في بحث ميداني لمنظمة غالوب الأميركية في عشر دول إسلامية تمثّل 80% من المسلمين في العالم والذين يصل تعدادهم إلى مليار ونصف مؤمن مسلم.. في إجابة لسؤال ما أكثر ما rsquo;تعجبون به في الغرب.. جاءت النتيجة بأن أكثر ما يعجبهم ويدهشهم في الغرب.. التعددية السياسية.. القضاء العادل.. وحرية التعبير..

وكلها تمثّل القاعدة الأساسية للديمقراطية.. السؤال هو إذا كان هذا ما يبهرهم في الغرب.. لماذا فشلت ثورات الربيع العربي في ترسيخ هذه المبادىء.. لن أضع اللوم فقط على الأنظمة السياسية المستبدة البائدة.. ولن أعود لتكرير ما كتبته سابقا عن الدور السلبي لخطباء الدين.. ولكني اليوم سأتطرق للإجابة من زاوية جديدة..دور المثقف والصحفي في عملية التوعية الشعبية التي تحتاجها الديمقراطية.. دوره في المساعدة في فتح الحوار ومساعدة الإنسان العربي للإنعتاق من سجن التفكير المغلق، إعادة حقه المسلوب في حرية فكرية حرمته منها الأنظمة وعتّم عليها فقهاء الدين.
من خلال قراءاتي المستمرة.. وجدت أن الغالب في الصحف العربية، إنسياق في العواطف بحيث تغيب الموضوعية الحقة لفتح العقل والضمير.. إضافة إلى وجود البعض من الصحفيين الذين إكتسبوا مصداقية في الشارع العربي.. ولكن تتغلب عليهم مصالحهم المادية قبل مصلحة الإنسان العربي وبالتالي تؤدي كتاباتهم المزدوجة المعنى والهدف إلى تخبط الوعي العربي...
الأول الذي rsquo;يغلّب العواطف.. يرى الأمور بعين واحدة.. كرهه للتدخل الأمريكي في الدول العربية والإسلامية جعله يكتب من زاوية واحدة بحيث أضافت إلى خطابات فقهاء الدين بعدا إخباريا زاد من حقد سكان هذه الدول على الغرب.. ولكن نفس هذا الإنسان الحاقد هو من أبدى إعجابه بالحريات الغربية..!!!

وهو نفسه الذي يقف في طوابير للحصول على تأشيرات الهجرة أو مستعد للتضحية بحياته في سبيل الدخول غير المشروع لهذه الدول.. هم نفس البشر الذين وحين يدخلون إلى الغرب تستبد بالبعض منهم مشاعر الكره بحيث يرفضون الإلتزام بقواعد الديمقراطية التي أبدوا إعجابهم فيها سابقا.. هم نفسهم الذين تسيطر عليهم مشاعر الإغتراب فيعودون للإلتجاء الأعمى للدين في خليط أعمى سلبي ما بين الثقافة والدين.. هم نفسهم الذين تذمروا من رفض السلطات الفرنسية السماح لهم بذبح أضاحي العيد في بيوتهم. وأن عملية الذبح يجب أن تخضع للقواعد الصحية المتعارف عليها.. أي القتل الرحيم. وفي أماكن الذبح المخصصة لعملية الذبح والسلخ.. هم نفسهم يرفضون الإندماج ويفضلوا العزلة والإنعزال وتبدأ مشاكلهم مع المجتمع المحيط بهم..

أحلام أكرم

ينتقد أحد الكتاب الذي كثيرا ما إستمتعت بالقراءة له وأكن له الكثير من الإحترام..إزدواجية السياسة الأميركية وأنا معه مئة بالمائة في هذا الإنتقاد.. خاصة وحين يكون موجها تجاه القضية الفلسطينية بالتحديد.. ولكن كنت أتمنى في إنتقادة لإستعمالها لطائرات بدون طيار قتلت المدنيين في العراق.. وأفغانستان.. وبالأمس قتلت ثلاثة في اليمن في حفل زفاف..أن يكون أكثر موضوعية ويذكر بأن هذه الطائرات الأميركية التي هاجمت أهدافا مدنية ليست بأكثر إجراما من التنظيم الذي جند إمراة لقتل مدعوي حفل الزفاف في الأردن قبل عدة سنوات..

