الجزء الثاني

انعدام الثقة أو إعادة ترسيخها تكاد تتركز بيد مجموعات يسلبون الثورة خصوصياتها، كما ذكرنا في مقالنا السابق، التيار السني المتشدد أكثرهم معني بهذا، تركيزهم على مبدأ المركزية في إدارة الوطن، طروحاتهم المشابهة لإنقلاب سياسي عسكري والبعيدة عن منطق الثورة، لا تقطع دابر الطريق عن السلطة، نبني هذا الاعتقاد والنقد على مسيرة المعارضة الخارجية المليئة بالاخطاء وتلاعب العديد من التيارات بقيم الثورة السورية، والتي تستخدم المجلس الوطني السوري وكتائب من الجيش السوري الحر، لتسيير أجندات متنوعة، يشوهون بها الثورة، ويخرقون مفاهيمها. تيارات تسمى بالمعارضة الخارجية تتهافت على السلطة، تلغي من الحراك المعارض مطالب الشعب الذي من أجله ثار، لا نلتفت إلى المعارضة الداخلية، ربيبة السلطة البعثية الاسدية كهيئة التنسيق الوطنية، بل نبحث عن مستقبل الوطن مع المعارضة التي تواكب القوى الثورية التي تسكب الدماء والمدعومة بالمسيرات السلمية لاسقاط النظام.

تغلغل بين الشعب السوري الثائر مجموعات تنهش من قيم الجيش السوري الحر، بثت عناصر فاسدة في كتائبها، وكتائب تشكلت مهمتها الاجرام وخلق مجازر لا تقل بشاعة عن جرائم آل الاسد، ليس فقط الكتائب التي شكلتها السلطة من الشبيحة والتي تجرم لتشويه الثورة، بل كتائب تنتمي إلى الجهاديين والسلفيين، لا يؤمنون بالثورة، يكفرون الجميع المخالف وباسم الجيش السوري الحر وهؤلاء براء منهم، هناك من أعتدى على قرى كردية ينتمون إلى الديانة الإيزيدية، وهي من المقدسات القومية لدى الشعب الكردي عامة، لا يدركون أنهم بهذا يخلقون جبهة مع الكرد عامة، ويخففون الضغط على آل الاسد الباغية، الإيزيدية غائبة عن ثقافتهم، إنها من أعرق الديانات في الشرق، فخر التاريخ الكردي، يؤمنون بالله أعمق من إيمان السلفيين والجهاديين به، كتائب تطغى عليهم الجهل، الثقافة الإنسانية غائبة عنهم كما هي الاسلام الحقيقي غائب عنهم، جهل بدينهم والاديان الاخرى هي التي تستفيد منها السلطة الاسدية، وهي التي ستظهر للعالم الوجه المخالف للثورة السورية والجيش الحر، هؤلاء هم الذين أجرموا بحق الكرد وبحق جنود من الجيش السوري فرض عليهم آل الأسد المجرمون الخدمة بالإكراه، معظم الذين أعدموا بعد تسليمهم كانوا من أبناء الشعب السوري، ربما كانوا من حمص المدمرة أو أحد اقارب حمزة الخطيب، أو من أحد بيوت دير الزور التي تود السلطة أن تبيدها، أو من الكرد المؤمنين بكلمات الشهيد معشوق الخزنوي، غايتهم التشهير العالمي بالجيش الحر والثورة السورية، والثورة براء منهم ومن أعمالهم وانتمائهم المذهبي، سنيا كان أم وهابيا. يواكب كل هذا صمت من المعارضة الخارجية، وبشكل خاص المجلس الوطني السوري أمام هذا الوباء الذي ينتشر في الثورة، صمتهم هي جزء من غيابهم عن أبعاد الثورة، والتي تبينت وظهرت من خلال حراك المعارضة الفاضحة. عرض البعض مقترح لتغيير هيكلية أعضاء المجلس، تشبثوا بالكراسي كتشبث السلطة وآل الاسد بالقصر الجمهوري، الشعب السوري والثورة يقفون أمام طرفين متشابهين في الابعاد، أحدهم صديق انتهازي وآخر عدو مجرم.
تتلاطم التيارات الإنتهازية، يشوهون أبعاد الثورة، سيدخلون الوطن ما بعد آل الاسد في دوامة الصراع الموبوء في أعماقه، مليشيات الاسد ستبقى تصارع للحفاظ على مصالحها، وكتائب من التيارات السنية المتنوعة، الجهادية، والوهابية، والسلفيين الراديكاليين، يكفرون الكل، العلوي، والكردي الإيزيدي أو القومي، والشيعة عامة، وغيرهم من الطوائف السورية، إلى جانب الحركات العروبية التي تستخدم الدين كمتراس، كالتيار الاسلامي الليبرالي، يجرفون الوطن إلى بوتقة الطغيان المركزي، ويعدمون الثقة منذ اليوم بالآخر، يجاهدون لنقل سوريا من طغيان المركزية المستخدمة فيها مفاهيم القومية العروبية، إلى مركزية إلهية لا تقبل الجدل، مركزية سنية بكل أطيافها.

