الانتفاضة او الثورة السورية خرجت عن مسارها السلمي وتحولت الى حرب اهلية مذهبية. القضية السورية لم تعد قضية تبديل او اسقاط نظام، بل انها حرب سنية علوية واضحة كوضوح الشمس في وضح النهار. ولكن كعادة شعوب المنطقة لازالت النعامة سيدة الموقف تتمختر بمؤخرتها بينما رأسها تغوص في اعماق الرمال لعل وعسى.
اللف والدوران على الحقائق وانكارها تعقد الازمات وتعمقها بدلا عن حلها.
الكرد وبقرار يكاد يكون بالاجماع قرروا ان لا يكونوا طرفا ضد آخر في هذه الحرب العبثية المجنونة والتي معظم ضحاياها هم من المدنيين الابرياء العزل. انها حرب انتقامية بين مذاهب تعود بجذورها الى قرون عديدة.
الكرد لهم هدف سامي وواجب وطني وانساني وهو وضع حد لهذه المجازر الرهيبة التي تحصل يوميا والتي حصدت حتى الآن ثلاثين الف ضحية عدا مئات الآلاف من اليتامى والثكالى والمهجرين والابدان المهشمة من الجرحى والمصابين.
كنا ولا زلنا نصر على ان تكون المناطق الكرية واحات أمان وملاجئ لكل السوريين الذين تضطرهم احوالهم الى مغادرة مواطنهم ومنازلهم وسيكونوا ضيوفا واخوة اعزاء يعيشون بعزة مرفوعي الجباه بين اخوتهم محفوظي الكرامة والشرف.
د. بنكي حاجو |
هذا الموقف الكردي النبيل والعقلاني والسلمي لم يرض مصاصي الدماء ومثيري الفتن. تحركت قوى الشر واقدمت على مجزرة الاشرفية، الحي الكردي في مدينة حلب وواحة الامان لكل الحلبيين والسوريين دون استثناء.
الاشرفية تعرضت لهجومين. الغارة الاولى كانت من جانب النظام بحجة لجوء الجيش الحر الى هذا الحي المسالم وسقط الضحايا من المدنيين. في اليوم التالي قامت مظاهرة تدعو الجيش الحر مغادرة المسلحين للحي. كان رد هذا الجيش اطلاق النار على المتظاهرين المدنيين العزل وسقط العشرات قتلى وجرحى. وحدات الحماية الشعبية الكردية ردت على مصادر النيران واوقعت اصابات بين المهاجمين ولم يتعرض اي مدني الى الاذى.
ماهو الفرق بين هذا الجيش الحر وجيش النظام اذن؟ كلاهما يطلقان النار وبنفس الشجاعة على العزل من المدنيين.
هل الجيش الحر كله على هذه الشاكلة؟. لا اظن، ولكن القيادة العسكرية لهذا الجيش والمجلس الوطني السوري وبقية القوى السياسية الداعمة لهذا الجيش يتحملون المسؤولية امام الله والتاريخ، لا سيما اننا لم نر منهم حتى الآن الا الصمت المشبوه لمجزرة الاشرفية. كل تلك الاطراف مسؤولة عن تلك الدماء البريئة التي زهقت في الاشرفية طالما لن يطال هؤلاء المجرمين المحاكمة والعقاب ليكون درسا لكل من تسول له نفسه الاعتداء على المدنيين العزل.
الحوادث التي حصلت بعد المجزرة كانت اخطر بكثير من المجزة نفسها وذلك بلجوء وحدات اخرى من الجيش نفسه الى توقيف الباصات التي تُقل المواطنين الكرد من العمال والكسبة من حلب الى عفرين واخذوهم كرهائن للافراج عن الاسرى المسلحين الذين هاجموا الاشرفية.
هذا يعني ان الذين هاجموا الاشرفية لم تكن وحدة مسلحة ضالة او عملا منفردا، بل كانت خطة مدبرة وبالتنسيق مع القيادة. من جهة اخرى تم الحجز على الكرد المدنيين العزل والذين لا يسكنون الاشرفية كرهائن، فقط بناء على انتمائهم الكردي مما يعني اشعال نار الفتنة بين الكرد والعرب.
هذه الفعلة النكراء تشكل البداية للقتل على الهوية، بالرغم من حوادث كثيرة من هذا النوع والتي تحصل في مناطق التماس بين السكان العلويين والسنة.
اختطاف الرهائن على الهوية بمافيه الاطفال والنساء والشيوخ هو الوجه الحقيقي للحرب الاهلية المذهبية القذرة والآن يريدون اشعال حرب اهلية كردية عربية.
الحادثة الاخرى التي اقدم عليه نفس هذا الجيش الحر هو منع نقل جثامين الشهداء من حلب الى مسقط رأسهم في عفرين ليواروا الثرى مما ادى الى دفنهم مؤقتا بجانب كراج الاشرفية ريثما تسمح الظروف بنقلهم الى مقابر الآباء والاجداد.
اية ديانة او مذهب او شرع الهي او وضعي او قيم انسانية او اخلاقية تقبل بمثل هذا التصرف الهمجي والذي يجلب الخزي والعار لكل من يسكت ويتفرج على مايجري.
السكوت يعني صب الزيت على النار والعمل على انتشار الحرب الاهلية الى كل شبر من الارض السورية.
لم تنجح كل مؤامرات الدولة السرية في تركيا في اشعال حرب اهلية كردية تركية طيلة ثلاثين عاما من الحرب الدائرة بين قوات حزب العمال الكردستاني والجيش التركي. كذلك لم تحصل حرب اهلية كردية عربية في العراق بالرغم من العقود الطويلة من المعارك وعمليات الابادة من حلبجة والانفال.
الجيش الحر له ارتباطات قوية مع تركيا وهناك تنسيق مع الجيش التركي ولهذا تتحمل تركيا ايضا المسؤولية لما اقدم عليه الجيش الحر في الاشرفية. هناك قلق كبير في ان ماحدث في الاشرفية قد تكون الخطوة الاولى في مخطط اجرامي حُيكت خيوطها باحكام لضرب الكرد والعرب ببعضهم.
هنا نريد ان نؤكد بأن حربا كردية عربية لن تقع في سوريا ايضا، الا اننا بحاجة ماسة الى الدعم من كل القوى الخيرة العربية في الداخل السوري وفي العالم العربي للتصدي لمثل هذه المؤامرات التي تسعى للايقاع بين الشعبين الكردي والعربي واتاحة الفرصة اما م الكرد في موقفهم quot;الحياد الوطنيquot; لتقليل الخسائر في هذه الحرب الطائفية السورية الى ان يفتح الله بابا للفرج.
بالرغم من كل الخلافات الكردية الكردية، الا ان الجميع متفقون على الوقوف ضد الحرب الاهلية.
ليعلم الجميع ان الكرد لم ولن يلطخوا ايديهم بدماء السوريين مهما كانت اانتماءاتهم.
طبيب كردي سوري
التعليقات