كليوبترا

الرؤية التاريخية تختلف من كاتب لآخر، ومن حقبة زمنية لأخرى، إذ تصطبغ أمزجة الكتاب رهناً بالظروف الموضوعية المحيطة بها!!..
ولهذا نجد أن كليوباترا قد قُدمت إلينا على أكثر من نمط، أبرزها الأنماط الثلاثة عند أحمد شوقي، وجورج برناردشو، وويليام شكسبير.
bull;فهي عند شوقي عبارة عن مجاهدة من أجل رفعة مصر لأنه قد جعل منها تفعل كل شيء في سبيل الوطن!!
bull;بيد أن برناردشو قد صور كليوباترا وكأنها ليست سوى طفلة وُضعت في ظروف أكبر منها!!
bull;أما شكسبير فقد جعل من كليوباترا أقرب ما تكون إلى الغانية اللعوب!!
في حين أننا عندما نقرأ عن سيرة كليوباترا في الكتب التاريخية التي تناولتها نجدها تختلف كثيراً عما وصفها فيه الكُتّاب والشعراء.

* * *
bull;أسوق هذه الملاحظة لكل أولئك الذين يعولون على الأحداث التاريخية، والتي وصلت إلينا مدونة، وكأنها قد توشحت بغلالة من القداسة بحيث يصعب علينا أن نبحث فيها أو نتساءل عن ما ورد فيها، وكأنها غير قابلة للبحث أو النقد.. مما يولد أحياناً خلافات قد تصل إلى حد القطيعة بين الإنسان وأخيه الإنسان.

* * *

أكاذيب.. تاريخية!!
رحم الله الدكتور (طه حسين) الذي كم عانى من المتزمتين يوم أصدر كتابه
(في الشعر الجاهلي)، وكان منطلقه فيه صادراً عن فلسفة الشك المنهجي التي أراد تطبيقها عن مصادر الشعر الجاهلي، ليت أن البعض من هؤلاء المتزمتين يطلع على الجزء الثاني من كتاب الأغاني (لأبي فرج الأصفهاني)، وتحديداً في الصفحتين الثانية والثالثة ليقرأوا أن (قيس بن الملوح) عاشق ليلى الشهير والمجنون.. هناك من يشكك في وجوده أصلاً!؟.. (فأيوب بن عباية) قال:
quot; سألت بني عامرٍ بطناً بطناً عن مجنون بن عامر فما وجدت أحداً يعرفه quot;.
أما (ابن دأبٍ) قال: quot; قلت لرجل من بني عامر: أتعرف المجنون وتروي من شعره شيئاً ؟.. فأجاب: أوقد فرغنا من شعر العقلاء حتى نروي أشعار المجانين؟!.. وأضاف (دأبٍ) قائلاً: إن المجانين لكثُرٌ.. فقلت: ليس هؤلاء أعني، إنما أعني مجنون بني عامر الشاعر الذي قتله العشق، فقال: هيهات.. هيهات، بنو عامر أغلظ أكباداً من ذاك! quot;
وقال (الرياشي): quot; سمعت (الأصمعي) يقول: رجلان ما عرفا في الدنيا قط إلا باسم: مجنون بني عامر وابن الِقِّرية، إنما وضعهما الرواة.
وفي الصفحة الرابعة يقول (الأصفهاني): إن حديث المجنون وشعره من وضع فتى من بني أمية كان يهوى ابنة عم له وكان يكره أن يظهر ما بينه وبينها، فوضع حديث المجنون وقال الأشعار التي يرويها الناس للمجنون ونسبها إليه.

* * *

فبركة تاريخية!!
دعوني أروي لكم الحكاية قبل التعليق عليها..
bull;quot; دخلت إمرأة على هارون الرشيد فقالت: يا أمير المؤمنين أقر الله عينك، وفرَّحك بما آتاك، واتم سعدك.. فقال لها: من تكونين ؟!.. قالت: من آل برمك، ممن قتلت رجالهم وأخذت أموالهم.. فقال: أما الرجال فقد مضى فيهم أمر الله، وأما المال فمردود إليك.
ثم إلتفت إلى من حوله فقال: أتدرون ما قالت المرأة ؟.. قالوا: ما نراها قالت إلا خيراً!.. قال أما قولها: أقر الله عينك فتعني أسكنها عن الحركة.. وأما قولها: وفرَّحكَ بما آتاك، فأخذته من قوله تعالى: (حتى إذا فرحوا بما أُوتوا أخذناهم بغتة).. أما قولها: وأتمَّ الله سعدك، فأخذته من قول الشاعر:
إذا تم أمرٌ بدا نقصه ترقب زوالاً إذا قيل تم
* * *
bull;بالله عليكم هل المطلوب منا أن نلغي عقولنا وأن نصدق أن حادثة كهذه لم تخضع للصنعة الكلامية من قبل أجدادنا ؟!
وكم هي الحوادث (المفبركة) التي تمطرنا بها كتب التراث ويفترض فينا أن نسلم بكل ما جاء فيها وإلا فنحن علمانيون زنادقة، توجب علينا اللعنة!!