الاغلبية من الشعب السوري تدرك المآل، وأصبحت تدرك طرق الخلاص من هذا الطغيان القادم، ببناء ثوري نوعي يقضون فيه على المركزية المطلقة، وهي تفتيت السلطة بنظامه، بتوزيعها واشراك الجميع في تسييرها، النظام الفيدرالي سيحافظ على سلامة الجميع، ووحدة الوطن، ويؤمن حقوق الكل، أثنياً أو طائفياً.

النظام الاسدي والبعثيين العلويين من ضمن الداعمين للنظام الفيدرالي لسوريا القادمة، بعد قناعة بقرب زوالهم، كحماية لنهاية ذاتهم، يوجد ترحاب به من قبل الاغلبية العلوية، الأسباب واضحة، الخوف من القادم ما بعد السلطة الحالية، انعدام الثقة بالآخر والتي خلقتها السلطة بينهم جراء هدم ثقة الآخر بهم على مدى عقود من الزمن، كوسيلة لتمركزهم حولها ودعمها، إلى جانب الدعاية المغرضة من قبلها، وتراكم فسادها في الوطن ومجازرها في الثورة ضد المناطق والمدن التي لا تسكنها الطائفة، الموجهة معظمها نحو ظهور نوايا تيارات السنة المتشددة من المعارضة بالثأر منهم كرد فعل على مجازر شبيحة آل الاسد، ورغم أن هذا التوجه حالة مرفوضة من المعارضة العربية السنية بشكل خاص، ويشددون عليها أعلاميا وبشكل مستمر، لكنه لا يخلق لدى الطائفة العلوية والاخرين ثقة بالسلطة المركزية القادمة، لذلك فالنظام الفيدرالي لسوريا، يبقى النمط السياسي والاجتماعي الأمثل لإعطاء نوع من الأمان للجميع، وهو المطلب الصحيح والمخرج المنطقي للخلاص من المستنقع الذي أغرقت السلطة الحالية الشعب السوري فيها منذ عقود من الزمن، طرح النظام الفيدرالي البديل الأفضل المساند لرفض الحوار مع السلطة، وهي في أبعادها ضربة سياسية دبلوماسية قاضية على التيارات المطالبة بالحوار معها أمثال هيئة التنسيق الوطنية والدول الخارجية الداعمة للسلطة الاسدية.
مجابهة أو محاربة المفاهيم والطروحات السياسية التي تنبع من النظرة الذاتية، والتي تقف ورائها اجندات مجموعات ودول معينة والتي لا تبحث عن مستقبل ومصلحة الشعب السوري عامة تعتبر خرق لدعائم الديمقراطية وانحياز مطلق لمفاهيم الطغي و السيطرة الانفرادية والاستئثار بالسلطة الشمولية.

