الشعورالايراني بالنصرفي جولة مفاوضاتها مع القوى الدولية، رغم الفشل الذي أحرزته طهران في المحادثات حول برنامجها النووي ليس عادياً. ابرمت طهران مع القوى الدولية، اتفاقية تنازلت فيها عن جميع نشاطها النؤوي المكشوف عنه وسمحت لمفتشي الوكالة الدولية لطاقة النؤوية بزيارة الامكنة المشكوكة دون تعيين زمن محدد. وتنازلت عن جميع الخطوط الحمراء بعد اول صفارة انذار كانت تهدد كيانها وعززت هذه التنازلات، مخاوف دول المنطقة وخاصة الخليج العربي مما هو آت وما يمكن أن يحصل أخطر من الصفقة النووية الايرانية.

حصلت طهران على تأكيدات من القوى الكبرى، في تواصل مشروعها التوسعي الى نهايته و اعفاءها من تبعات سياستها وتدخلتها في الشرق الاوسط ونالت ايران بموجب هذا الاتفاق على المكسب الأول والأهمّ وهو أن الغرب أصبح معترفاً بالنظام وتوقفت quot;العقوبات الاقتصاديةquot; المفروضة على طهران، وتجاوزت الجمهورية الاسلامية عما كان المجتمع الدولي يصفها به، وهو رعاية الارهاب. وأثبتت للعالم، أنه ليس لديها خطوط حمراء في سياساتها والتخصيب النؤوي، هو أيضاً قابل للمساومة، إذا كان المقابل هو إعطاء النظام جرعة جديدة تنعشه وتطيل من عمره. وجاءت العنتريات الايرانية على لسان مسؤليها، محمّلةً بالمكاسب في اتفاقية جنيف الايرانية، رغم الثمن الذي دفعته الشعوب في جغرافية ايران طيل العقود الماضية.
يُعتقد ان إيران ستمتلك موقع نفوذ في المنطقة، اذاما نجحت في رفع المسائل العالقة بينها والنظام الدولي في الستة اشهر الاولي من اتفاقية جنيف وثانياً، ستُعزز موقعها السياسي والاقتصادي والاقليمي من خلال تطبيق الاتفاقية في فترة الست اشهر الاخرى. لكن يتوقع ان تبرز اشكالية في المستقبل القريب، في سياسية ايران الحديثة حيث لن يكونا سهلين على نظام الجمهورية الاسلامية، اولا ابرام وتطبيق اتفاقية لتجميدعملية تخصيبها للوقود النؤوي وثانياً الكف عن الحرب في سوريا، حيث تعد هذين الامرين، بمثابة عمق استراتيجي لطهران في آن واحد. فالامر الاول قدبداء ويتطلب عام واكثر من عام لتطبيقه أما الامرالثاني، يمثل الاشكالية الاساسية في سياسة ايران حيث اذا وافقت ايران بالكف عن تدخلاتها في سوريا عندئذ لم تبقى اوراقاً للمفاوضة في خانتها.
تمثل ايران الطرف الاساسي في جنيف سوريا المزمع عقدة في ديسمبر 2013، حيث انها تقدم دعماً متعدداً وعلناً لنظام الاسد. وهناك يقاتل الحرس الثوري الى جانب قوات نظام الاسد ومعه 16 تنظيم كما جاءعلى لسان القيادة العامة الجيش العربي السوري الحرالعقيد رياض الاسعد، كحزب الله، حزب التوحيد والقومي السوري وحزب البعث (عاصم قانصوه)، الحرس القومي العربي المصري، لواء أبو الفضل العباس العراقي، لواء ذو الفقار العراقي، جيش الإمام المهدي العراقي، لواء عمار بن ياسر العراقي.لواء الحمد العراقي، مرتزقة من (أفغانستان وباكستان) ودول آسيا الوسطى، مرتزقة من روسيا وأوكرانيا،مرتزقة من الحوثيين (اليمن)،مرتزقة من الميليشيات الفلسطينية أحمد جبريل وغيرها،مرتزقة من نصيرية تركيا (معراج أورال،علي كيالي)، مرتزقة من تونس (شارك بتجنيدهم غسان بن جدو)، مرتزقة دروز من الجولان يحملون الجنسية إسرائيلية،طيارين وفنيين من كوريا والجزائر. و حمّل الاسعد طهران من مغبة تدخلها في سوريا وقال: quot; تأخذ بعض من هذه الميليشيات والتنظيمات اوامرها المباشرة من ايران ابرزها قوات حزب الله اللبناني ومليشيات لواء ابو الفضل العباس العراقية، وهؤلاء يشكلون القوة القابضة التي يقاتل النظام بها التشكيلات المسلحة للمعارضةquot;. والواقع المؤلم أنه وقع الشعب السوري ومشروعه لتغيير النظام في قبضة quot;مثلث الموتquot; وهو العمق الاستراتيجي الايراني ومنافع روسية وأمن اسرائيل.
