الجزء الأول

أغرقوا الثورة السورية في النفاق السياسي، طمسوا مفاهيمها وأهملوا طروحاتها، بدراية أو جهل. المتآلهين في السلطة، لا يرون وجوداً للشعب السوري، يكتفون بقلعتهم في قاسيون والحاشية من النخاسة الذين يخدمونهم، لا حاجة لهم بوطن معارض وشعب يرفض الذل، مجرمون لبسوا عباءة الآله، سيطروا على السلطة، بنوا دور خاصة لتآليههم في أرجاء الوطن، يدمرون مراكز العبادة التي لا يعبدون فيها، هتكوا المساجد والكنائس، دمروا التاريخ في وطن لا يؤمنون به،، سلطة أعدمت كل القيم الانسانية، توغلت في الاجرام والدمار والمجازر، سلطة المتآلهين من آل الاسد لا ترفض الحوار مع الاطراف التي تسميها حسب أجنداتها بالمعارضة الوطنية، تقبل نظريا معظم التدخلات الدولية لوضع حل مزاجي لمأساة الوطن، دعمت بدبلوماسية مراوغة ممثلي هيئة الامم المتحدة ووفود الجامعة العربية، لتمرير غاياتها، تطرح خطط نظرية لنوعية السلطة في حال موافقة المعارضة الجلوس معها على طاولة الحوار.

المعارضة الحقيقية ترفض الحوار بمطلقه، الثوار يعدمونها، الحوار مع السلطة الحالية طرح غير وطني، بعيد عن المنطق الانساني والسياسي، خرج من الإطر السياسية والدبلوماسية والوطنية، إلا أن الموقف الثوري المنطقي ( لا حوار مع السلطة الاسدية ) من قبل المعارضة لا تسند بطروحات واقعية لنوعية النظام في سوريا ما بعد الاسد، ولا تبحث فيها بعمق وطني، طروحات لاتعكس مدارك جميع شرائح المجتمع السوري، فيبقى الرد السياسي الدبلوماسي المنطقي هش أمام مراوغات السلطة الحالية. بعض التيارات السياسية تظهر وكأنها تود السيطرة على المسيرة القادمة، وفي مقدمتهم التيار الاسلامي السياسي السني والمساند في بعضه من قبل التيار العروبي، يتشبثون بمفاهيم السلطة المركزية واسلوبها حول تسيير الوطن في القادم من الزمن، أكثرهم تشدداً هم التيار السني من المعارضة، يركزون على بناء سلطة لا تختلف في منهجيتها عن السلطة الحالية، المركزية المطلقة، مع اضفاء الصفة الديمقراطية، وهي نفس الكلمة التي استخدمها البعث في دساتيره المتتالية بمرافقة البند الثامن، هذا التشديد المتكرر أدى إلى حيادية العديد من القوى في سوريا على المشاركة الفعالة في الثورة، بل بابتعاد بعضها، خاصة بعد أن اخرجت من نمطها السلمي، بينهم قوى من الطائفة العلوية، والمسيحية، والدروز، كما أدت إلى حيادية البعض من الاحزاب الكردية، وغيرهم من المجموعات السياسية المستقلة. التأكيد بالإبقاء على السلطة المركزية ترهيب غير معلن لكل هذه القوى، ودعوة غير مباشرة لبناء غير مختلف عن منهجية السلطة الحالية، رغم أن معظمهم يؤكدون على إيجابيات ازالة السلطة الحالية.

د. محمود عباس

كثر اللغط حول مطالب الشعب الكردي، في سوريا القادمة، بين أطراف المعارضة، تفاقمت بين القوى الكردية نفسها، وهم لايزالون في شوارع مدنهم ثائرون حسب مفاهيم الثورة الحقيقية، معظم مسيراتهم لا تزال سلمية الابعاد، لا لرهبة من السلطة الشمولية المسيطرة حتى اللحظة على أروقة المنطقة، بل لإدراك رواد الثورة للآفاق السياسية، بعكس معظم الاحزاب الكردية والمعارضة العربية، الذين تلكؤا في العديد من المطبات ويكاد البعض يغرق في مستنقع الاخطاء، والأفظع من كل هذا قصر نظر المعارضة السورية عامة لخفايا الصراع، وعدم القدرة على رؤية المستقبل، والتي أدت بهم الى اغراق الثورة في مستنقع السلطة، وهي المزيد من الدماء واستمرارية الحرب، حتى ولو كانت معروفة وواضحة على انه حرب بين الشعب والسلطة الشمولية المسيطرة على مراكز قوى الجيش والامن. الثورة موجودة لكن طروحات المعارضة الخارجية لا تعكس ماهيتها، وهي ليست صدى الثورة، إنها تعبر عن تيارات تتكالب على السلطة لا عن تغيير نظام شمولي.