إلى جانب ذلك، هناك المنطق الغريب والمخالف للبنية الديموغرافية- الإجتماعية السورية على الساحة الثورية، وهي المطالبة بعدم النضال تحت القيم القومية والمفاهيم المذهبية أو من اجل بناء الكيان القومي أو المذهبي ضمن الوطن المتحد رغبة، والتخفي وراء المفهوم الطوباوي المطالب ببناء وطن مجرد من هذه الاختلافات الاثنية ndash; المذهبية، عودة إلى النهل من ثقافة البعث الشمولية. التكوين الاصح لوطن متماسك، يخلق باعطاء الاعتبار التام للمطالب القومية والمذهبية، والرافض لهذا المنطق، سيغرق سوريا الوطن في صراع اثني، طائفي، فكري - سياسي مفجع، سينهش الوجود السوري تحت قيم سلطة مركزية سنية ndash; عروبية مغلفة بوهم الوطنية لا علاقة للشعب بها، سيفرض على القومية الكردية بالاندثار وقبول التطبيع العروبي السابق، منها استمرارية المستوطنات التي خلقتها السلطة البعثية - الاسدية، سنكون قد حكمنا على الطائفة العلوية بالاعدام على الأغلب. الوطن المجرد من الموزاييك القومي - المذهبي - الاجتماعي مفاهيم نابعة من فلسفة اقتصادية ndash; سياسية - روحانية اثبت التطور التاريخي المختصر على خطئها العملي رغم رونقها النظري، والمخرج المنطقي لهذه المعضلة هو الوطن المبني على النظام الفيدرالي، تيمننا بمعظم دول العالم المتعددة الاثنيات والمذاهب.

أدركت المحافل الدولية ومراكز القرار العالمية هذه الحقائق حول الثورة السورية، وتكوينها، من خلال الدراسات والبحوث الطويلة، ومداولاتهم الثقافية والسياسية مع جميع التيارات، المعارضة والمحايدة، لذلك نجدهم قد بنوا منطقهم على هذه المنهجية، فهم مع النظام الفيدرالي للحفاظ على التعامل المتوازن بين الشعب السوري. بامكان هذا القرار السياسي من قبل المعارضة السورية وبشكل خاص من التيار السني، أن يحدث تغييرات في السياسات الدولية تجاه الثورة، وبها ستحصل الثورة على التأييد الفعلي والعملي الجدي من معظم مراكز القرار العالمية، إن كانت أمريكا وأوروبا أو روسيا والصين، والأهم أنها ستقرب لحظة زوال السلطة الحالية.
تستطيع المعارضة الخارجية بشكل عام والسنية بشكل خاص أن تحقق السلطة المركزية، في حال إمالة مجموعة البريكس الى جانبهم، لكن التيارات السياسية المعارضة ( خاصة تلك التي تعكس الثورة ومفاهيمها ) سيرفضونها، حينها ستضطر السلطة الجديدة بناء نظام دكتاتوري لتحقيق مطالبهم والاستمرارية في السيطرة بتلك السلطة المركزية حتى ولو بشكل مغاير، لكن المنهجية ستبقى نفسها كما هي في السلطة الحالية.
يتطلب من المعارضة الخارجية، السنة خاصة، وانا منهم، التمعن والتفكير بمنطق ووعي، واسخدام العقل لا الرغبات الذاتية، دراسة فوائد تفتيت المركزية المطلقة وآفاق الاعتراف بالفيدرالية، يجب الاعلان عنها اليوم قبل الغد، عليهم تبني اللامركزية في الحكم، لتقويض أركان السلطة الحالية بأسرع وقت، ونبذ العنف وتجاوز الانتقام والاخذ بالثأر والحفاظ على الارواح والممتلكات والبنية التحتية والتعامل الانساني في سوريا القادمة الموحدة.

الولايات المتحدة الأمريكية
[email protected]