أكراد سوريا الذين يربو تعدادهم على ال3 ملايين نسمة (أي ما نسبته أكثر من 13% من مجموع سكان سوريا)، ليسوا على قلب رجلٍ واحد. هم، لا يعتبرون أنفسهم أبناء quot;ثورةquot; سورية واحدة، ولا يقفون كشعب واحد، على مسافة واحدة من الصراع الدائر في سوريا منذ ما يقارب ال3 سنوات، فموقفهم من quot;الثورةquot; وquot;الثوارquot; وعكوسهما قد يختلف بإختلاف الحزب أو الآيديولوجيا أو المرجعية السياسية لكلّ طرف. هم، بالنتيجة، منقسمون فيما بينهم حول راهن كردستانهم ومستقبلها في سوريا، إلى فريقين أساسيّين: فريق بمرجعية أوجلانية يقوده quot;حزب الإتحاد الديمقراطيquot; (PYD)، ممثلاً بquot;مجلس غرب كردستانquot; (EGRK) وذراعه العسكرية quot;قوات حماية الشعبquot; (YPG)، وأخر بمرجعية بارزانية تقوده أحزاب quot;الإتحاد السياسيquot; إلى جانب 12 حزباً كردياً، ممثلين ب quot;المجلس الوطني الكرديquot; (ENKS).

خروج quot;أكراد بارزانيquot; كثاني أهم طرف كردي سوري، من سرب quot;أكراد أوجلانquot;، لأسباب تتعلّق في بعضها بquot;تفرّدquot; الإتحاد الديمقراطي بالقرار الكردي السوري، على حدّ قول الطرف الأول، وانضمامهم مؤخراً إلى quot;الإئتلاف الوطني السوريquot;، ساهم في خلق المزيد من الإنقسامات في الصف الكردي، الأمر الذي فتح باب الصراع الكردي الكردي مفتوحاً على كلّ الإحتمالات.
زيارة رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني التاريخية الأخيرة إلى دياربكر وما سبقتها ولحقتها من تصريحات وتصريحات مضادة بين أكراد المرجعيتين quot;البارزانيةquot; وquot;الأوجلانيةquot;، ودخول الطرفين في حروب إعلامية مفتوحة، ولجوء كلّ طرف إلى quot;تخوينquot; الآخر واتهامه بquot;الخروج عن خط الكردياتيquot; وquot;مبادئquot; الحق الكردي في تقرير مصيره، وquot;الإنجرار إلى فخ المحاور الإقليميةquot;، كلّ ذلك وضع quot;وحدة الصف الكرديquot;، وفي مقدمتها مشروع quot;المؤتمر القومي الكرديquot;، الذي أُجّل عقده لثلاث مرات حتى الآن، على المحك.
الشارع الكردي في أجزاء كردستان الأربعة، انقسم بالنتيجة، إلى نصفين متصارعين: quot;نصف بارزانيquot; وquot;نصف أوجلانيquot;.
لكنّ quot;شعرة معاويةquot; بين الطرفين أو quot;الضديّن الكردييّنquot;، على ما يبدو، لم تنقطع بعد. هذا ما تقوله هولير وضيوفها ولقاءاتها هذه الأيام.
كلتا المرجعيَتين، quot;البارزانيةquot; في هولير وquot;الأوجلانيةquot; في قنديل، اتفقتا، حسب ما بدا من تصريحات وبيانات الطرفين، قبل أيام، على ضرورة ذهاب الكرد السوريين، بمجلسيه quot;الوطني الكرديquot; وquot;غرب كردستانquot; إلى quot;هولير 2quot;، تحت رعاية بارزاني، تمهيداً لتوحيد الخطاب الكردي في quot;جنيف 2quot; المزمع عقده في ال22 من يناير كانون الثاني المقبل.
رسمياً لا يوجد حتى الآن، أي تأكيد من جهة أي طرف من الأطراف الدولية والإقليمية المعنية بالتحضير لquot;جنيف 2quot;، وعلى رأسها روسيا وأميركا، على إمكانية حضور الكرد ضمن وفد واحد ومستقل في المفاوضات.
