لا تزال تركيا تتأرجح بين تصريحاتها مستخدمة خدع التكتيك السياسي للحصول أكبر قدر من الربح في تجارتها بالثورة السورية في المحافل الدولية. فتمادت المعاملات التجارية وللأسف إلى حدالتأثيرعلى قادةمن المعارضة السورية وخاصة اعضاء في المجلس الوطني السوري. وتبين ذلك من خلال التصريحات الشوفينية لبعضهم بحق الكرد أمثال السيد quot; البيانوني quot; والذي كان تلكؤه يوضح لأبسط مشاهد مدى قوة الإملاءات التركية على مفاهيمه، ولا أقول على ركائزه الإيمانية الذي ربما ترجح أيضاً إلى نوعية صوفية عثمانية أردوغانية.

وتصريحات رئيس quot; المجلس الوطني السوري quot; السيد quot; برهان غليون quot; الذي اصبح يشرح المنطق البسيط في الوطنية بمفاهيم متضاربة! حول القومية وقضايا الشعوب وحرية وحقوق الأقليات، والتي نتمنى منه أن يبقي على الهوة النوعية بين مفاهيمه ومفاهيم أبن الأسد حول القضية الكردية، ولا ينجرف إلى أعماق الفكر العروبي، ومفاهيم التعصب القومي، الذي أدعى قبل تصريحه الأخير هذا عدة مرات بأنها مفاهيم كانت سائدة في الخمسينيات من القرن الماضي بين العروبيين العرب والتي قد تجاوزها الشعب والمثقفين وعلى الكرد أن ينتبهوا إليها ولا ينجرفوا إليها، ونأمل منه أن تكون مفاهيمه تلك بينة على المحك العملي وليس النظري فقط، مع ذلك لا أنظر إلى تصريحاته الأخيرة ومن موقعه هذا كرئيس للمجلس الوطني السوري، والذي لنا تحفظات عليه كمجلس وكرئاسة، سوى أعتداء على مفاهيم الثورة السورية قبل ان يكون أعتداء على الشعب الكردي، والتي أبرز فيما بعد تحليل ترقيعي ما لتلك التصريحات، وهي في الواقع أملاءات تركية الأجدر بالمعارضة السورية وبالسيد برهان غليون بالذات الإبتعاد عنها قبل الضياع في مستنقعات الأجندات التركية الخبيثة! والتي ستؤدي إلى تمزق في المعارضة السورية وتفتيت للمجلس الوطني السوري. فعلى المعارضة العربية السورية عدم نسيان الحركات التكتيكية التي قامت بها حكومة أردوغان منذ تحرير العراق وحتى مقتل الدكتاتور القذافي، ولإعادة تذكير الإخوة من المعارضة العربية السورية سنورد بعض المواقف الإنتهازية للحكومة التركية ومنها:
1. رفض الحكومة التركية تقديم العون اللوجستي إلى قوات التحالف يوم تحرير العراق من طاغيتها، وذلك لرفض الولايات المتحدة الأمريكية طلباتها الضخمة، والتي منها السماح للجيش التركي بالسيطرة على جميع المناطق الكردية في الشمال العراقي ومن ضمنها كركوك والموصل بحجة حماية المنطقة، شرط أن يكون الجيش التركي هو الوحيد الحامي لتلك المناطق. التفرد الكامل بنفط المنطقة الشمالية والتي يجب أن تمر من أراضيها! عدم السماح بإقامة أقليم كردستان في الشمال. مساعدة قوات التحالف للقوات التركية بالقضاء على قوات الكريلا الكردية المتواجدة في القنديل. وعليه شاهدنا موقف تركيا آنذاك، والتي أدت إلى ندمهم اللاحق لعدم مشاركتهم وتقديم المساعدة، وذلك من خلال أنتقال موقفهم الرافض لكيان الأقليم الكردستاني إلى سوية العلاقات الدولية، بعد أن فتح الأقليم الكردستاني أبواب أسواقها لهم على مصراعيه!

