كنت أظن دائما أن الهندوس يعبدون البقرة، ولكنى تأكدت قبل فترة انهم لا يعبدونها بل يحبونها ويحترمونها ويعتبرونها رمزا لكل المخلوقات. فهي تعطى الكثير وتكتفى بالقليل. تأكل الحشائش وتشرب الماء العكر لكن منتجاتها لا تكاد تخلوا منها موائد الطعام فى الافطار والغداء والعشاء، وحتى فضلاتها تستعمل فى تسميد المحاصيل الزراعية. وباختصار فان البقرة تعتبر مهمة للحياة وديمومتها لكثير من البشر.
البقرة مثل بقية المخلوقات ndash;فيما عدا الانسان- لا تعرف الطموح ولا التطور ولا تستطيع تحسين أحوالها، ولا بناء بيوت لها باستثناء الطيور التى تبنى أعشاشها بنفسها، والنحل الذى يبنى خلاياه، والنمل الذى يبنى بيوته ويبنى الأنفاق. ومع أن القرود تعتبر أقرب الحيوانات ذكاء للانسان فلم يحصل أن قردا بنى بيتا لنفسه. بقيت كل المخلوقات عدا الانسان كما كانت عليه منذ أن وُجدت على الأرض قبل ملايين السنين، وبعضها أصبح يعتمد اعتمادا كليا على الانسان.
الانسان فضّله الخالق العظيم على سائر المخلوقات، وأثبتت الأبحاث العلمية أن مظهره فى البداية كان لا يختلف كثيرا عن القرود، ولكن بسبب اختلاف تكوينه العقلي فقد طور نفسه وسخّر معظم الحيوانات لخدمته ومنها الفيل الذى يزن 6.5 أطنان، أي حوالى وزن 100 رجل او 200 طفل بعمر حوالى اثني عشر سنة (كثيرا ما نشاهد الأطفال فى التلفزيون يمتطون الفيلة ويوجهونها حيث يشاؤون!). كما سخر الطبيعة لخدمته فاستخدم الأنهار والبحار للنقل والسفر، واستخدم الهواء وأشعة الشمس ومساقط الماء لتوليد الطاقة الكهربائية، وغير ذلك من الأمور التى ساعدت البشر على تطوير حياته الى الأحسن على مر العصور.
ولكن طائفة من الناس أصرت على ان لا يطوروا أنفسهم بل يقلدوا من عاشوا قبل أربعة عشر قرنا، وأطلقت عليهم اسم (السلف الصالح)، وقررت أن ما وصلوا اليه هو قمة رقي الانسان ولا يمكن تجاوزها بأي حال من الأحوال. ولم تكتف بفرض ذلك على نفسها بل تُصر على ان تطبقها على كل البشر، ومن يخالفها فى ذلك تعتبره كافرا ويجب قطع رأسه.
السلفيون أوالخلف الصالح -كما يطلقون على أنفسهم- يعيثون اليوم فى الأرض فسادا كما تفعل الأدغال الضارة بالمروج الخضراء الجميلة، فان لم يزيلونها فستقضى عليها. من السهل كشف السلفيين ومعرفتهم، فهم ملتحون وبعضهم يطلقون اللحى ويهينون الشارب!. وغالبا ما يرتدون (الدشاديش) القصيرة، ويتذمرون من كل شيء ولا يعجبهم اي شيء، وان اتيحت لهم الفرصة يهاجمون كل من يخالفهم ويقتلونهم وينهون حياتهم التى وهبها لهم الخالق الجبار، ومنهم من يرتدى أحزمة الموت المعبأة بالمتفجرات ليفجروا أجسادهم النتنة ليقتلوا الناس اينما شاهدوهم وبدون تمييز.
لا يترددون فى قتل البقال الذى يجمع الخيار والطماطة (الطماطم او البندورة) لأنه جمع بين ذكر وانثى فى سلة واحدة!. ويقتلون الحلاق الذى يحلق الذقون، فهم يجدون فى حلاقتها جرما كبيرا لأن السلف الصالح لم يكونوا يحلقونها. ويقتلون باعة الفلافل والهامبرغر لأنها بدعة والبدعة ضلالة والضلالة فى النار!. ويفتون بتحريم لعب الكرة لأنها كما يدعون تُلهى عن ذكر الله. ويفجرون المدارس التى تجمع الفتيات والفتيان، لأن الأنثى ومنذ طفولتها -فى رأيهم- يجب أن لا تغادر بيتها الا الى بيت زوجها حيث تُحتجز فيه لحين موتها. وإذا مرضت لا يسمح لطبيب ان يعالجها بل تذهب الى طبيبة او ممرضة او قابلة او حتى (عرافة) فقط. ولا تنسى أن تتنقب وتحجب عينيها بمناظر قاتمة وتخفى كفيها فى قفازات سوداء، وإذا ما خرجت مع زوجها يجب أن تتأخر عنه خطوتين او ثلاثة.
يحرّمون الاستماع الى الغناء والموسيقى، والاذاعة والتلفزيون يجب ان تقتصر على تلاوة آي الذكر الحكيم وقراءة الأخبار والمواضيع الدينية. دور الخيالة (السينما) حرام والمسارح حرام والتمثيل حرام. المرافق الصحية يجب ان تكون شرقية (مع أنها لم تكن معروفة عند السلف الصالح) فقد كانوا يقضون حاجتهم (فى الخلاء) اي خارج البيت وبعيدا عن البيوت.
