قبل أيام ومن قبل بزوغ فجر العام الجديد 2012 كانت قد مرت على الناطقين بالعربية في أوطان الدول العربية وأرجاء العالم التي يتم فيها تداولها، الذكرى الثامنة والعشرون على تثبيت يوم اللغة العربية، ولم يطرق مسامعنا ما يمجد هذه اللغة، ولم تتراءى لأبصارنا ما يشير اليها من موضوعات، وعلى أقل ما يمكن تقديره الإحتفاء بذلك اليوم في المدارس التي تعتمد العربية كمادة تعليمية وتربوية، ولا حتى في مدارس الدول الأجنبية التي يحظى فيها التلاميذ تعليم اللغة الأم كهوية لأنتماء الفرد العربي.
إن كان هذا اليوم من مهام المؤسسات اللغوية والإعلامية العربية أينما تواجدت ومن ذوي الإهتمام، ليس من المنطق ان نستثني مسؤولية حملة الأقلام النيرة عن تجاهلهم وإغفالهم من الذين يعتزون بها، ويدبجون ما لا يمكن عدّه من موضوعات يومياً في الصحف والمجلات ووسائل الإعلام الحديثة المتيسرة في المواقع الألكترونية من الشبكة العنكبوتية، جاعلين منها أداة ايصال المعلومات لمن هب ودب، وأينما تواجد وحلت به معاصي وشدائد الحياة. وفي الوقت ذاته لا نستثني عنهم مسؤولية من حمل مشعل الثقافة والتعليم التربوي والعلمي في كافة المراحل الدراسية من المعلمين والمدرسين والأساتذة الجامعيين على اخفاقهم من نقل مآثر هذه الذكرى اللغوية في نفوس تلامذتهم الذين يسعون على بذل الجهود بغية الإرتشاف من صفو منابعها وثراء خزائنها، إسوة بيوم اللغات الأم الأخرى التي لها مكانتها بين أبناء شعبها وبشكل خاص تلك اللغات الرسمية الست المتعارف عليها في تداولها الرسمي في اجتماعات الأمم المتحدة، وتكتب بها كافة الوثائق الرسمية دون استثناء ومنها اللغة العربية التي لا تقل شأناً عما عرفت بالأسبانية والإنجليزية والروسية والصينية والفرنسية.
هناك العديد من المناسبات الدولية والعالمية التي رسمت وخصصت لها أياماً متعارف عليها بغية تعزيزها وتبجيلها والإحتفاء بها، والتي منها على سبيل المثال لا الحصر كيوم الطفل العالمي ويوم المرأة وعيد العمال واليوم الدولي لمحو الأمية واليوم العربي للمكتبة واليوم العالمي للمعلمين وغيرها.. حيث أنه من المألوف أن لكل مناسبة دوافعها ومبرراتها، مثلما هو الحال للعديد من المناسبات القومية الخاصة بشعب ما، إضافة للوطنية والدينية والثقافية التي تتميز بنكهات خاصة.
بقي أن نعلم بأن الدافع الأساسي الذي خصّ اللغة العربية لتكون ضمن ميثاق الأمم المتحدة هو سعة تداولها في أوطان العالم العربي وانتشارها في دول العالم الإسلامي، وكونها في عداد اللغات الرسمية لبعض الدول كتشاد وارتيريا وشيوعها في العديد من المناطق المجاورة للبلدان العربية رغم احتفاظها بلغاتها ولهجاتها القومية، إضافة لتدريسها على المستوى الأكاديمي في العديد من جامعات البلدان الأجنبية لسعة مفرداتها وتراكيبها والتعبير بها، ولما لها من مدونات تراثية وادبية متنوعة على مدى قرون عديدة منذ العصر الجاهلي ولحد عصرنا الحديث بتقنياته الثرية. ومن جراء ذلك أقدمت الجمعية العامة على اتخاذ قرارها الرسمي في اليوم المؤرخ 18 كانون الأول/ ديسمبر عام 1973 أن تكون العربية ضمن اللغات الرسمية ولغات العمل في الأمم المتحدة كلغة سادسة، وذلك من بين 192 دولة عضوة. بناءً لهذا القرار وتيمناً به تم تسمية اليوم الرسمي ليوم اللغة العربية بذات التاريخ، علماً بأن هناك من يعزيه ليوم اللغة الأم العالمي المصادف 21 شباط من كل عام، والذي يشمل ويخص كافة لغات العالم دون استثناء أو تفضيل لغة على اخرى، وليخص أيضاً بشكل عام تلك اللغات التي ادرجت في قائمة اللغات التي في طريقها الى الإنقراض والذوبان التي تشمل شرائح العديد الشعوب الإثنية في عالم اليوم.
