عودتنا إيلاف منذ نشأتها قبل نحو اثني عشر عاماً على تمردها على كل القيود التي قضينا أعمارنا الطويلة نسعى لكسرها. عودتنا إيلاف على مساحة غير تقليدية، في منطقتنا، من حرية التعبير. وللحق فقد كانت إيلاف رائدة في هذا الشأن وساهمت بشكل كبير في فتح أبواب الأمل أمام الكثيرين من المتمردين على تقاليد الكبت والقمع والانغلاق. تعتبر أقليات المنطقة، وعلى وجه الخصوص الأقلية المسيحية، من أهم المستفيدين من المنبر الإيلافي، حيث يطرح كتاب مسيحيون مشاكل وقضايا ذويهم بحرية شبه كاملة. وفي كثير من الأحيان كانت إيلاف هي المتنفس الذي عبّر من خلاله مسيحيو المنطقة عن آلامهم وأتراحهم. هذه المقدمة واجبة حتى يعي الكثيرون قدر الامتنان والتقدير والمحبة الذين يكنهم كل المتطلعين لقيم الحرية والديمقراطية ومباديء العدل والمساواة وكذلك كل المظلومين والمضطهدين والمحرومين من أبسط الحقوق والمهمشين والمستبعدين.
دافعت إيلاف على الدوام عن الإنسان وحقوقه بغض النظر عن دينه وعرقه وجنسه، ولكني أعتقد أن الصواب تخلى عنها حين نشرت مقال quot;إلى من يعبدون المسيحquot; المسيء للمسيحيين. القضية هنا ليست في موضوع المقال المستهلك وغير العلمي والذي تم الرد عليه في كتب ومقالات لا حصر لها. ويكفي القول أن كل البرديات المصرية الموجودة تنفي تماماً معظم النقاط التي طرحها المقال وعلى رأسها أن يكون حورس قد ولد من عذراء. وأغلب الظن أن المترجم الذي ورد اسمه في المقال قد ورط الكاتب الذي نسب له المقال.
القضية الحقيقية التي يثيرها المقال المشار إليه تتعلق بالطريقة المسيئة في طرح التشابهات المزعومة بين السيد المسيح والإله الفرعوني حورس. المقال لا يلتزم بأبسط قواعد الكتابة والموضوعية ولا يلتزم بالطرح اللائق لقضية مهمة ومعقدة وخلافية وشائكة. المقال كذلك جارح ومستفز في أسلوب كتابته لأنه لا يلتزم باللياقة المطلوبة في التناول. ولعل مخاطبة المسيحيين بعبارات مسيئة وخالية تماماً من الاحترام الواجب نحو القراء من عينة quot;مسيحكم هذا الذي تعبدونهquot; تؤكد على حجم الإهانة والاستخفاف بالمسيحيين وعقيدتهم التي يجلونها ويقدسونها. والمقال أيضاً يسعى للمقارنة بين المسيحية والإسلام في محاولة للوقيعة بين أتباع الديانتين حين يذكر quot;إذاً فتاريخ الكنيسة التي مورست فيها أعتى أنواع الدكتاتوريات كي تحكم بالقتل على جاليليو وكي تفرض هيمنتها بالبطش والقتل، لا يختلف بل ينسجم مع معتقداتكم عن المسيح الذي في أذهانكم.. وهو يختلف تماماً عن المسيح الصحيح الذي ذكره كتاب سماوي جدير بالاحترام والتقدير والتصديق!!quot;
ومن أسوأ المغالطات التي ذكرها المقال، والتي أعتقد أنها تسيء ليس فقط للقراء المسيحيين ولكن أيضاً لكل الكتاب المسيحيين الذين يساهمون في إيلاف، هي تلك التي تتعلق بتكالب المسيحيين على جعل إيلاف منطقة تبشيرية. لم يعرض المقال مثالاً واحداً على التبشير بالمسيحية عبر صفحات الموقع، أللهم إذا كانت هناك رغبة في منع الكتاب المسيحيين من الكتابة بشأن الاضطهادات التي يتعرض لها المسيحييون في بلادهم. على حد علمي، وأعتبر نفسي من المتابعين الجيدين لإيلاف، لا يوجد كاتب مسيحي واحد، تنشر له إيلاف، لديه ميول تبشيرية. وإذا كان الكتاب المسيحيون لم يقوموا بالتبشير فإنه من المؤكد أنهم لم يقوموا كذلك بمهاجمة الإسلام أو العقيدة الإسلامية. الكتاب ينتقدون فقط مظاهر التطرف والمغالاة في التدين اللذين أصبحا يشكلان عبئاً ثقيلاً على المجتمعات وبخاصة على الأقليات الدينية.
ولعل ذكر المقال أن المسيحيين، من غير الواضح إن كان المقصود هنا هو الكتاب منهم أم القراء، في حالة من quot;السعار الدائم للتصدي لأي مقالة حتى وإن كانت عن الخضراوات أو أزياء النساء أو مقالة طبية، تلوون ذراعها لممارسة تهريجكم الذي نفّر الناس من المسيحية التي تعتنقونهاquot; يؤكد على الغياب الكامل للصدق والمصداقية عن المقال. مرة أخرى لم يعط المقال أمثلة. ولكن من المؤكد أن لا كتاب المقالات المسيحيين ولا كتاب التعليقات المسيحيين يفعلون ما يزعمه المقال. وعلى من يريد برهاناً على تأكيدي هذا قراءة التعليقات التي تنشرها إيلاف حتى يعرف إن الغالبية العظمى منهم غير مسيحية. وليطلع، من يريد التأكد، على المقالات والتعليقات ليرى كم التجريح والإساءة والإهانة التي توجه للمسيحية وعقيدتها ورموزها من قبل المعلقين.
في النهاية هذه السطور ليست للرد على المقال المشار إليه، ولذا لن ألجأ للتعقيب على كل المغالطات التي ذكرها بحق العقيدة المسيحية التي أعتبرها أقوى بكثير من أن تهتز لمقال، فالعقيدة التي تهزها الحروف لا تصلح للإيمان بها. هذه السطور هي فقط للإعراب عن استاء شخصي. هذا الاستياء ليس من الادعاء بأن المسيحية منسوخة من خرافات وأساطير. هذا الاستياء سببه الإهانات الواردة بالمقال والتي تم توجيهها لكل محبي إيلاف من المسيحيين، القراء والكتاب على السواء. فحين يذكر مقال جملة كـ quot;أنتم لا شغل لكم إلا هذه الترهات والسخافات والتفاهات التي لا تليق إلا بأشباهكمquot; فالأمر هنا مهين ولا يعد رأياً على الإطلاق. وإذا كنت أشرت في بداية المقال إلى دور إيلاف الرائع كمنبر للرأي ومنارة للحرية، فإنني مازلت أحيي دور إيلاف هذا حتى وإن اختلفت معها بشأن المقال المشار إليه.
حرية التعبير يجب أن تبقى مصونة وأن تحترم ولكن من دون الإساءة لأناس وبخاصة لو كانوا مسالمين كالمسيحيين. ولعلي أنتهز الفرصة لأدعو كل مسيحي أساء له المقال لإظهار المحبة لكاتبه وللقائمين على إيلاف حتى يعرف الجميع حقيقة مسيحنا وطبيعة عقيدتنا. كل المحبة للجميع.
التعليقات