أود أن ألفت النظر أن القاعدة بالأمس أيضا تبنت عملية الهجوم في بغداد والذي أسفر عن مقتل ما يقارب 44 إنسان عربي مسلم ومسيحي.. وجرح ما يفوق 150 إنسان آخر..
يقول الكاتب أن الطائرات الأميركية بدون طيار.. قتلت منذ 2004 - 3350 شهيدا، ثلثهم تقريبا من المدنيين، 880 منهم من النساء والاطفال، والبقية من المتطرفين الاسلاميين (القاعدة وطالبان) حسب التصنيفات الامريكية.quot;quot;.

لكل من يبكي هؤلاء الضحايا.. وهم بالتاكيد ضحايا أن يبكي أيضا وبنفس الدموع الصادقة ضحايا عدوان تنظيم القاعدة في المنطقة العربية والذين ومن المؤكد فاقوا هذا العدد بكثير.. أن يبكي ضحايا النظام الأسدي الذين فاقوا العشرة الآف.. أن يبكي تشرد أطفال المنطقة العربية الإسلامية.. وبنفس الدموع أن نبكي ضحايا القاعدة في الغرب.. في نيويورك ولندن ومدريد وبالي وغيرها..
إن الكتابة بالبكاء والعويل والنظر بعين واحدة إضافة إلى أنها تجردنا من المسؤولية لأنها تضعنا في موقف الضحية وتشل إرادتنا و rsquo;تعجزنا عن التفكير السليم، تضلل الإنسان العربي و تسلبه مشاعر التعاطف مع الآخرين.. وإعمال العقل في ما هي الطريق الأصح لحماية أنفسنا من هؤلاء المتطرفين والمساعدة في حماية العالم كله منهم.. سواء كانوا من تنظيم القاعدة أم من تنظيمات دينية متطرفة اخرى.. كلها لا تحمل لنا وللعالم من حولنا سوى الدمار..

أميركا ليست بدولة صديقة.. ومهمتها الأولى حماية أمن مواطنها ثم حماية مصالحه.. ولكن وأليس من المفروض أن تقوم بقية الدول العربية والإسلامية بحماية أمن مواطنها.. بدءا من الأمن الغذائي والإقتصادي حتى لا تتركه لقمة سائغة للإنخراط في مثل هذه التنظيمات.. أليس من مهمة الدولة حماية عقل مواطنها من أساطير وخرافات تروّج تشوه الرسالة الأصلية للدين؟؟؟ ثم أليس من واجب الكاتب والصحفي والمثقف توعية الإنسان العربي لخطورة هذه التنظيمات بدلا من البكاء عليها وإبداء التعاطف معها..وإطلاق الألقاب على رموزها ورؤسها.. أنا لا اؤيد عمليات القصف سواء بطيار أم بدونه.. ولا أقبل بأي شرعية قانونية لأي حرب.. ولكني لا أستطيع إنكار بأن عملية إستئصال العناصر الإرهابية المتطرفة في العالم العربي والغربي.. واجب إستراتيجي لنا جميعا لتخليص المنطقة العربية من صبغة الإرهاب التي ألصقتها هذه المجموعات بنا جميعا سواء كنا في الوطن الأم.. أم في الوطن الجديد.. وأرفض إعطاء لقب شهيد لأي منهم.. نعم إن هذه الحرب اللاأخلاقية هي الطريق لتصعيد الكراهية للغرب كله.. ولكن وجود التنظيمات الإرهابية والتردد في التنديد بها جريمة يرتكبها كل كاتب في حق كل إنسان في المنطقة العربية.. وفي العالم بأسره.. وعلينا مسؤولية حماية كلا الطرفين في هذه القرية الكونية..

أما النوع الآخر من الصحفيين الذي يغطي ضميرة بعباءة خليجية كلما وجد بأن مصلحته تفوق مآسي الإنسان العربي الذي بحاجة ماسة إلى الوعي.. والوقوف بجانبة في حقه في الديمقراطية.. فله الله....

منظمة بصيرة للحقوق الإنسانية