من خلال مطالعاتي وبحثي في المواقع الألكترونية التي أمست المزار اليومي الدائم للقارئ، لم أعثر على اشارة تشير وتستذكر يوم اللغة العربية سوى ما ادونه أدناه ليؤكد ما أشرت اليه، والرأي المطروح هو بالنص التالي:
(مؤسف أن نجد بلدنا وأمتنا العربية تغرق في صمت رهيب، بحيث مر هذا اليوم عادي كأنه لم يكن، مع أني أعلم أن البعض سيقول أن هذا اليوم غير مهم وعادي، ولكن على العكس هذا اليوم مهم من أجل تعريف الآخرين بلغتنا العربية، ولفت إنتباههم إليها، وحتى تدشين المشاريع وإطلاق أفكار تساهم بدعم لغتنا العربية، لا سيما أن المحتوى العربي على الإنترنت لا يتجاوز 1%، هناك الكثير من الخطوات التي يمكننا عملها في هذا اليوم، كل شخص منا مسؤول عن إحياء هذا اليوم والتعريف به للآخرين، في مؤسستك، جامعتك، منطقتك، وحتى بيتك، سواء بتوزيع كتب أو منشورات عن اللغة العربية، أو المساهمة بتعليم الآخرين جمال لغتك، ومحاربة العادات الدخيلة لها ككتابتها بلغة إنجليزية).
تساؤلي هنا، هل اللغة العربية في طريقها للإنقراض بدلالة ما عرضناه أعلاه؟ وبحكم ما يصرح به بعض اللغويين العرب والأجانب وما تفضي به بعض المؤسسات الرسمية ذات الإختصاص اللغوي والتي منها ما تم الإشارة اليه في ندوة الإتجاه المعاكس المنشور في الفيسبوك الخاص بمستقبل وواقع اللغة العربية.
كما وهناك من يقول: quot; العديد من التساؤلات المزعجة تطرح هنا وهناك حول (اللغة العربية) من ذلك انها تعاني من مخاطر الذوبان والاضمحلال والتراجع في ظل عصر (العولمة) والتقدم الحضاري!! وفي ظل نفور أبناء العروبة (الطلاب) منها، وضعفهم في اللغة العربية!! وهل للغة العربية أعداء.!! أم أننا نحن الأعداء دون أن ندري.. حيث نهمل الإهتمام بها ورعايتها وممارستها بشكل سليم!! إذن من المسؤول؟! وما هي الشكوى؟! وما هو حال لغتنا العربية الجميلة الأن؟! وهل هي ضعيفة حقاً؟! وإلى أين تسير ونحن أيضاً؟!
من خلال هذه الطروحات وقبل ما يقارب المائة عام يخبرنا الكاتب العالمي جبران خليل جبران بمستقبل اللغة العربية حين قال: quot; إنما اللغة مظهر من مظاهر الابتكار في مجموع الأمة، أو ذاتها العامّة، فإذا هَجَعت قوّة الابتكار، توقَّفت اللغة عن مسيرها، وفي الوقوف والتقهقر الموت والاندثار.
اذاً فمستقبل اللغة العربيّة يتوقّف على مستقبل الفكر المبدع الكائن ndash; أو غير الكائن ndash; في مجموع الأمم التي تتكلّم اللغة العربيّة. فإنْ كان ذلك الفكر موجوداً، كان مستقبل اللغة عظيماً كماضيها، وإن كان غير موجود، فمستقبلها سيكون كحاضر شقيقتيها السريانيّة والعبرانيّة quot;.

