&عندما نقول حوار، فهذا يعني تبادل الاراء والنقاش حولها، والغاية تكون لكي نعرف ابعاد اخرى للقضية المتحاور حولها، والا فما فائدة كلمة الحوار؟ عدم تقبل الحوار والقطع بحل جاهز، لا يدل الا على الرغبة في الاستحواذ والسيطرة. ولو تمعنا في ما يجري في العراق الان، فاننا سندرك ان الحوار مفقود، وليس له اي اساس وبدون حوار لن نجد حلا، هذا اذا كنا نريد حلا اصلا.

الوضع في العراق، هو في الحقيقة نتيجة الاستقطاب، اما موجب او سالب، اما مؤمن او كافر، اما وطني او خائن، اما ناصبي اوصفوي، ابيض او اسود، مسبقا كل الطرق مقطوعة للحوار، لا وجود لمنطقة وسطى، لا وجود للون رمادي، لا وجود لمستقبل الا بما يرضي الطرف المتسلط. يحاول البعض الاشارة الى المعضلة ولكن صوت الجميع يخفت ويضيع امام صرخة الخوف والرعب والدم المسال، كل الاصوات الداعية للتأني تصمت امام هول الجرائم المتتالية والتي لن تؤدي الا الى المزيد، لحين تحقيق الفصل التام بين المكونات والاطرا ف والاجزاء.

نعم ان المسير هو الى تشرذم البلد، ورغم كل الامال التي نعقدها ويعقدها البعض على التحركات السياسية واللقاءات بين الاطراف المتصارعة، نجد ان ارادة التشرذم والانفصال هي السائدة، لان كل كبوة تعيدنا الى المربع الاول وهو الوطني والخائن وما يليها من الثنائيات القاتلة. فخلال اكثر من عشر سنوات من ازاحة نظام صدام، نشاهد نفس الحالة القاتلة وهي ان الحلول السياسية هي حلول مؤقتة مخدرة ليس الا، لان ما يليها يكون اسواء مما كان قبلها، واليوم اذا نتحدث عن سبايكر والفلوجة والموصل وغيرها، فلاننا نسينا الحلة والبصرة وبغداد والكثير من الجرائم المارة والتي لفها النسيان، لان التي اتت بعدها كانت من الهول لدرجة انه تم نسيان كل ما سبقه.

كيف لبلد ان ينعم بالسلام والاستقرار، اذا كان لا يرى نصفه في النصف الاخر الا مجرد عملاء وخونة، وكيف لبلد ان يتطور وكل ما لديه تاريخ من الاحقاد والثارات المتبادلة، وعندما اقول النصف، فهذا لا يعني ان النصفان المختلفان متوحدان، كلا انه متوحد مقابل الاخر، فكل نصف فيه خونته لاسباب كثيرة كالعشائرية والجهوية والسياسية. هذا الوصف ليس للعراق فقط ولكن يمكن تعميمه بسهولة وبنسبة صحة كبيرة على عدد من بلدان الشرق الاوسط. ولكن العراق صار نموذجا يمكن البناء عليه ومعرفة مستقبل المنطقة من خلال استقراء مستقبله.

&ان بقاء الاطراف المتنازعة، الحزبية والطائفية والقومية، عند مواقفها، لا تتزحزح عنها، هو اثبات لهذا الاستقطاب الذي يتنافي مع العملية السياسية، فقولنا عملية سياسية معناه اننا ندرك باننا يجب ان نصل لانصاف الحلول، ان نعطي وناخذ بلغة الشارع، ولكن هل يمكن لاحزاب تؤمن بالكفر والايمان، تؤمن برسالة خالدة وطارئ على التاريخ، تؤمن بان بعض البشر احفاد قردة وخنازير واخرين ورثة ادم، تؤمن بان الاخر يمثل خروجا عن الدين الصحيح، ان تتحاور وتنخرط في العملية السياسية حقا؟ يصدع راسنا البعض بان المجتمعات الاوربية انتجت احزاب دينية منخرطة في العمل السياسي اشارة الى الاحزاب المسييحية، ولكن يفوت هؤلاء ان ان الاحزاب المتسمية بالمسيحية في اوربا احزاب علمانية حقا، فيها المؤمن والملحد والمسلم والبوذي، وما يوحدهم بالاساس البرامج الاقتصادية المحافظة وبعض القيم الاجتماعية مثل معارضة الاجهاض. وهذه الاحزاب والاحزاب التي على يسارها او على يمينها متفقة على قيم مشتركة لا يمكن التلاعب بها، مثل الحريات الفردية والضمان الاجتماعي. وبالتالي فان وجود كلمة المسيحي في تسمية هذه الاحزاب لا تعني الا اعتراف ما بالارث المشترك. ان الاحزاب المسيحية لا تدخل في صراع حول من هو المؤمن او الكافر، ولا تميز في عملها بين هذا وذاك، وكليهما له الحق لتبؤ اي موقع فيها والمهم في الامر هو رضا القاعدة الحزبية.في حين ان الاحزاب الدينية العراقية وفي المنطقة، تنطلق من منطلق التكفير ونبذ ومقارعته في الاساس الايماني. ولا يمكنها ان تخرج عن اطار ماهو مرسوم في الشارئع الدينية لانها لم تتجدد وتحدث لحد الان، وبالتالي هي ملزمة بالموروث الذي يميز صراحة بين المؤمن والغير المؤمن وحتى بين المؤمنين من نفس الدين ولكن من مذهبين مختلفين، وبالتالي انتفاء روح المواطنة وقلع مسببات المساواة في الحقوق والواجبات.

اذا الحلول في اطار وجود احزاب دينية امر يكاد ان يكون متعصيا ان لم يكن مستحيلا، الا اذا انسلخت هذه الاحزاب من جلدها واعلنت على رؤس الاشهاد انها تؤمن حقا بالمواطنة كاساس للتعامل مع المواطنين، دون اي اعتبار للدين والقومية والجنس واللون، وان يتم ازالة كل ما يعيق عمل الدستور المتناقض بين الاليات الديمقراطية والحريات الفردية، وبين القيم الاسلامية والاكثرية الدينية والمذهبية. حينها سيمكن لهذه الاحزاب ان تتناقش وتتحاور خارج اطار الاستقطاب، وضمن اطار المصالح المتعارضة التي يمكن ان يتم التوافق بشأنها.&

&