بحزن شديد وألم كبير تحولت الأنبار العراقية الى كتلة نار مشتعلة خلال فترة أيام قصيرة، والواقع المتفجر في هذه المحافظة حمل مأساة كبيرة لمواطنيها، ولولا المبادرة الحكيمة من عشائرها لذهبت مدينة الرمادي ادراج الرياح وتحولت الى حمام دم بين مطرقة الارهاب وسندان المالكي، وهذه المبادرة المسؤولة أظهرت الفشل الذريع لسياسة رئيس الحكومة نوري المالكي و وخطط قواته العسكرية التي تسببت في اندلاع أزمة خطيرة كادت ان تلهب المنطقة بنار حامية وكادت ان تغرق العراقيين في جحيم دائم.
والحمد لله فان العقلاء والحكماء من أهل الانبار النجباء تمكنوا من اخماد نار الفتنة وانقاذ المحافظة والمنطقة من الوقوع في الهاوية، والشكر والثناء لكل من شارك بمسؤولية في اسقاط هذا المخطط الذي كان يهدف الى احراق الانبار بأهلها وشعبها في نار فتنة كبيرة، وهذا العمل النجيب أثبت ان الوقفة الوطنية الشعبية التي تقاد من قبل شخصيات حكيمة ومن وجهاء عشائر، مبادرة ناجحة وفعالة جدا بالمقارنة مع المبادرات السياسية التي تصنعها وتديرها مجموعات وشخصيات انتهازية لاغراض المنفعة الخاصة، لانها تميزت بموقف حاسم وحازم للسيطرة على الأمور التي كادت ان تفلت من التحكم وساهمت في تهدئة الاوضاع للبحث عن حل صائب للخروج من الأزمة.
ولابد من الاستنتاج ان الحالة التي شهدتها الأنبار لم تأتي من فراغ، فمن خلال الأحداث التي رافقت تفجر الأزمة بقصد اشتعال نار القتنة، ان رئيس الوزراء تصرف بروحية بعيدة كل البعد عن المسؤولية الملقاة على رجل الدولة وهو بعيد عن هذا العنوان، وتعامل مع المعتصمين في الرمادي كأنهم اعداء وارهابيين بدون اي حساب لمواطنتهم وبدون اعتبار لأي بعد سياسي او استراتيجي او اخلاقي، وكأن العراقيين من أهالي الانبار المشاركين في الاعتصام مصدر الارهاب ومركز اعداد المفخخات والعمليات الانتحارية في بغداد التي تتعرض باستمرار ومنذ سقوط النظام السابق الى اعمال ارهابية، وهذا ما جعل من المعتصمين والمدنيين المتظاهرين وأهالي الرمادي ان يقعوا بين مطرقة المالكي وقواته المسلحة وسندان التنظيمات الارهابية والمجموعات المسلحة، ودون ارادة منهم.
وهذا ما دفع بالمالكي الى ارتكاب فعل غير دستوري من خلال تهديد المعتصمين لازالة خيمهم وتجمعاتهم بالعمل العسكري وضربهم بالجيش، والكل يعرف ان اعتصامات اخواننا السنة في الأنبارهي بالأساس قضية سياسية مرتبطة بعملية ادارة السلطة التنفيذية التي يرأسها المالكي، وكانت لهم مطالب مشروعة وغير مشروعة حسب تعبير الحكومة، ولكن بسبب عدم تلبية تلك المطالب بجدية طالت أمد الأزمة الى فترة طويلة قاربت السنة، ولعدم قانونية ودستورية البعض منها وتدخل الارهاب والمجموعات المسلحة في بعض جوانبها، تولدت تداعيات سلبية كبيرة، والسيد المالكي وحاشيته تعمدوا بقصد تجاهل المطالب، فلم تتجه الحكومة بجدية الى معالجة الازمة والتعامل مع تداعياتها بحكمة، وبدلا من ذلك تحجج رئيس الوزراء بأمر قضائي عن النائب أحمد العلواني الرجل البارز من قيادات المعتصمين الانباريين، ولجأ المالكي الى استخدام القوة من خلال اقحام الجيش في مسألة قضائية مرتبط تنفيذها بالشرطة اساسا، وبادر ايضا الى اقحام القوات المسلحة في مسألة سياسية داخلية لا يسمح لها بالتدخل فيها حسب بنود الدستور الدائم.