2. تقاعس الحكومة التركية من الأعتراف بالثورات بدءاً من تونس مروراً بمصر و حتى ليبيا، وذلك لفرض شروطها التجارية، وبقيت مواقفها متذبذبة بالثورات حتى الأيام الأخيرة، وذلك بعد أن حصلت على موافقة تلك الدول والقوى العالمية بتشريع أبوابها للرأسماليين الأتراك، وكان ذلك واضحاً يوم زيارة السيد أردوغان لمصر وتونس وبرفقته أكثر من 250 رجل أعمال.

3. حتى اللحظة مواقفها تجاه الثورة السورية بين عرض وطلب، وطلبات الحكومة التركية تتجه في أتجاهين: واحدة أملاءاتها على المعارضة السورية العربية في الخارج، ومعظمها تدور حول الكرد والقضية الكردية في سوريا. والثانية موجهة للعالم الرأسمالي، للسماح لها بالدخول إلى الأسواق العربية من خلال سوريا. إضافة إلى مطلب أوسع وهو أستمرارية الدعم العالمي لرأسمالها الذي يبنى وينمو بشكل مطرد على المساعدات الخارجية وعلى مدى سنوات، وعلينا أن نعلم بأن أكثر من نصف quot; الدخل الوطني العام quot; لتركيا تدعم بالمساعدات والقروض الخارجية، راجع مقالنا quot; أردوغان تدهور بين السياسة والإقتصاد quot; والباحث في الإقتصاد التركي وخلفياته وليست السجلات التي تطرح في الأسواق، سيرى وبشكل واضح مدى دعم الرأسمالية العالمية لها منذ مجيء أردوغان إلى الحكم، ولم يكن تطبيل السيد أردوغان على القضية الفلسطينية وتهجمه على اسرائيل وليست على الصهيونية العالمية والتي هي بؤرة المشكلة في الشرق وليست الدولة الأسرائيلية، سوى حراك تكتيكي من جراء تقليص الرأسمالية العالمية لمساعداتها للإقتصاد التركي والتي تناقصت من نسبة 44% quot; من ميزانية الدخل الوطني العام quot; لعام 2007 إلى 8% لعام 2010، والتي أدت إلى تراجع وتيرة النمو الإقتصادي إلى الثلثين في السنوات الأخيرة وكانت العملية بمجملها بكاء على المساعدات وطلب حثيث لعدم قطع ضخ الرأسمال العالمي إلى داخل تركيا، وللعلم فإن تركيا لا تملك في الخارج قوة تذكر إلا الإستثمارات في مجال العقارات والبنى التحتية، وليست بالبنى الصناعية أو التكنلوجية، وليست لهما أية نسبة في قيمة صادراتها لكنها تحتل الصدارة في نسبة وإرداتها، وهذه الكميات الهائلة من السيولة في العملة الصعبة خاصة، مآلها أستثمارات الرأسمالية العالمية في هذه المناطق عن طريق الرأسماليين الأتراك، ومتى ما قطع هذا الضخ سينهار الإقتصاد التركي، وستعود قيمة الليرة التركية إلى سابق عهدها. وبالمناسبة فإن صفقة إزالة الألغام ما بين تركيا وسوريا بشرط استخدام تلك الأراضي البور وعلى مدى أربعون سنة كانت من ضمن إحدى تلك الإتفاقيات الإستراتيجية، وهي الآن في حالة من الجمود وليست ملغية، رغم رفض البرلمان التركي لها، مثلها مثل أراضي منطقة أورفه وسد أتاتورك على نهر دجلة، وقد جرت من وراء هذه الصفقة عمليات عسكرية ضخمة في شرق الأناضول شارك فيها كماندوز خارجي إلى جانب القوات الخاصة التركية ضد الكريلا الكردية لجعلها مناطق آمنة للشركات التي ستقوم بإستغلال هذه المشاريع.. ولهذا نؤكد على أن الإقتصاد التركي يحتوي على بنية هشة وهي أيلة إلى التدهور عند أول زعزعة سياسية، وهذا يتوقف على موقف حزب العدالة والتنمية ومستوى تقديم خدماتها العملية والفكرية والروحانية المبرمجة خارجياً إلى العالمين العربي والإسلامي.

