من المعروف في تاريخ الإخوان المسلمين في مصر، منذ تأسيسهم عام 1928 ، أنهم كانوا يحاولون بشتى الطرق إعادة الخلافة الإسلامية، التي أسقطها كمال أتاتورك عام 1924. ولكنهم فشلوا في كل محاولاتهم. فقد حاولوا إقناع الملك فؤاد بذلك، والملك فاروق من بعده. واستمالوا شيخ الأزهر آنذاك (مصطفى المراغي) من أجل ذلك. ورغم هذا، فقد كان الزمن السياسي والاجتماعي في ذلك الوقت، قد تخطى منطق الخلافة، وأسقط هذا المنطق، كما سبق وأسقطه أتاتورك. وكانت الخلافة كالتفاحة الناضجة، المؤهلة للسقوط على الأرض، فلم تلقَ من أتاتورك غير quot;هبّةquot; هواء خفيفة، فسقطت. ولكن دويها كان كبيراً في العالم الإسلامي، الذي تنادى إلى إحيائها من جديد، تارة على أيدي ملوك مصر، وتارة أخرى على أيدي quot;شرفاءquot; الحجاز من الهاشميين الشبقين، إلى حُكم مملكة العرب.

المراهنة على الأموات!
ودرج الإخوان على هذا النهج حتى الآن. فنراهم هنا في الأردن، وفي الربيع الأردني الزاحف، يؤكدون من حين لآخر، بأنهم كانوا وما زالوا حتى اليوم، يراهنون على إصلاح النظام السياسي الأردني. ولأن الإخوان يريدون قائداً (كالجمل أو كالبعير) بركبونه لمرحلة ما بعد الإصلاح، لم ينادوا حتى الآن بإزالة صورة الطوطم المعبود في الشارع، ويرفضون المسَّ بهيبته وموقعه. ويقول الكاتب خالد حسنين في مقاله (الملك والإخوان، quot;في المرصادquot;، 15/8/2012) أن هذا الموقف الأصولي من الإخوان تجاه الملكية الأردنية، وتمسكهم به، quot;ليس خوفاً من أي شيء، ولا على أيّ شيء [فعهد الخوف انتهى!] بل لأنهم صادقون في موقفهم الثابت من إصلاح النظام، وليس أي شيء آخر. وفي الوقت نفسه، فإن الإخوان يرفضون العبث والتذاكي، الذي تمارسه بعض الأجهزة، بدءاً من تغييب الحركة الإسلامية قسراً وتزويراً عن المشهد السياسي. quot;

وهذا كلام مجاني عجيب، ومضحك، وغير صحيح. وذلك للأسباب التاريخية التالية:

1- فموقف الإخوان من الملكية الأردنية الآن، هو امتداد لموقفهم من الملكية المصرية البارحة. وهو امتداد لموقفهم من الملكية في كل أنحاء الوطن العربي اليوم وغداً. فهم في أدبياتهم السياسية، يعتبرون quot;الملكيةquot; العربية الخطوة الأخيرة، نحو بوابة الخلافة الإسلامية، التي ما زالوا يطرقونها بين حين وآخر، ويحلمون بها. علماً أن الزمن العربي والاقليمي والدولي قد تخطاها. فلم تعد الدول الإسلامية العريقة، والديمقراطية، تؤمن بحتمية الخلافة، أو تسعى لإقامتها، كتركيا، واندونيسيا، وماليزيا، والباكستان، وبنغلادش، وغيرها.

2- أعلن الشيخ أبو السكر (أحد شيوخ الإخوان الأردنيين) وقوف الحركة ضد شعار [تغيير النظام]، وتحدث عن إيمان quot;الإسلاميينquot; (الأصوليون الإخوانيون) بالنظام، وسعيهم لإصلاحه، عبر النُصح فقط.
إن مراهنة الإخوان على إصلاح النظام بالنُصح، مراهنة خاسرة. فهم ليسوا غير قادرين على إصلاح النظام. ولكن النظام نفسه لا إصلاح له. فهو نظام ميت، لا حياة فيه، ولا صلاح له. وهو كالضباع، لا يعيش إلا على الفساد والفاسدين من حوله، ولا يأكل إلا الجيف. فالنظام كالجرح الميت (وما لجرح بميت إيلام). وقد حاول quot;الإخوانquot; إصلاح النظام، منذ عام 1957 ، عندما انفردوا بالعمل وحيدين في الميدان السياسي، بعد مطاردة النظام للأحزاب السياسية، وحلّها بعد ذلك. وكان النظام السياسي، يرفض بطبعه، وبتكوينه، كل إصلاح ممكن، حفاظاً وصوناً لسلطاته، وامتيازاته المطلقة. والإخوان الآن يراهنوا من جديد على إصلاح النظام، ويضيّعوا الفرصة عليهم، وعلى الشعب الأردني، الذي حاول معهم - بشتى الطرق - إصلاح النظام. ولكن كما قلنا في عدة مقالات سابقة: quot;لا حياة لمن تناديquot;. وأن الأصوليين من الإخوان بهذا، يخونوا التاريخ العربي، والأردني خيانة كبرى، وربما يجهلوا معنى هذه الخيانة، في ظل شبقهم السياسي الحاد.