وحينما استولى المعممون على عمارات فى بغداد بعد سقوط البعث حطموا المراحيض الغربية، مع أنها مريحة وخاصة بالنسبة للمسنين. وعلى من يدخل بيت الراحة (المرافق) عليه تقديم رجله اليسرى وتأخير اليمنى!. وقائمة المحرمات تطول وتطول ولا نهاية لها.
لو نظرنا حولنا لرأينا أن كل الاختراعات التى نستخدمها فى حياتنا اليومية ولا يمكننا الاستغناء عنها اخترعها (الكفرة فى بلاد الكفر)، ويحاول السلفيون منع الناس من استخدامها والاستفادة منها. وسئل الشيخ القرضاوي عن سبب تفوق الكفار على المسلمين فى كل المجالات، كان جوابه: لكي يكونوا فى خدمة المسلمين!!!.
من هم هؤلاء السلفيون؟ ومن هم الذين يبثون الفقة بين المسلمين؟ انهم لا يقتصرون على طائفة واحدة من المسلمين بل تجدهم متغلغلين بين كل الطوائف، ويتهم بعضهم البعض بالكفر والإلحاد. بعض المعممين من الشيعة يقضون أوقاتهم بين الكتب الصفراء يبحثون عن كل ما يثبت وجود خلاف بين الامام علي (ع) والخلفاء الثلاثة الذين سبقوه فلا يجدون، فيضطرون الى التلفيقات واذاعتها على البسطاء والحمقى لينحازوا اليهم. ألفوا كتبا كنا نقرأها ونحن في سن المراهقة حينما كانت الفروسية والبطولات تستهوينا، فكنا نقرأ عن أبى زيد الهلالي وعنترة بن شداد وطرزان وغيرهم. وقرأنا عن معركة (بئر ذات العلم) التى تقص خرافات عن مقاتلة الإمام علي الجن فى تلك البئر الموهومة. وعن غزوة خيبر حيث يذكرون أن الإمام اقتلع باب الحصن التى لم يستطع 70 رجل حملها، وتترّس بها ثم استعملها كجسر عبر عليه جيش المسلمين الخندق الذى كان يحمى الحصن، وكان يرفع الفارس بفرسه ويجلد بهما الأرض!. هل يحتاج الإمام الى كل تلك السفاسف للبرهنة على بطولاته وقوته وشجاعته المنقطعة النظير لنصرة ابن عمه الرسول الأعظم وإعلاء كلمة الدين الحق؟ ومن الناحية الثانية ينسب بعض معممى السنة من الجهلاء الى الخلفاء الراشدين الثلاثة الذين سبقوا الإمام الخرافات، ومنها ما يضحك الثكلى، فقد حدثنى عميد فى شرطة صدام قبل أكثر من ثلاثين عاما عن أن الخليفة عمر الفاروق (رض) كان فارع الطول بحيث كانت قدماه (تخطان) فى الأرض وهو يمتطى صهوة جواده!. تصور هذا الكلام من عميد. لقد نسي عدل الفاروق وحكمته اللتان اشتهر بهما والفتوحات العظيمة على عهده ولم يتذكر غير طول قامته. وخرافة مضحكة أخرى يؤمن البعض بصحتها وهي أن الشيخ الفاضل عبد القادر الجيلي (الكيلاني) كان فى أحد الأيام مقبلا على صلاة الفجر، فانتابه شعور من أن وكيله فى البنغال /الهند كان ما يزال نائما، فخلع (قبقابه) ورماه باتجاه وكيله الذى استيقظ على صوت القبقاب يرتطم بالأرض قرب رأسه فقام وأدى الصلاة فى ميعادها!. لم يكن احد يعرف فى ذلك الزمان أن فرق الوقت بين بغداد والبنغال ثلاث ساعات، وحتى لو كانت سرعة القبقاب ضوئية لوصل الى الوكيل متأخرا ثلاث ساعات بعد موعد الصلاة.
الذين ينشرون مثل هذه التلفيقات أما ان يكونوا جهلاء أو مغرضين، وهم فى كل الأحوال كالطفيليات التى تعيش فى أمعاء الانسان، عديمة الفائدة كبيرة الضرر. يحثون البسطاء على تفجير أنفسهم ويقتمون الأسرى ويسمون ذلك بالجهاد فى سبيل الله متناسين الآية الكريمة:quot;ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وٍأسيراquot;، كما فعلها الارهابي المجرم (شاكر وهيب) عندما قتل سائقى الشاحنات السوريين الثلاثة، وسمعنا وقرأنا اليوم أنه قُتل ونعته عصابة (داعش) : quot;على شاكر وهيب فلتبكى البواكى، خسرنا بطلا فذا فى الدنيا، الآن نلت الحور العينquot; !!. وقرأنا اليوم أيضا أن افرادا من (داعش) فى سورية قد جلدت أشخاصا هناك 25 جلدة لكل منهم لآنهم لم يصلوا صلاة الجمعة!. وانى اتساءل :هل يمكن ان يرتقى مستوى هؤلاء الطغام وأمثالهم ولو الى مستوى البقرة الوديعة المفيدة؟ لاأظن ذلك.
التعليقات