منذ أن وعيت على السياسة، ولا أدري إن كان هذا الوعي له تصنيفا إيجابيا أم سلبيا، ولكن منذ تلك اللحظة وأنا أسمع وأرى وأقرأ، أن في سورية ثلاث من الإشكاليات، طائفية، فساد، استبداد سياسي وأمني، والآن أضيف إلى هذه الثلاثية المزمنة، ثلاثية أخرى إشكالية إسلام سياسي، وإشكالية إثنية كردية، أما الإشكالية المعاشية فهي مرت بمرحلتين: الأولى منذ عام 1970 وحتى عام 1984 كانت فترة بحبوحة نسبية وقياسيا للوضع الراهن بالنسبة للمواطن السوري، وهذا يعود لعدة أسباب ولكن أهمها: دعم دول المعسكر الاشتراكي ثم استفادة سورية من الفورة النفطية الخليجية في السبعينيات ثم عائدات حرب تشرين 1973ثم تبعها دخول سوري إلى لبنان1975 بعد اتفاقيات الفصل على جبهة الجولان بين إسرائيل وسورية1974، ومن جهة أخرى كان الفساد في مرحلة صعود مؤسس لنظامه السياسي. في تلك الفترة كانت اللوحة الظاهرة أن النظام يواجه معارضة يسارية، وكان يسحقها ببطء وتمهل ودراية! حتى فاجأت جماعة الإخوان المسلمين الجميع 1978، ماعدا السلطة بالطبع لأنها كانت تراقب تحركاتهم. واستمرت المعركة بين الطرفين حتى نهاية عام 1982 وانقسمت المعارضة اليسارية، بين من رأى في تحرك الإخوان حركة شعبية يجب ملاقاتها، وبين من رآها حلفا رجعيا أسود يجب القتال ضده، سواء مع النظام أو بمفرد يسار!

والمرحلة الثانية الممتدة منذ أزمة 1985 التي حلت بالبلاد معاشيا وحتى اللحظة الراهنة، حيث أصبح للفساد نظامه المتكامل، وللفقر تناسبا عكسيا مع ازدهار الفساد، يزداد الفقر، واصبحت سورية من الدول الفقيرة، والتي يتزايد فيها الهبوط الشعبي إلى ما دون خط الفقر.
بعد أربعة عقود من عمر النظام السياسي، ما الذي حدث لهذه الإشكاليات؟ ما الذي حل منها؟
الفساد بدأ كظاهرة، واستمر بالانتشار حتى ترسخ كنظام.

عندما أصدر الرئيس الراحل حافظ الأسد في منتصف السبعينيات، أول مرسوم لإحداث لجنة الكسب غير المشروع، من أعضاء القيادة القطرية لحزب البعث، استطاعت هذه اللجنة أن تثبت بعد أقل من عام، انها لجنة إعطاء شرعية للفساد، لأنها أغلقت ملفاتها ومضت تشارك في تأسيس نظام الفساد، حيث بقي من اتجهت لهم أنظار الشعب، بسؤالquot; من أين لك هذا؟ وباتوا يساهمون في ترتيب تنفيذي لتوجيهات القائد الراحل، واصبح الفساد معيارا للتوظيف وللتعيين، واستمرت الحال، حتى وصلنا الآن، إلى درجة أن الفساد هو من يدير البلاد، فإذا كان النظام السابق منتجا للفساد، فإن الفساد يعيد منذ زمن إنتاج النظام وحتى الآن.

كان الفساد ظاهرة في مرحلة التأسيس وأصبحت النزاهة العامة ظاهرة لا تذكر الآن.
- قطاع الدولة أصلا منذ زمن بعيد يخضع للفساد والنهب المنظم، وهذه مسلمة لدى شرائح الشعب السوري.
- القطاع الخاص كان حتى بداية التسعينيات، مستقلا نسبيا ومستفيدا من الفساد، اما الآن فالقطاع الخاص تم الاستيلاء عليه من قبل فساد القطاع العام وفاسدي السلطة. لنلاحظ أن ما يطلق عليها ظاهرة الخصخصة تتم بتشارك سلطوي مباشر مع جهات تسمى رجال أعمال. والأقوى سلطويا يحوز على الاستثمار المطروح للخصخصة. النظام الآن بات أقله على المستوى الاقتصادي نظاما يكاد يقترب من الكليانية الاقتصادية.

الفساد سيطر على مجمل حركية الاقتصاد السوري. وليس سيطرة النخب الشابة من أبناء المسؤولين في النظام السابقين والحاليين وأقاربهم، على قطاع الاستثمار الخاص الجديد، وكلها أسماء معروفة ومن عائلات معروفة يرددها المواطن السوري في سره وعلانيته. ولولا الفساد المنظم سلطويا لما سيطروا على السوق السورية.وهذه السيطرة بدأت تأخذ مأخذا قانونيا، مع شكل ما يسمى بالخصخصة لجارية حاليا.

من الصعب الآن أن تجعل المواطن السوري يصدق أن أبناء المسؤولين قد جمعوا ثروتهم بكدهم وعرق جبينهم. وربما يكون منهم من هو لا يريد الفساد ولكن المعادلة العامة لا تغير بالحقيقة الكثير.

قبل أيام طالعنا السيد عبد الله الدردري، كنائب اقتصادي لرئيس الوزراء بتصريح مفاده: أنه خلال خمس سنوات سيصبح دخل المواطن السوري كدخل المواطن الإسرائيلي..كيف؟ لا أحد يعرف..والدردري موقع هجوم بعض اليسار عندنا باعتباره ممثل الليبرالية المتوحشة! وكأن الرجل هو صاحب القرار الاقتصادي بالبلد...رغم أنه كما يقال وعلى ذمة من يقولواquot; أنه يحاول أن يفعل شيئا للاقتصاد السوري وبنزاهةquot;

الشريحة الجديدة من رجال الأعمال التي تحدثنا عنها، ليست حريصة على أن تكون تحت الأضواء، ولهذا تحاول أن يكون لها واجهات من رجال أعمال سابقين، ومن شركات بأسماء جديدة.

لهذا نحن ننتظر شريحة طبقية برجوازية جديدة! تحتاج لمعرفة لدراسات جديدة.لمعرفة ما يجري في إعادة إنتاج سورية- الأزمة على الصعيد الاقتصادي. ولكون هذا الموضوع يشغل جانبا من اهتمامي منذ زمن، فقد سألت أحد أبناء نائب الرئيس السابق المنشق السيد عبد الحليم خدام عنه، فقدم معطيات مهمة، ربما نعرضها في مقالات لاحقة، أما بالنسبة لهم فالرجل أكد أنهم كانوا يعملون في دول الخليج، ولكنه اعترف أنهم استفادوا من كونهم أبناء لنائب الرئيس في علاقاتهم هذه.

الإشكالية الثانية هي الإشكالية الطائفية، هذه أراد النظام تحويل شكل الحكم وآلياته وعمله، مسلمة إيمانية لا تخضع للتساؤل، وهذا ما سنحاول التعرض له ولبقية الإشكاليات السورية في مقالات قادمة.