المؤكد عليه، حتى الآن، كما تقول تصريحات المعنيين بالأمر، هو أنّ الأكراد سيحضرون quot;جنيف 2quot;، بحكم انقسامهم بين معارضتين مختلفتين في ما بينهما بكلّ شيء، في وفدين منفصلين: أكراد مع quot;الإتئلافquot; (المجلس الوطني الكردي) وأكراد مع quot;هيئة التنسيقquot; (مجلس غرب كردستان).
روسيا واميركا لَيستا متفقَتين، في ما يخص حضور الكرد في quot;جنيف 2quot;. ففي الوقت الذي ترفض فيه أميركا إدراج quot;الملف الكرديquot; على جدول أعمال quot;جنيف2quot; وتصرّ على اعتبار الكرد جزءاً من المعارضة السورية، وتحاول اختزال حضورهم، بالتالي، ضمن وفد quot;المعارضة السوريةquot;، على اعتبار أنّ الكرد ممثلون، من وجهة نظرها، بquot;المجلس الوطني الكرديquot; في quot;الإئتلافquot;، تشجّع روسيا على حضور الكرد في quot;وفد مستقلquot; ضمن quot;الهيئة الكردية العلياquot;، لتمثيل الشعب الكردي وقضيته في سوريا.
لاشكّ، كردياً، تشعر جميع الأطراف، على اختلاف جهاتها وآيديولوجياتها ومرجعياتها، بأنّ هناك حاجة ماسة لتوحيد الصف والخطاب الكرديّين، لأكثر من سبب، لعل أبرزها:
1. تخلف quot;الإئتلافquot; الذي انضم إليه quot;المجلس الوطني الكرديquot; مؤخراً، عن المطالب الكردية وتأجيله للقضية الكردية كquot;قضية دستوريةquot; إلى ما بعد سقوط النظام، ما يعني تأجيلها إلى أجل غير مسمى.
2. رفض الإئتلاف، على لسان أكثر من مسؤول فيه، البت في الحديث عن quot;القضية الكرديةquot;، أو إدراجها في أعمال quot;جنيف2quot;، بإعتبار أنّ الأولوية هي لإسقاط النظام أولاً وآخراً، وأن أيّ طرح للقضية الكردية في المؤتمر، تحت أي غطاءٍ كان، سquot;يربك الأوراقquot; وسوف quot;يصبّ في صالح نظام بشار الأسدquot;، على حد قول أهل اللجنة القانونية في الإئتلاف.
3. كسب quot;الإتحاد الديمقراطيquot; المعركة على الأرض، عسكرياً، بإعتباره القوة الأكثر قدرةً على حماية الشعب، حتى الآن، لا يعني كسبه المعركة سياسياً. والنجاح الأخير، في ميدان السياسة، لن يتمّ بدون إشراك جميع القوى والتيارات الكردية، على اختلاف توجهاتها وآيديولوجياتها في العملية السياسية، بإعتبارها شريكة حقيقية معها في الحكم والإدارة، لها ما لها وعليها ما عليها.
4. تذمّر الشارع الكردي من تشتت الأحزاب الكردية وفشلها حتى الآن في الإتفاق على quot;خارطة طريق كردية واحدةquot; ترسم مستقبل الكرد في سوريا، كثاني أكبر جماعة عرقية في البلاد.
لهذه الأسباب مجتمعةً وأخرى تتعلق بتشتت القرار السياسي في إقليم كردستان العراق تجاه الأزمة السورية، وفشل الأخير بحكم التجاذبات السياسية والإصطفافات الطائفية والمذهبية في المنطقة، في إدارة quot;الملف الكردي السوريquot;، جاء quot;هولير2quot; لإسعاف quot;الهيئة الكردية العلياquot; المنبثقة من quot;هولير 1quot;.
