دارت خلال الأيام القليلة الماضية حديث حول تقارب وليس توافق وشيك بين إيران والولايات المتحدة حول الملفات العالقة، وتسوية للملف النووي الإيراني، ورفع للحظر المفروض على طهران، وبالتالي يضعان حدا لقطيعة رسمية بين البلدين طالت اكثر من ثلاثين عام. هذا الحدث جعل دول الخليج العربي في دوامة بالنسبة للاتفاقية الامريكية الايرانية و تتمحور حول امرين اولهما النشاط النؤوي الايراني والاخر الاتفاق الامريكي ndash;الايراني.

اعلنت الجمهورية الاسلامية الايرانية والغرب استعدادهما بالتواصل لاتفاق،بشأن برنامج النووي الإيراني حيث اعتمدت الغرب نجاح المفاوضات على مدى صراحة طهران في الحقيقة، ذلك اذا تمكنت ايران إثبات صدقها بفتح منشآتها النووية على الفورأمام المفتشين وإبقاء جهودها لتخصيب اليورانيوم عند مستويات متدنية.هذه المفاوضات هي ما تطلبها دول الخليج كما صرح كثير من المسوليين العرب سابقا مطالبا بجلوس ايران مع الغرب من اجل حل الازمة النؤوية الايرانية لكن لا ننسى ان المفاوضات الجديدة التي طالب بها الرئيس الايراني تنتهي بامرين ولاشك في ذلك اولا، تقارب أو توافق امريكي ايراني وثانيا حصول ايران على قنبلة اذا لم تنجح بالمفاوضات او المواجهة العسكرية المحدودة وهذا ما يجعل العرب بين المطرقة والسندان واعني القنبلة النووية الايرانية والتقارب الامريكي -الايراني وكلتا الحالتين ضارة بأمن ودور دول الخليج اقليميا.

تخلى الرئيس الامريكي في خطابه الاخير تاكتيكيا من بعض سياسات امريكا في المنطقة و هذا الامر ادى الى احباط لدى حلفاءه في الخليج خشية من ان تفقد هذه الدول مكانتها في المعادلة الاقليمية ومن جانب اخر كان هذا الهاجس ايضا سببه سياسة ايران الحديثة في المفاوضات ومطابته حيث اكد النظام الايراني انه لا يتم التوافق النووي او التقارب الا من خلال موشرات اساسية تشمل تساوي منافع الجانبين، قبول اي جهة الطرف الاخر، رفع العدائية الاحادية من قبل امريكا، اعطاء ايران دور اساسي في الاقليم، الازمة النووية و التطبيع الكامل وإطلاق اليد في الإقليم بما لا يضر المصالح الغربية لايران، أي تقسيم المنافع بين ايران والغرب مقابل تقديم بعض التنازلات وهي تكلفة يبدو أن الإدارة الأميركية الحالية جاهزة لدفع ثمنها.

في الواقع ما تطلبه ايران ومايسعى إليه روحاني من خلال المفاوضات مع الغرب بشأن الملف النووي و من خلال ترطيب العلاقات الايرانية الغربية هو قبول ايران كلاعب اساسي في المنطقة اولا و رفع الحصار الاقتصادي المميت الذي اصبح يزعزع النظام الايراني الحاكم. و تحظي هذه السياسة بدعم الولي الفقيه والدليل على ذلك انه حثّ آية الله خامنئي، قادة الحرس الثوري والجهات الاصولية الاخرى على فهم العملية، محذرا في الوقت ذاته من عدم التدخل في الأمورالسياسية.

في الطرف الاخر اخذت الولايات المتحدة مصلحتها وأمنها اولوية لا يمكن المفاوضة عليها مقابل اي طرف او جهة اخرى واهتمامها بالملف النووي الايراني والمفاوضات النؤوية ايضا، تترجم بسلامة امنها ومصلحتها في الاقليم وخاصة في الخليج العربي ولم تكترث بالائتلافات والتعهدات السياسية الا من خلال مصالحها وامنها القومي كما انحسرت في الموضوع السوري إلى مهمة تدمير الأسلحة الكيماوي السورية متجاهلة استعمال الكيمياوي وقتل عشرات الالاف من الناس.

علي اثر هذا تطرح تساؤلات حول مستقبل دول الخليج في ظل التقارب الثنائي الامريكي الايراني وماهية اثرات عدم التأهب للغفلة الذي تاخذ الإقليم في دوامة تربح فيها ايران اذا ما انتهى التقارب الثنائي الي التوافق رغم الاختلاف. وهل التقارب سيضمن مصالح الخليج او انها ستكون في خدمة مصالح الادارة الاميركية الايرانية بالمنطقة؟

