عندما قامت الثورة السورية، توقع الجميع أن يكون لها نهاية مدوية تتمثل في اقتحام الثوار لدمشق، والسيطرة على مبنى التلفزيون وإعلان البيان quot;رقم واحدquot; ثم إلقاء القبض على رموز النظام بعدها بأيام وإعدامهم جميعاً، ثم رفع علم الاستقلال واتخاذه علماً رسمياً وحيداً للجمهورية العربية السورية.

لكن بعد ثلاث سنوات من أنهار الدماء وتدمير شبه كامل للدولة السورية اقتصادياً واجتماعياً، يبدو أن المعارضة السورية تخلت عن تلك الأحلام الوردية ولم تعد تمانع من مجالسة النظام للاتفاق معه على quot;صيغة ماquot; سيفرضها المجتمع الدولي على الطرفين في جنيف2، ظناً منها ان النظام سيقدم التنازلات وسيرضخ للإرادة الدولية التي تظن المعارضة السورية أنها مشغولة بآلام السوريين ويعنيها إنهاء معاناتهم.

مشكلة أساسية أخرى في عقلية معظم رجال المعارضة السورية، وهي جهلهم بتركيبة النظام وعقليته وطريقة تفكيره، واعتقادهم أن النظام ذاهب إلى جنيف من أجل تقديم تنازلات أو تلبية مطالب، ويذهب بعضهم في التفاؤل إلى درجة الاعتقاد الساذج أن النظام سيتنازل عن السلطة فعلاً.

فالنظام الذي لم يتنازل لتلبية مطالب أطفال درعا لن يتنازل عن السلطة الآن مهما كان الثمن، ولن يقبل بأن يتقاسم السلطة والثروة والنفوذ مع أي كان، وهو ما أكده الأسد مرارا ًوقد رفض حتى أن يكون هناك وزراء من الائتلاف في أي حكومة انتقالية متوقعة قد تنتج عن جنيف2.

ومن خلال وجودي بالقرب من وسائل إعلام النظام وأرصد أقوال مسؤوليه وطريقة تفكيرهم، أستطيع القول بوضوح أن النظام لن يذهب إلى جنيف من أجل تسليم السلطة ولن يناقش الموضوع وليس على أجنداته أي بند يتعلق بالإصلاح، النظام ذاهب فقط من أجل تسويق نفسه على أنه مندوب مكافحة الإرهاب في المنطقة، وأستطيع تخيل مسؤولي النظام وهم يحملون العروض والخطط للمجتمع الدولي حول المنظمات التي يسميها quot;إرهابيةquot; وسيوافق الغرب طبعاً على تلك الخطط وسيدعم النظام باعتباره quot;محارباً للإرهابquot; بل أن الغرب قد بدأ بدعمه فعلاً عبر اتصالات جرت مع مسؤولي الاستخبارات الغربية بها الخصوص وهو ما أكدته صحيفة quot;وول ستريت جورنالquot; الأمريكية أن المخابرات البريطانية والفرنسية والإسبانية والألمانية تتحدث إلى مسؤولين في نظام الأسد منذ منتصف العام الماضي حول المتشددين وقوة تنظيم القاعدة.

أما الائتلاف المعارض، فقد كرس منذ أشهر انفصاله التام عن الواقع السياسي والعسكري في الداخل السوري، فعلى الأرض يسيطر النظام على المفاصل الأكثر أهمية في سوريا، معظم المطارات و مقرات الفرق الأكثر قوة لا تزال تحت سيطرته، فضلاً عن المنافذ البحرية والجوية وآبار النفط، وسط حالة من التشتت ولتمزق في صفوف الكتائب العسكرية على الأرض، وتركيزها على الاقتتال فيما بينها أو السيطرة على قرى ومدن لا أهمية عسكرية لها.

فشل آخر يضاف إلى سجل المعارضة السورية يتمثل في الضعف الشديد في الإعلام والتسويق الصحيح للقضية السورية في المحافل الدولية، لاسيما بعد أن أنفق النظام كثيراً من المال والجهد في التسويق لنظرية أن الثورة السورية ماهي إلا تمرد يقوده إسلاميون متطرفون، حتى سادت في واشنطن القناعة بأن انتصار الثورة يعني انتصار القاعدة، فتحولت السياسة الأمريكية عن دعم الثورة لمحاولة فرض خيار ثالث لا تنتصر فيه الثورة quot;الإسلامية المتطرفةquot; ولا النظام الحليف لإيران، ومحاولة جميع المعتدلين من الطرفين على طاولة واحدة من أجل quot;تبويس الشواربquot; والاتفاق على تقاسم سوريا وكأن شيئاً لم يكن.

ولطالما تغنى المعارضون السوريون بمصطلحات من قبيل quot;الوعود الدوليةquot; و quot;الضماناتquot; بأن لا دور للأسد، متناسين الوعود الدولية التي كانت أكثر حسماً فيما يخص استخدام السلاح الكيماوي، والتي تبين فيما بعد أنها وعود في الهواء ولا قيمة لها أمام مصالح الغرب، والتي أحسن النظام استغلالها وأحسن التسويق لنفسه على أنه نظام علماني مكافح للإرهاب ويمكن الوثوق به في هذه المهمة.

وفي الداخل السوري، يرى السوريون في جنيف2 اغتيالاً لثورتهم، فهو لا يحقق أحلام السوريين ولا يرتقي لتضحياتهم ولا يثأر لشهدائهم، و ينسخ تماماً مصطلحات من قبيل quot;ساعة الصفرquot; و quot;هروب الرئيسquot; ويلغي أحلام الثوار باجتياح دمشق و محاكمة رموز النظام على جرائمهم، فقط أصبح البديل الآن أمامهم هو إيقاف الحرب والاكتفاء بما حققوه من إنجازات حتى الآن وحسب.

صحفي وناشط إعلامي من الداخل السوري