لقاء quot;هولير2quot; هو في الإساس محاولة لquot;ترميمquot; quot;هولير1quot; (11.07.2012)، الإتفاقية التي وقع عليها الكرد السوريون برعاية بارزاني، وفشلت في quot;تقسيمquot; الكعكة الكردية السورية مناصفةً بين المجلسين الكرديين، quot;غرب كردستانquot; وquot;الوطني الكرديquot;.
لكنّ السؤال، ههنا، هو: هل بات من الممكن بالفعل، إسعاف quot;الهيئة الكردية العلياquot;، وإنقاذ quot;هولير 1quot; في quot;هولير 2quot;؟
ترميم quot;هولير 1quot; يعني، عملياً، تطبيق نموذج إقليم كردستان العراق، وإعادة إنتاج quot;الإتفاق الإستراتيجيquot; ما بين حزب بارزاني وحزب طالباني، وهو الأمر الذي يرفضه quot;العمال الكردستانيquot; ورديفه السوري quot;الإتحاد الديمقراطيquot; جملةً وتفصيلاً.
بارزاني يريد لquot;كردستان سورياquot; أن تكون نسخة طبق الأصل عن كردستان العراق، فيما quot;العمال الكردستانيquot; يريد لها أن تكون نموذجاً خاصاً به، مسجلاّ مختوماً بإسمه، في كلّ شيء، سياسةً واقتصاداً وثقافةً واجتماعاً.
quot;النموذج الأوجلانيquot; لكردستان، لا يختلف عن quot;النموذج البارزانيquot; في الآيديولوجيا والفكر، تأسيساً وتكويناً فحسب، وإنما يختلف عنه ومعه حتى في ثوابت كردية أساسية مثل quot;العلمquot; وquot;النشيدquot; القوميين، هذا ناهيك عن اختلافهما على مفهوم الوطن الكردي quot;كردستانquot;، زماناً ومكاناً.
نحن، إذن، أمام نموذجين كردييّن لكردستانَين متوازيين، يصعب التقاءهما.
أياً تكن العوامل، داخلية كردستانية، أو إقليمية، أو دولية، التي دفعت بالطرفين المعنيين quot;الديمقراطي الكردستانيquot; بزعامة مسعود بارزاني وquot;العمال الكردستانيquot; بزعامة عبدالله أوجلان، للوصول إلى اتفاق كردي كردي يجمع بين الأفرقاء الكرد السوريين، فإنّ ذلك لن يغيّر من جوهر الإتفاق شيئاً، بإعتباره اتفاقاً بين بارزاني وأوجلان، أكثر من كونه اتفاقاً بين الأكراد السوريين أنفسهم. ما يعني أنّ الأكراد السوريين، لا يشكلون في العملية السياسية الجارية في المنطقة، أكثر من كونهم quot;أدواتquot; لتنفيذ أجندات لها علاقة مباشرة بكردستان العراق وكردستان تركيا، أكثر من علاقتها بكردستان سوريا.
كلا الطرفين الكردييّن الكبيرين يحاولان اللعب في الملعب السوري بالورقة الكردية السورية، لتثبيت وجوده على الأرض كquot;جوكر كرديquot; في اللعبة الإقليمية.
مشاركة الأكراد في quot;جنيف 2quot; منقسمين بين معارضتين، سيعني بكلّ تأكيد فشلهم (فشل الكلّ، quot;أكراد بارزانيquot; وquot;أكراد أوجلانquot; على السواء) في تقديم أنفسهم كطرف أساسي في المفاوضات، وشلّ قدرتهم، بالتالي، على المناورة.
لهذا كان لا بدّ لquot;هولير 2quot;، كردياً، أن يكون، ربما لإنقاذ الأكراد في quot;جنيف 2quot; قبل إسعافه لهم في quot;هولير 1quot;.
قد ينجح الطرفان في quot;رسم خارطة طريقquot; كردية على الورق من هولير إلى هولير، وربما يُعبّد quot;هولير 2quot; الطريق للأكراد إلى quot;جينف 2quot;، لكنّ السؤال الأهم، ههنا، هو:
هل سيعبّد quot;هولير 2quot; الطريق لهم إلى quot;هولير 1quot;.. وكيف؟