تشكل الانتخابات الاميركية مناسبة للكتاب والصحافيين والمحللين من اجل اطلاق مقالاتهم التي تتناول فترة حكم الرئيس السابق وانجازاته خلال اربع سنوات او مزايا الرئيس القادم في حال فوزه وما يميزه عن الرئيس السابق.

كل اربع سنوات نعيش ماراثون الانتخابات الرئاسية الاميركية وتبدأ التحليلات والتكهنات حول من سيفوز بهذه الانتخابات وخاصة في منطقة الشرق الاوسط التي اكتوت شعوبها ودولها من نار ودمار حروب اميركا دعمها لدولة الاحتلال الاسرائيلي والتدخل في تفاصيل حياة هذه الشعوب ودولها وفرض السياسة التي ترتئيها مناسبة لمصالحها، ومن يخالفها في ذلك تشن عليه الحروب او تخلق له الازمات الداخلية.

المرشح الجمهوري ميت رومني والذي يعلن صراحة عن دعمه لدولة الاحتلال الاسرائيلي، يبدو انه متأثر بافلام رامبو ويبدو متعطشاً الى اظهار قوة اميركا بشكل اكبر، وكأنه لا يكفي تدمير العراق وقتل حوالي مليون شخص والتدخل في سياسة الدول العربية وتدمير افغانستان، ويريد شن حروب جديدة والتدخل في منطقة الشرق الاوسط وفرض الطاعة على الشعوب العربية، فهذا الرجل يُظهِر وجه اميركا الحقيقي البشع بصراحة ودون مواربة.

فرومني يتصرف كما الرؤساء الاميركيين السابقين الذين لم يأخذوا أبداً المصالح العربية بعين الاعتبار ولم يقيموا اي وزن للامة العربية بكاملها، لانهم يعرفون بان العرب يخافون انتقاد السياسة الاميركية خوفا على مصالحهم وعلاقاتهم التي من الممكن ان تتأثر سلباً، بدل ان تخاف اميركا على مصالحها وسوء العلاقة مع الدول العربية لما تملكه هذه المنطقة من اهمية اقتصادية وتجارية وما يملكه العرب من اوراق الضغط لما يجعل اميركا ترضخ لشروطهم، ولكن يحصل العكس من ذلك.

إبراهيم الشيخ

واذا نظرنا الى الرؤساء الذين تعاقبوا على السلطة منذ عام 1948 أي منذ النكبة الفلسطينية لم يصادف وجود أي رئيس اميركي خذل اسرائيل، لكي نستطيع القول بانه كان افضل بالنسبة لقضايانا ومفضل لدينا، وانما كان هناك رئيس سيء واسوأ، من ناحية اخرى فهؤلاء الرؤساء دون شك كانوا كلهم جيدين لدولة الاحتلال الاسرائيلي.

من السذاجة ان نُفضل مرشح على اخر، ومن خلال التجربة الطويلة والتعامل مع السياسة الاميركية إتضح بأن الرهانات على الرؤساء الاميركيين من قِبل العرب كانت دائماً خاسرة، ومن السذاجة ايضا ان نعتمد على اميركا لكي تُعيد لنا اراضينا المحتلة أو الوقوف الى جانب قضايانا، هذا لن يحصل ابداً ما دام العرب لم يتعلموا لعبة الأمم ولعبة السياسة القائمة على المصالح المتبادلة.

فكل الرؤساء الاميركيين وعدوا بحل القضية الفلسطينية، وخير مثال على ذلك هو الرئيس الحالي باراك اوباما الذي لم ننسى وعوده بحل القضية الفلسطينية على اساس حل الدولتين، ولكن جهوده لم تكن مؤثرة وغير ناجعة ولم نشهد اي ضغط من قبله على اسرائيل لاجبارها على الحل او وقف الاستيطان يلتهم الارض الفلسطينية، وانما بالعكس عمل اوباما على تحريض الدول على عدم التصويت في الامم المتحدة على مسعى الفلسطينيين لنيل عضوية دولة فلسطين بصفة مراقب في الامم المتحدة، وعمل أيضاً على منع اي ادانة لاسرائيل في المحافل الدولية لما تقوم به من جرائم واستيطان وقتل وقرصنة.

فرومني صراحة يعلن بأن القدس ستكون عاصمة اسرائيل، أما اوباما لم يدلِ بتصريحات هوجاء كرومني وهذا لا يعني بان اوباما افضل من رومني، ولكنه عمل الكثير لاسرائيل ودعمها بكل الوسائل الممكنة، وبغض النظر عن تصريحات الرئيس اوباما والمرشح رومني، فالهدف يبقى واحد، وهو بقاء اسرائيل قوية ومتفوقة على العرب في كل المجالات واهمها في المجال العسكري من اجل السيطرة على منطقة الشرق الاوسط، ويبدو ان اسرائيل النووية لا تخيف العرب وها هي تقيم المناورات مع الولايات المتحدة ومنفردة وكل هذا لا يزعج العرب وبالكاد نسمع الانتقادات او التعبير عن القلق أو الخوف من هذه المناورات، وكأن المعني ليس العرب ومنطقة الشرق الاوسط وانما جزر الواق واق.

حتى ولو تعهد أي رئيس اميركي بالسعي الى حل القضية الفلسطينية فهذا يبقى مجرد كلام ووعود فارغة وهذا ما تبين من خلال التجربة، وخير دليل على ذلك هو استمرار المأساة الفلسطينية منذ اربعة وستون عاماً والتي لم تجد حلاً لها أو لم توجد ارادة حقيقية لحلها، لان القرار الاول والاخير هو بيد اسرائيل التي تفرض على الولايات المتحدة رأيها وسياستها التي تتناسب مع مصالحها.
وبغض النظر عن الادارة الاميركية التي تحكم سواء كانت جمهورية أو ديمقراطية فهي دائماً تذعن لاسرائيل وضغوطها، لان اللوبي الصهيوني له تأثير كبير على القرارات الاميركية، ولذلك يبقى الرئيس تحت رحمة هذا اللوبي منذ بداية تسلمه الحكم حتى نهاية رئاسته، وايضا يتم ابتزاز المرشحين لمنصب الرئاسة بتقديم الولاء الاكبر لاسرائيل إذا ارادوا الفوز بالانتخابات، فأوباما فعل الكثير الكثير لاسرائيل ومصلحتها وتعزيز امنها، ولكن رومني يريد ان يفعل اكثر واكثر، فجميعهم اصدقاء اسرائيل واصدقاء الاحتلال وشركاء في سرقة الاراضي والقتل والفصل العنصري.

فاميركا ليست صديقاً للعرب، وكل اربع سنوات تتجدد الامال بادارة أفضل ومختلفة عن الاخرى، ويبدأ السياسيين والكُتاب العرب بتقويم فترة حكم الرئيس السابق وما حققه وما لم يحققه بالنسبة للقضايا العربية، فتخرج النتيجة صفر لان اميركا لا تستطيع فعل اي شيء جيد للعرب سوى استغلالهم واستعمالهم كأداة لتمويل حروبها للسيطرة على منطقة الشرق الاوسط واستنزاف ثروات شعوبها، وتعمل كل هذا تحت شعارات ومسميات مختلفة مرة باسم محاربة الارهاب ومرة باسم نشر الديمقراطية والحرية وحقوق الانسان.

كاتب وصحافي فلسطيني