تقول حقائق الجئوبولتيكية إن الجوار الجغرافي مع إيران حقيقة تقتضي تعظيم عناصر القوة الذاتية لدول الخليج في مواجهة ابتزاز إيراني الدائم أولا والاعتماد على سياسات موحدة ضمن مجلس التعاون الخليجي والعمل المشترك لمواجهة المد الايراني في الدول العربية ولاسيما في دول الخليج والحفاظ على مكانتهم في التوازنات الاقليمية والتفاوض مع الولايات المتحدة من اجل احترام المسؤولين الاميركيين مكانة دول الخليج والاعتراف بهم كجهة في المفاوضات النووية الايرانية وتكريس شروط من قبل امريكا علي ايران بنبذ لغة التهديد و التدخل الايراني في الدول العربية والغاء جميع الادعاءات الايرانيه بالجزرالاماراتية. لابد ان تاخذ دول الخليج بعين الاعتبار استمرار المفاوضات و اللقاءات الامريكية الايرانية وبجدية حيث تعكس مثل هذه اللقاءات الوصول الى تفاهم حول تحالف جديد لان لم يكن لقاء كيري مع ظريف من باب الصدفة و على خلفية الجدل الحاصل حول اسلحة بشار الاسد الكيماوية وتحت مظلة امريكية روسية، بينما التفاهم قدحصل قبل نجاح روحاني وقبل ازمة الكيماوي السوري بل توحي مؤشرات التفاهم عندما ساهمت ايران الولايات المتحدة، بالهجوم على افغانستان والعراق من قبل الولايات المتحدة.اضافة الى ان اللقاءات الرسمية العلنية بين وزراء خارجية الدولتين اعطت رسالة صريحة للعرب بان التقارب سوف يعطي نتيجة قوية، المنتفع منها اولا امريكا نفسها بتحديد النشاط النووي الايراني وهو ما تطلبه امريكا من اجل مصلحتها ثانيا قد تخرج ايران من عزلتها ومعترف بها كقوة اقليمية اضافة الي نجاحها بانتاج نشاطها النووي مما يجعلها الرابح الاكبر في الاقليم.

بعد هذا الواقع الذي بدأت تظهر ملامحه في المنطقة، لابد ان تعرف دول الخليج، ان الغرب لن يخوض هجوم عسكري في صالحه ضد ايران كما اقتنع الغرب منذ فترة ولاسيما بعد ما دعمت روسيا سياسة ايران في سورية ولازالت تساندتها انه لا يستطيع التحكم بالمنطقة من خلال وضع ثقله الكامل خلف حليف اقليمي واحد بينما مصالحهم القومية و علاقاتهم تترجم في مصادراو حلفاء متنوعة للهيمنة علي المنطقة على اقل التقدير. امريكا بالذات لا تريد ان تكون هيمنتها معتمدة على دول الخليج حيث مازالت تعاني من دورهم في افغانستان والعراق وهذه الامور على ما يبدو تحرك خطوط السياسة الامريكية الحذرة تجاه المنطقة.لا تزال الولايات المتحدة تعتقد ضمنيا ان البيئة العربية بالذات قادرة على مواجهة الغرب حسب نظرية هانتغتون ولاسيما السعودية. فليس من المفروض الغرب يضع ثقله خلف جهة واحدة تاركا طرف الاخرحليفا لروسيا. من هنا تبدأ حالة الترقب لدول الخليج والتي فشلت بالوصول الى مبتغاها وهواقصاء ايران عن الساحة العربية وتدخلاتها تمهيدا لبسط نفوذها في المناطق الساخنة من العالم العربي.

هنا يطرح سؤال يتعلق بموقف الخليج من هذا التقارب الذي تراقبه القيادات و ماهي تداعياته على الخليج. اذا كانت دول الخليج تاخذ بعين الاعتبار ان اي محاولة لحلحلة المشاريع النووية الايرانية ينعكس ايجابيا على تحقيق السلم في المنطقة وخاصة لقرب المنشآت الايرانية من المنطقة لكن هناك على الخليج ايضا ان لاينسى سياسات ايران التوسعية فانها لم تتوقف حسب المعاهدات الدولية فحسب بل تبقي على سياساتها التوسعية وتداخلاتها في العالم العربي وهذا سياسة اكثر خطورة من القنبلة

النؤوية. فعلى دول الخليج ان تعيد النظر بسياستها القائمة في المنطقة وهذا ما قد يجعل تغيير استراتيجية العرب اولوية محتومة ثم على الدول الخليج الكف عن منافسة ببعضهم و اتخاذ سياسة اكثر صرامة في مواجهة التقارب الثنائي الجديد و الالتفاف حول بعضهم البعض للوقوف محذرة من أي تقارب اميركي ايراني. كما توجد هناك فرصة وبامكان دول الخليج اغتنامها فيما تتعلق بازمة الشعوب في ايران مثلما لعبت ايران بالمقابل ولابد ان تتحكم بمسارها والا عليها ان تتقبل التوافق الامريكي الايراني.

فطالما ظلت دول الخليج تمارس سياسة الضعيف، متخفية في دور المراقب لن تستطيع ان تثبت وجودها اقليميا، وتقبل ان التوافق الثنائي الامريكي الايراني اذا لم يحصل اليوم فقد يحصل فبالمستقبل قد يحصل. بهذا المعنى التحول في الموقف الاميركي تجاه ايران ناتج عن قبول ايران شريك اساسي في تكوين توازن المنطقة وحليف لامريكا رغم الاختلاف فبالتالي الانكفاء الاميركي عن الهيمنة الاحادية هي ضمن استراتيجية أمريكا فتاتي اكيدا باتفاقيات جديدة مع النظام الايراني لمواجهة روسيا وطبعا يتم ذلك بالاعتراف بها قوة اقليمية ودليل هذا التقارب انه اشار الرئيس الاميركي في تصريحاته ان بلاده لاتنوي الاطاحة بالنظام الايراني و هذا دليل على وجوب اتفاق بين الطرفين فالخاسر في هذه اللعبة دول الخليج وشعبها.

خبير في العلاقات الدولية - المفاوضات النووية الايرانية