نستنتج من هذه المقولة المقتطفة من مقالة تحليلية لجبران بأن ما ذكره في البدء تحقق لدى الناطقين بالعبرانية السامية ذات جذور الأحرف الفينيقية، وتأرجح ما يسميه بالسريانية لقرون من الزمن لدى الناطقين بالسريانية التي تعني الآشورية أي اسيريان بالإنكليزية، وما يتبعها من لهجات ذات أصول أكدية بفرعيها الآشوري والبابلي لتستيقظ من غفوتها ومن مؤشرات انقراضها، حيث تجدر الإشارة إنه في العصر الحديث وبيقظة ووعي المدركين من أبناء شعبنا من خلال المدارس المستحدثة والنشريات المتوالية والإعلام المتزايد في العديد من الدول التي يقطنها الناطقون بكافة اللهجات الشرقية والغربية بدأت تنشر خيوط اشعتها لتعيد مجد ماضيها بأساليب حداثوية تماشياً مع ما تفرضه تقنيات العصر ومقررات حقوق الإنسان في الحفاظ على الهوية القومية. ومن أجل مواكبة المسيرة اللغوية النهضوية وتماشياً مع قائمة الأيام المقررة لكل لغة، يبدو لنا بأن الوقت قد حان لنضيف اليها اليوم الخاص بلغتنا بغية نشر الوعي وشحذ الهمم لتعلمها وتداولها بين أجيال المستقبل وإحياء تراثها والنهوض بمستواها اسوة بلغات العالم، طالما لا زالت تتبوأ مكانتها في أوساط مراكز البحوث والدراسات اللغوية والمؤسسات ذات العلاقة والجامعات والمجامع اللغوية التي تعتمدها كمصدر لما هو مستحدث في كافة العلوم من خلال اشهر متاحف العالم وخزائن المكتبات العالمية التي احتضنت تراثها القيم.

ولكي أكون على مقربة أوسع من أهمية اللغة التي أصفها بروح وجود جسد أية قومية أو أمة، أدرج فيما يلي بعض المفاهيم المستنبطة مما ألفناه ونألفه ونستشهد به وبالشكل التالي:
ـ اللغة سبيل التقارب، وواسطة لخلق الأواصر.
ـ اللغة اداة للأخذ والعطاء، وتقوية العلاقات الإجتماعية والثقافية.
ـ اللغة ينبوع ثر لإرواء منابت الأفكار.
ـ اللغة وسيلة لإبعاد أحاسيس الكآبة والحزن من أعماق النفوس.
ـ اللغة أداة حية لدبج وتسطير الأفكار، الإحتفظ بها والعودة اليها.
ـ اللغة عنصر الهوية لإنتماء الوجود القومي.
ـ اللغة روح الأمة، كروح الإنسان في الجسد.
ـ اللغة أساس ومصدر التحضر والمدنية.
ـ اللغة هي دواة المدونات الأدبية والعلمية ويراع التاريخ والثقافة.
ـ اللغة شبيهة بوجود الشجرة، إن لم يتم تقليمها، لا تمنحك ما تبتغيه.

وفي خاتمة ما نوهت عنه أود القول : إن أردت أن تمحي وجود شعب ما، إقضِ على لغته. هذا ما توصل اليه الساسة الأذكياء ومنهم نابليون حين طرح فكرة الإستغناء عن الفصحى في مصر واتباع العامية من اللهجات المتفاوتة كلغة رسمية، وكذلك الحال في سياسة الإستعمار الفرنسي في الجزائر الذي ما فتأت آثاره متفشية بين أبناء الشعب الجزائري ودول أخرى.
الأدهى والأكثر استغراباً من بين طبقة المثقفين والمتعلمين والمهتمين بالمجال اللغوي أن يتحدد عددهم بنسبة مخجلة في دعم وإسناد نشاطات الأعمال الأدبية واللغوية المتمثلة في دساتير المؤسسات والمنتديات ذات العلاقة من خلال المحاضرات والندوات والمداخلات التي تعمد على رفع وارتقاء الشأن اللغوي فيما إذا قسنا ذلك مقارنة بما هو عليه في منتديات ومنتجعات تحريك مشاعر الطرب. هنا تكمن الطامة الكبرى على رفع شأن النغم على ما هو الأساس من خلال الحرف لتدوين النغمة الموسيقية وتمجيد صوت الغالبية العظمى ممن يجهلون قواعد لغتهم الأم واللغة الموسيقية المدونة المتمثلة بالنوطة على مدارج السلم الموسيقي ذو الأصول الآشورية.
/ السويد
[email protected]