4. ومن ذلك المنطلق نفسه أنتهزت الحكومة التركية هذه اللحظات الحساسة والدقيقة بالنسبة للثورة السورية، فقامت بأستفزاز حزب العمال الكردستاني، ومن عدة أطراف: 1 - تخلت عن المحادثات مع قائد الحزب السيد quot;عبدالله أوجالانquot; في الوقت الذي بلغت فيه الأتفاقيات إلى مستويات قيمة، وظهرت أطراف من التفاهم على الكثير من القضايا الكبرى.

2 - مهاجمة حزب السلام الديمقراطي بعد الإنتخابات البرلمانية مباشرة وذلك عن طريق عزل بعض نوابه من البرلمان التركي ليحصل أعضاء العدالة والتنمية على نفس الكراسي، خاصة وهم على أبواب تغيير آخر في الدستور التركي. 3

- أختطاف المخابرات العسكرية التركية لبعض قادة العمال الكردستاني قبل أقل من شهر من داخل مدن الأقليم الفيدرالي وقتلهم بدون محاكمة بل والتمثيل بجثثهم في شوارع المدن الكردية التركية لأستفزاز العمال الكردستاني وتخويف الأهالي. 4 - القيام بعمليات عسكرية هجومية مؤلفة من قوات بسيطة لإحداث معارك هجومية دفاعية تؤدي إلى قتلى وبالتأكيد من الطرفين وتكون مركز إثارة أعلامية خارجية وداخلية على أن الكريلا الكردية بدأت تهاجم الجيش التركي في الوقت الذي تكون فيه الحكومة ملتهية بالدفاع عن الثورة السورية! وبهذا تستميل القوى العربية والعالمية إلى جانبها ويبرر هجومها العسكري على القوات الكردية، ومن الجهة الأخرى ستقلص مؤقتاً الدعم الإعلامي واللوجستي للثورة السورية، وبها ستكون قد رجحت كفة مطاليبها المتزايدة على المعارضة السورية والعربية والدول الرأسمالية العالمية التي تبحث عن التغيير في الشرق.

لهذا فالعقل الثوري الشبابي السوري، يفرض نفسه في خضم هذا الصراع لتبيان ذاته الحقيقي وماهيته الصادقة واختلافاته البنيوية عن أصحاب الأجندات الخارجية والداخلية الذين يودون تمرير غايات ذاتية انانية، ومصالح حزبية أو فردية، وكثيرون منهم من أولئك الذين يرفضون الحماية الدولية الواجبة بسبب الظروف الحالية للشعب السوري والذي يجب أن لا يبنى على تكتيك تجاري بخس، كما تطرحها الحكومة التركية في أسواق الثورات، وربما حان الوقت، ورغم قصره، بإعادة النظر في ممثلي الثورة في الخارج وقادة المجالس لعدم قدرتهم على التمثيل المطلوب منهم في الدبلوماسية الدولية والحراك السياسي بين قوى المعارضة المتنوعة، ويتطلب أختيار مجموعة يملكون مدارك أوسع لمفاهيم الثورة وقدرات أعلى لأحتواء الجميع، ليمثلون هذه الثورة في المحافل الدولية، وعلى أن يكونوا اصحاب خبرة سياسية وثقة بالذات الثوريةوالتي هي أعلى من أية أغراءات خارجية، وبالثورة السورية الشبابية نفسها.

الولايات المتحدة الأمريكية
[email protected]