3- تمسُّك الإخوان بالملكية الأردنية، ناتج عن خوف بائن وواضح. فهم يخشون على ضياع حلمهم وجهدهم، منذ الأربعينات (تأسست جماعة quot;الإخوان المسلمينquot; في الأردن عام 1945 ، بقيادة الشيخ عبد اللطيف أبو قورة، ثم الشيخ محمد عبد الرحمن خليفة) بامتلاك السلطة السياسية، فيما لو ركبوا موجة إسقاط النظام الملكي. وهم غير ضامنين الامساك بالسلطة، بعد إسقاط النظام، كما أمسكوا بها في مصر.

4- يقول خالد حسنين quot;إن الإخوان يرفضون العبث والتذاكي، الذي تمارسه بعض الأجهزة، بدءاً من تغييب الحركة الإسلامية قسراً وتزويراً عن المشهد السياسي.quot; ومن المعلوم، أن النظام وأجهزته البوليسية (المخابرات العامة)، لا يخشيان من الأصوليين الإخوان، بقدر خشيتهما من غالبية الشعب الجائع، والمحروم، والمسروق، والمنهوب، المنتشر في المخيمات، وفي البوادي، والمضارب، وفي المناطق العشوائية ، في جبال عمان، وفي السلط، وأربد، والكرك، والطفيلة، وغيرها من المدن الأردنية. فالحركة الإسلامية (الأصوليون الإخوانيون) هم من عظام رقبة النظام. ولم يحاولوا قط عضَّ هذه الرقبة، بقدر ما مسَّدوها، وفركوها بزيتهم الخاص، وليَّنوها كنوع من (المساج الديني!)، وباركوها، وأوحوا للعامة من الناس البسطاء، أن quot;آل البيتquot; هم الزعتر والزيت. وذلك هو جانب من جوانب خيانتهم للتاريخ الإنساني، والعربي، والأردني.

ورقة التوت الأخيرة لستر عورة الفساد

ما يثار الآن في الأردن، حول الانتخابات النيابية القادمة، التي يصرُّ النظام على إجرائها قبل نهاية هذا العام، ورقة أخيرة من أوراق التوت، لستر عورة الفساد، والسرقة، والفقر، والبطالة، والارتهان للغرب والشرق، ولكل من يدفع أكثر بالتي هي أحسن، وبالتي هي أفضل وأكثر.

والأصوليون من quot;الإخوانquot;، يلعبون ورقة الانتخابات بحذق شديد. فهم يريدون نظاماً انتخابياً، يحققون من ورائه الفوز، والسلطة. وquot;النظامquot; لا يبخل عليهم بذلك، بل يريد منهم أن يتولوا السلطة، لكي (يُنفِّس) أو (يفقع) هذا البالون الشعبي المحتقن (حسب قوله وتعبيره). فلا أحد قادر على ذلك، كالأصولية التي تتحكم بالشارع الأردني العريض، نتيجة لتركيبته السكانية المميزة، ووضعه الاقتصادي المتدني جداً ( آخر التقارير تقول أن 5% فقط من الأردنيين يملكون quot;المصاريquot;، والباقي على باب الله.) والنظام أخيراً، يلاعب الإخوان (الكوتشينة) السياسية بحذق، وهو يريدهم أن يكسبوا (اللعبة). ففي مكسبهم مكسب وضمان له، في أن يعيش 90 سنة أخرى، كما عاش، وصمد منذ 1921 حتى الآن.

وتلك هي الخيانة العظمى للتاريخ الإنساني، والعربي، والأردني، لو تعلمون!

وكل عام، والحراك الشعبي الأردني المبارك بخير. والأردن الذي ينتظر ربيعه بخير، كما قالت الباحثة الأردنية هناء جابر، المشاركة في كرسي تاريخ العالم العربي المعاصر بالمعهد الفرنسي في باريس (مجلة quot;اللوموند ديبلوماتيكquot;، أغسطس - 2012).

وعيد مبارك على الجميع من المناضلين الأحرار.