نظراً الى هذ المثلث يتوضح للجميع انه الطرف الصعب في هذه المعادلة هي ايران. والقاعده الاساسية الايرانية هي عبارة عن quot;كل عطاء مقابله اخذquot;. واعطت ايران قوة دفع لعمليةquot; نزع السلاح الكيمياويquot; عن نظام الاسد كعربون لجلب رضاء اسرائيل والسماح لها باستئناف المفاوضات مع المجموعة الدولية. وتقدمت طهران دون شك الى مبتغاها حتى هذه اللحظة في نزع فتيل الهجوم على منشآتها النؤوية العسكرية وابرمت اتفاقية تبين فحواها لست اشهر. لكن تحتاج ايران الى اوراق مساومة ايضاً لتطبيق بنود الاتفاقية لصالحها في الستة اشهر الاخري.
للاجابة عن هذا المعادلة المعقدة و الصعبة، نتوجه الى ما قاله السيد بان كي مون حيث أعلن ما اتفق عليه الاميركيون والروس حول جنيف سوريا، أي أن التأخير في هذا الاتفاق لم يكن بسبب عقبات من النظام أو حتى من المعارضة، وإنما للحصول على اتفاق مع إيران. حيث قال غاتيلوف نائب وزير الخاريية الروسي، للصحفيين في جنيف إنه quot;لا نزال نعتقد بأن مشاركة إيران في المؤتمر أمر ضروري لأن لها علاقة بالأحداث الدائرة حول سورية، وبدون مشاركتها من الصعب تصور أن يستطيع المؤتمر اتخاذ قرارات ينفذها الجميع. وتدرك القوى الدولية ما يعنيه الحل السياسي وما ينطوي عليه من التزامات وشروط من قبل ايران. وتبدو هناك شكوك في نية ايران وعن مصداقيتها حول جنيف سورية المزمع عقدة وانه ماذا يدفع الغرب والعالم لايران مقابل الكف عن اقحامها في الحرب على الشعب السوري وخروج الميليشيات المتواجدة التابعة لها التي تشكل الركن الاساسي لنظام الاسد.
اذا نظرنا الى النصف الثاني من اتفاقية جنيف ايران، أو الست اشهر الاخرى من المعاهدة، يترأى للجميع انه ستتخذ طهران، الجنيف السوري ذريعة للضغط على المجتمع الدولي وتسعى ايران ان تحتفظ بمكانتها في سوريا لانها لازالت بحاجة الى تطبيق مفاد اتفاقية جنيف حول برنامجها النؤوي مع الغرب وتُعتبر سورية، ورقة ثمينة وصعبة لايران، وتستعملها في المساومة الكبرى في الست اشهر الاخري من اتفاقيتها مع مجموعة 5+1.
لذلك يبقى نجاح جنيف سوريا مرهون بتطبيق الاتفاقية النؤوية الايرانية التي تتطلب عام ونصف عام على الاقل. حيث يبدو ان ايران تنوي الاطناب في هذا الصراع مما يودي الى أمرين اساسيين اولهما تدفع سياسة ايران التوسعية بدعم نظام الاسد في مواجهة الثوار بالتنسيق مع ميليشيات مدعومة من ايران تقدم التسهيلات اللوجستية لتامين دخول متطوعين الى الاراضي السورية لاسناد نظام الاسد مع اقحامها في الحرب، لمنع سقوط الاسد وانهيار قواته، ويودي هذا الامر الى المزيد من التداعيات في المنطقة، ومايترتب على ذلك من نتائج كارثية في المستويات السياسية والامنية والانسانية في سورية، وهذا هو المتغيرالبارز. وأما المتغير الباطن تتنازل ايران كلياً عن نظام الاسد، اذاما كسبت الجمهورية الاسلامية اوراق طمأنة مسبقاً وموثقة، تسمح لها القوى العظمى، بتواصل عملية تخصيب النؤوي بنسبة منخفضة مع الاحتفاظ بمخزونها المخصب بنسبة 20 بالمئة، الذي يشكل تهديداً جدياً على أمن المنطقة. عندئذ يتبين انه نجاح جنيف سوريا مرهون بموافقة القوى الدولية على شروط طهران حول ملفها النؤوي.
وأخيراً اقول، ان المجموعة الدولية تعرف انه لاتوجد اوراق حالياً لاقناع ايران، بوقف تدخله في النزاع السوري، من اجل توفير فرصة ملائمة للحل السياسي الذي يتحدث الغربيون عنه، بينما يعتبر النظام الدولي، الحل السلمي، هو المخرج الوحيد الممكن للأزمة السورية. اذن كل هذه الصيحة ليس الا اكذوبة على الشعب السوري والعالم. وستبرز الخلافات بين ايران والقوى الدولية حول تطبيق بنود اتفاقية جنيف الايرانية منذ بدء اجلاس جنيف السوري وعند الضغط على ايران بضرورة اقناع الاسد بالتنحي.
كاتب سياسي