واحد هو امر لا يمكن تصديقه الا اذا كان القصد أو الأجندة الخفية تسعى لخلط الأوراق وخلق حالة من الارتباك والتمويه وجلب الانتباه من خلال الجدلية المفتعلة ولكن هذه الحالة من التناقض لا يمكن ان تستمر. لأن عبء التناقضات وثقلها سيؤدي في النهاية الى الفشل. اضف الى ذلك ان قطر ليست بحاجة للتمويل الأميركي لكي يتم شراؤها.

وفي هذا السياق لا بد من الاشارة الى كتاب مهم ظهر على الساحة قبل 4 سنوات بعنوانquot;الجزيرة: كيف تحدت العالم بقناتها الاخباريةquot; للاعلامي البريطاني هيو مايلز
Al-Jazeera، How Arab TV News challenged the world، by Hugh Miles.)) وفي تعليقي على الكتاب وفي مقالي الذي نشرته ايلاف الأول من نيسان ابريل 2007 تعليقا وتحليلا للكتاب وبعنوان quot;الجزيرة غير عميلةquot; شرحت بالتفصيل كيف فّند المؤلف هيو مايلز الاساطير والأكاذيب التي حيكت عن الجزيرة. الاستنتاج المنطقي انها ليست عميلة وليست اداة في يد CIAالسي اي ايه والموساد. وقلت في المقال ذاته متسائلا: اذا كانت المحطة اداة في يد الموساد لماذا يصرخ اريل شارون عام 2005 ليصف الجزيرة بأنها اداة دعاية (بروباغندا) نيابة عن الارهاب العربي؟ ألم يطالب عدد من اعضاء الكونغرس بقصف الجزيرة وايقافها كليا عام 2003 و2004.

وهذا يقودنا الى سؤال آخر هل الموساد والسي آي ايه لها علاقة بفضائية روسيا اليوم وفرانس 24 والعالم الايرانية والقناة التركية الجديدة والبي بي سي الناطقة بالعر بية؟ هل لقنوات المنار والعربية والايه ان ان والحوار وايه ن بي وغيرها علاقة بأميركا؟. هل فضائيات الفتاوي والشعوذة والعديد من المحطات الدينية وقنوات غسل أدمغة البسطاء هي صناعة أميركية ام صناعة عربية محلية. هل قنوات الجهاد الشفهي والنضال الفضائي الأصولية التوجه ممولة اميركيا؟ ربما يعلق ساخر بالقول بما أن هذه المحطات تسيء للعرب والمسلمين فيمكن تفسير وجودها بمؤامرة ضد العرب؟

والقنوات الأخرى
وثمة اتهام آخر ان قناة كذا وكذا لها أجندة. لا اقول شيئا جديدا عندما اجزم ان لكل صحيفة وقناة تلفزيونية اجندتها الخاصة وتوجهها العام وسياسيتها الخاصة بها سواء تحدثنا عن سي ن ن CNN أو الوول ستريت جورنال أو صحيفة الصندي تايمز أو الواشنطون بوست اومحطة البي بي سي أو القنوات العربية المعروفة والمجهولة ولكن اقول وبحزم وقناعة انه اذا كانت الأجندة تشمل التوعية والتثقيف وترويج التسامح والاعتدال والمحبة وقبول الآخر وفضح انتهاكات حقوق الانسان فنرحب بهذه الاجندة. فمن سيعارض او يحتج على هذه الاجندة باستثناء انظمة القمع والدكتاتورية؟
واذا كانت قنوات الترفيه والموسيقى والافلام والمسابقات والمنوعات والدراما المحلية والمستوردة الممولة عربيا اولا واخيرا وتهدف لالهاء الشباب بستار أكادمي وم بي سي أكشن والمسلسلات التركية والمكسيكية وقنوات الطرب والافلام لابعادهم عن التطرف وعن الارهاب والهروب من غاسلي الادمغة فهذا يعتبر فائدة ايجابية واجندة تستحق التقدير والتشجيع.

علينا الترحيب بالبرامج التي تشجع وترسخ مباديء الديمقراطية والمحبة والتعايش وقبول الآخر ونبذ التطرف والعنفية وتدين الارهاب وتقدم برامج الحوار بين الاديان والاثنيات المختلفة وبرامج تشجع المسؤولية واحترام حقوق الانسان والحيوان ايضا وفضح الممارسات الظالمة وانتهاكات حقوق المواطن. هذا مطلوب عربيا وليس مؤامرة.

ndash; اعلامي عربي
لندن