قبل سنة وثلاثة أشهر نشرت ثلاث مقالات تحت العنوان أعلاه وأعيد نشرها من دون اضافات بمناسبة تصاعد هذه التظاهرات المثيرة، واللبيب يفهم مغزى إعادة النشر:

تعرض الشيعة للتهميش والاقصاء منذ تأسيس الدولة العراقية في عشرينيات القرن المنصرم كما تعرضوا للمظالم خلال حقبة نظام صدام حسين. فقد قتل واغتيل العديد من علمائهم واعدم الآلاف من أعضاء الأحزاب الشيعية مثل حزب الدعوة وتعرض أبناء المحافظات الجنوبية وغيرها لأبشع عمليات القمع بعد انتفاضة آذار 1991 وتشهد مئات المقابر الجماعية على حجم الاضطهاد الذي وقع عليهم.

لكن مع هذا كله لم يعكس الشيعة (وهذه فضيلة كبرى لهم) صراعهم مع نظام صدام حسين على علاقاتهم الاجتماعية مع السنة ولم يحملوا السنة المسؤولية عن تلك المظالم ولهذا لم يسجل التاريخ صراعا دمويا بين الشيعة والسنة خلال العقود الثلاثة المنصرمة وكان التعايش السلمي والجيرة والتزاوج هو السائد بينهم.

بعد العام 2003 فتح الاحتلال وسقوط النظام، الباب أمام الشيعة لاستعادة مكانتهم الطبيعية وموقعهم في كيان الدولة العراقية كمكون كبير من مكونات المجتمع العراقي لكن هذا تم، للأسف، في ظل ظروف استثنائية وحالة من الاضطراب والعنف وانعدام التوازن بين مختلف مكونات المجتمع. وزاد على ذلك تخبط الاحتلال في السيطرة على الأوضاع الأمنية والسياسية وتعثره في إعادة بناء مؤسسات الدولة اعتمادا على القوى السياسية وعلى قاعدة سليمة تستند الى مباديء الديمقراطية والحريات والتداول السلمي للسلطة، الأمر الذي اظهر استعادة الشيعة لموقعهم في كيان الدولة ومؤسساتها وكأنه شكل من اشكال الاغتصاب للسلطة، وقد عمقت سياسة المحاصصة الطائفية التي انتهجتها الأحزاب، فيما بعد، من هذا الشعور لدى السنة.

كان من الممكن تجنب المطبات quot;الطائفيةquot; التي دخلتها العملية السياسية لو كانت الأحزاب السياسية تتمتع بوعي تاريخي وبنوايا صادقة وخبرة في إدارة الأزمة إلا أن هذه الأحزاب تعاملت مع الظروف الجديدة على قاعدة الغنيمة التي يراد تقاسمها بأقصى سرعة. ثم جاء دخول التنظيمات المتطرفة والارهابية على خط الأزمة ليزيد من تعقيدها ويعزز من مخاوف القوى الجديدة من ضياع المكاسب التي تحققت لها.

وعلى العكس من موقف الشيعة سرعان ما عكس السنة موقفهم من السلطة على علاقاتهم مع الشيعة عبر سلسلة من الممارسات كان في مقدمتها استقبال المتطرفين العرب القادمين من شتى الاصقاع بحجة مواجهة المحتل، وتوفير الحواضن لأعمالهم الارهابية التي استهدفت بالدرجة الأولى العراقيين الأبرياء وفي مقدمتهم الشيعة قبل أن تستهدف قوات الاحتلال. هذا فضلا عن قيام أكثر من فصيل من أبناء السنة في رفع السلاح بوجه العملية السياسية. وأوغرت الاعمال الارهابية البشعة وما تبعها من نزاع طائفي دموي، اثر تفجير المرقدين الشريفين في سامراء، قلوب الجميع سنة وشيعة، على بعضهم البعض.

وعلى الرغم من النجاح الذي تحقق خلال السنوات القليلة الماضية في إطفاء نيران النزاع الطائفي وكبح جماح التنظيمات الارهابية وإشراك القوى والأحزاب الممثلة للسنة في أعلى وأكبر مؤسسات الدولة إلا أن ذلك لم ينجح في معالجة الشرخ الذي أحدثته الفتنة الطائفية. فآثار ذلك الشرخ لم تعالج كما ينبغي وما تزال اشبه بالنار تحت الرماد تتغذى على الأخطاء التي أرتكبت وما تزال ترتكب في عملية إعادة بناء مؤسسات الدولة من قبل الأحزاب النافذة والحاكمة (سنية وشيعية) يكرسها يوما بعد يوم تفاقم حال الفساد وغياب الخدمات والتوزيع العامل للثروة، فضلا عن الصراعات والنزاعات على المناصب والمغانم بين هذه الأحزاب.

إن نظرة متأملة ومسؤولة تضع في اعتبارها الأول المصلحة التاريخية للشعب العراقي ومستقبله لابد لها أن تفضي الى القناعة بإننا لن نمسك بالبوصلة الصحيحة لقيادة البلاد الى شواطيء الأمان من دون مراجعة جادة وحقيقية للأخطاء والخطايا التي ارتكبت خلال السنوات الماضية ومن دون البحث عن حلول مخلصة للمعضلات التي خلفتها هذه الأخطاء. وفي المقدمة منها فتيل التوتر الطائفي والنظر إليه بحجمه الحقيقي وليس بالحجم الذي تصوره لنا أوهامنا أو رغباتنا أو نزعاتنا الطائفية التي يغذيها الشعور بالغنيمة.

لقد دق رئيس مجلس النواب اسامة النجيفي الجرس أكثر من مرة فانصتوا إليه!