لهذا وفي يومها ومن خلال موقعنا في شبكة التواصل الاجتماعي استنكرنا بشدة استخدام القوات المسلحة من قبل المالكي في حسم قضية قضائية وفي مجابهة اعتصامات الشعب الأنباري وتعريض حياة النائب البرلماني احمد العلواني الى الخطر والاعتداء عليه، وكما تبين بعد ذلك ونتيجة للتدخل غير المسؤول للمالكي وقواته في الرمادي كادت ان تشتعل نار فتنة كبرى، وشهدت المحافظة تعقيدات أكثر للأزمة المفتعلة، وأخذت تتخذ ابعادا طائفية خطيرة تهدد وجود العراق.
وهنا لابد من الاشارة الى ان بعض التقارير لا تستبعد ان المالكي قصد من وراء الازمة تأزيم الوضع بتعمد لاعلان حالة الطواريء للتمديد لولاية ثالثة، وتأكيداته المستمرة في الاعلام بحق الدخول للقوات الى الرمادي كالبصرة تلمح الى ذلك، ولكن عدم قدرته في السيطرة على مجريات الاحداث جعلت من الأزمة ان تتفجر بشدة عالية بوجه المالكي فوجد نفسه امام حرج كبير فاهتز عرش الحكم وشاشة فضائيته العراقية.
وبالرغم من الاراء المتضاربة حول الأزمة المفتعلة من قبل رئيس الحكومة وحاشيته، ولكن لابد من الاعتراف ان السبب الرئيسي للأزمة في مجملها يعود الى الالغاء المتعمد من قبل المالكي للدعم والعون الذي كان مقدما من قبل القوات الامريكية لمنظومة الصحوات التي اسستها العشائر الرمادية لمجابهة الارهاب والقاعدة في المنطقة، وقد تعمد المالكي بهذا الالغاء ترك الشعب الانباري لوحده امام القوى الارهابية المدعومة من قبل جهات اقليمية، وفوق هذا ترك المعتصمون لوحدهم أكثر من سنة دون حل جدي من قبل الحكومة ولو للبعض منها.
ولابد من التذكير ان المالكي الذي اراد استغلال الأزمة لشحن الشارع الشيعي الى جانبه لاغراض ولاهداف انتخابية، من خلال اعلان الحرب على القيادات السنية الجديدة من امثال العلواني، قد تمكن بدهاء من اخراج اياد علاوي من العملية السياسية ومطاردة كل من الهاشمي والعيساوي وغيرهم، ومن اغراء النجيفي والمطلك ووزرائهما بالامتيازات للدخول في الحكومة.
والان الحمدلله وبتدخل من العقلاء واهل الحكمة والمسؤولية الوطنية في الانبار انقذ الموقف وتم الخروج من نفق مظلم كاد ان يتحول الى نار فتنة كبرى، ولكن مازالت الامور غير مستقرة وبحاجة الى خارطة طريق لضمان السلام والامان لأهالي المحافظة والمنطقة الغربية بصورة عامة.
وبعيدا عن عن النظرة الأمنية للأزمة واستنادا الى الرؤية الواقعية المبنية على اسس من الموضوعية لقراءة الازمة بجميع ابعادها لا نجد الا الحل التالي لاخراج الأنبار أزمتها لارساء السلام والأمان فيها:
1. ابعاد الجيش بكل قوة من الأزمة لانه مع الاطراف المسلحة يعرضان حياة الاهالي والمدنيين الى خطر كبير في المدن.
2. اعادة تشكيلات الصحوة ودعمها بكل الامكانيات والتجهيزات وتأسيس تشكيلات منظمة تنظيميا وعسكريا من عشائر الرمادي لمجابهة القوى التكفيرية والمجموعات المسلحة للقاعدة والتجمعات الارهابية لداعش في المنطقة والقضاء عليها.
3. توقف المالكي والجهات المرتبطة به عن شحن الشارع الشيعي ومنح الازمة المفتعلة ابعادا طائفية.
4. التوقف عن استغلال الازمة لغايات واغراض واهداف انتخابية من قبل المالكي الذي طال حكمه ثمان سنوات ولم يتمكن ان يكون الرجل المطلوب للقيادة من اجل البناء والنهوض بالعراق المهيء للانهيار بسبب الفساد الرهيب الذي يعاني منه.
5. اقرار جميع الاطراف السياسية والكتل والقوائم النيابية بعدم خرق الدستور ومنع اقحام الجيش والقوات المسلحة في الشؤون السياسية وفي معالجة القضايا الداخلية.
في الختام مازال باب الامل مفتوحا لايجاد حل سليم يرضي جميع الاطراف المعنية، وما التوفيق الا بالله العزيز الكريم.
اربيل ndash; كردستان العراق
[email protected]
التعليقات