الاصرار المتكرر على التعددية في الوطن القادم، واحترام حقوق الاثنيات والطوائف والمذاهب، بدون طرح سياسي منطقي، ودون تحديد هيكلية السلطة القادمة، لا يلغي التخوف من سيطرة الاغلبية السنية عليها وبمركزية قد تكون مطلقة. تكررت المطالب من الطوائف الاخرى ومن القوى الكردية المثقفة والسياسية بشكل خاص، ومن الشارع الكردي حول هذه النقطة بالضبط، ومن قوى خارجية لإعطاء الأمان للقوى التي تقف على الحياد أو انزاحت الى جانب السلطة تخوفا من القادم السني بالثأر من الطائفة العلوية وتهميش المسيحيين وانكار مطالب الكرد القومية، مع ظهور صرعة تكفير الكرد الإزيديين في آفاق الوطن من قبل جماعات اسلامية سياسية شاذة لا يفقهون سوية الدين الإزيدي في أعماق تاريخ الشعب الكردي، ردود الفعل السياسية من قبل المعارضة السنية بشكل خاص ضعيفة ولا تدرس هذه المعضلة بعمق ولا تحاول تداركها، وهي لا تزال مصرة على مفهوم السلطة المركزية، التي خلقت الهوة وفاقمت من ابعادها، ولا يزالون مؤكدين على رفضهم المطلق لأي نظام مخالف، كالنظام الفيدرالي، يتهمونه بكل الآفات، كمقدمة لنزعة الانفصال عن الوطن، غير مستبعد أن تكون مثل هذه الأراء مبنية على خلفية عدم استيعابهم لمفاهيم ومزايا نوعية هكذا نظام، أو النزعة الذاتية المذهبية - التاريخية المتكالبة على الإنفراد بالسلطة، أي كانت الاسباب، فهم يقدمون العديد من المساعدات غير المباشرة لإطالة عمر سلطة آل الاسد.


كُتبتْ مقالات عديدة حول شرور ومساوئ السلطة المركزية، نبهت المعارضة السورية، السنية بشكل خاص، عن مدى التأثير الذي سيحدثه مفهوم النظام الفيدرالي لسوريا القادمة على كيان السلطة الحالية، من خلال آفاق الأمان الذي سيعطي لكل الاثنيات والطوائف غير السنية داخل الوطن، حيث سيكون الانتماء اليه عن قناعة وبنائه برغبة ذاتية. من أوائل الذين انتبهوا الى هذه المعضلة هم كتاب وسياسيي المجلس الوطني الكردستاني - سوريا، بينوا بتحليلات ودراسات أكاديمية متتالية مدى ملائمة النظام الفيدرالي لسوريا القادمة بعد اسقاط النظام الشمولي الحالي، كتبت مقالات وقدمت محاضرات و نشرت كراسات، شاركوا في دراسات أكاديمية، بشكل خاص حول ظروف المنطقة الكردية في سوريا ومن ثم عن سوريا بشكل عام، وهو بند من البنود التي اقرت في مؤتمرهم ببروكسل عام 2006 والتي وافقت عليها مراكز القرار الخارجية المعنية بالثورة السورية، النظام السياسي الفيدرالي اصبح يعكس رغبة الكرد والعلويين.


اذا نظرنا اليها خارج الاروقة السياسية العالمية يبقى القرار بيد الشعب السوري، لكن قرارات الأغلبية كثيرا ما تلحق الغبن بالآخرين، مثلها مثل طغيان الاقلية والانفراد بالسلطة بمركزية مطلقة. لا يمكن تصور سوريا، بعد المجازر والدمار الذي ألحق به خلال الثورة من قبل السلطة الاسدية - العلوية، والصراع الاثني الطائفي في سوريا على مدى حكم البعث - الاسدي، إلى ان سادت كثقافة متمركزة، من عدم حصول ثارات تتخللها مجازر على الهوية، والطائفة العلوية هم أول المعنيين بهذا. لتكن المعارضة السورية السنية واقعية ويجب أن تدرك هذا المنطق وهذا المفهوم، لا يمكن الخروج من هذا المأزق إلا بخلق أمان سياسي ndash; جغرافي، و بناء سلطة لامركزية تعتمد على النظام الفيدرالي، بها وحدها يمكن أعطاء الامان والثقة، والحفاظ على عدم ظهور سيول دماء كثيرة قادمة، الطائفة العلوية والمسيحيين يكادون يفقدون الثقة بعد مجازر السلطة خلال هذه الثورة، فمن ضروريات الثورة والمعارضة الخارجية، السنة خاصة، تقديم الطروحات المناسبة لمفاهيم الثورة، لإعادة الثقة بين شرائح المجتمع...
يتبع...

الولايات المتحدة الأمريكية
[email protected]