من مفكرة سفير عربي باليابان

لقد اثلج صدري خبر وصول ستة من سيدات مملكة البحرين الفاضلات للمجلس النيابي والمجالس البلدية، في الانتخابات،& فهذا شرف جديد تحققه المرأة البحرينية ضمن انجازاتها الطويلة، على مستوى العائلة والتعليم والعمل، لتضيف لانجازاتها اضافة تاريخية متميزة، كما لفت نظري انتخاب معظم نواب البرلمان الجديد من المستقليين. وبعد أن انتهت الانتخابات البحرينية بسلام وأمان، صحت المعارضة من سباتها، لتنشغل بحوار نسب المشاركة، بعد أن جمدت صوتها في البرلمان لأربعة سنوات أخرى، وحرمت جماهيرها من دورها في التنمية المستدامة. وكان الحوار هذه المرة ليس عن ما خسرته المعارضة بعدم المشاركة، بل عن نسب المشاركة فوق الخمسين في المائة أم تحتها. ويبدو بأن المعارضة لا تدرك بأن نسبة الـتأييد للكونجرس الامريكي انخفض مؤخرا إلى 7%، كما أن معظم الأمريكيين يعتبرون أنفسهم مستقليين، فلا هم مؤيدين للحزب الديمقراطي الحاكم ولا الحزب الجمهوري المعارض. بل أن نسب المشاركة في الانتخابات البلدية في بعض دول أوروبا الغربية انخفضت لأقل من 7%، كما انخفض عدد اعضاء حزب المحافظين الحاكم في بريطانيا من ثلاثة ملايين عضو خمسينات القرن الماضي، إلى 135 ألف اليوم.
لقد لفت نظري مقال للكاتب ياسر الغرباوي بعنوان، وصية مهمة للعرب، يعرض فيه تحديات التنمية المستدامة في التجربة الماليزية، والتي ناقشها معالي الدكتور مهاتير محمد، رئيس وزراء ماليزيا الأسبق، في مؤتمر حضرته الكثير من وفود الدول العربية، فحدد تحديات التجربة الماليزية في أربعة نقاط، فقال: "تتعلق النقطة الأولي بتقديم التنازلات. فبعد أن عانت ماليزيا، بلد الاعراق والأديان والثقافات المتعددة، من حرب أهلية، ضربت بعنق أمن واستقرار المجتمع، والتي منعت وضع لبنة فوق اختها. فالتنمية لا تتم في المجتمعات إلا إذا حل الأمن والسلام. فكان لازم علينا الدخول في حوار مفتوح، مع جميع المكونات الوطنية دون استثناء لأحد، والاتفاق على تقديم تنازلات متبادلة، من قبل الجميع. أما النقطة الثانية فتتعلق بضرورة ضبط البوصلة، نحو الملفات الحقيقة، الفقر، والبطالة، والجوع، والجهل. لأن الانشغال بالايديولوجيات، ومحاولة الهيمنة على المجتمع، وفرض اجندات ثقافية وفكرية، لن يقود المجتمعات إلا إلى مزيد من الاحتقان والتنازع. فلا يمكنك أن تطالب الناس، مع الجوع والفقر، بناء الوعي ونشر الثقافة. فنحن المسلمين صرفنا أوقات، وجهود كبيرة، في مصارعة طواحين الهواء، عبر الدخول في معارك تاريخية طائفية مدمرة. أما النقطة الثالثة فتتعلق بالفتاوى التي لن تحل مشاكل المسلمين. فلا ينبغي أن تخضع تطورات المجتمعات لهيمنة فتاوى وتصورات الفقهاء والوعاظ. فعندما رضخت المجتمعات المسلمة للفتاوى والتصورات الفقهية، التي لا تتناسب مع حركة تقدم التاريخ، اصيبت بالتخلف والجهل، فحركة المجتمع يجب أن تكون جريئة وقوية. وعلى الجميع أن يدرك بأن فتاوى وأراء النخب الدينية ليست دينا، فنحن نقدس النص القراني الكريم، ولكن من الخطأ تقديس أقوال بعض المفسرين واعتبارها هي الأخرى دينا واجب اتباعه. والنقطة الرابعة هي عون الخالق جلت قدرته لا تنزل على المتعصبين، لإن الله، جل جلاله، لا يساعد الذين لا يساعدون انفسهم، فنحن المسلمين قسمنا انفسنا، جماعات، وطوائف، وفرق، تقتل بعضها بعضا بدم بارد، لتصبح طاقاتنا منهدرة بين ثقافة الثأر والانتقام."
ولنتذكر أيضا ما كتبه الاستاد جهاد الخازن، بصحيفة الحياة في 19 نوفمبر الماضي، حيث قال: "لو أن المعارضة البحرينية قبلت ما عرض ولي العهد الأمير سلمان بن حمد عليها سنة 2011، ثم طالبت بالمزيد، عبر البرلمان، لكانت حققت معظم ما تريد، إلا أنها اختارت الولاء الخارجي على المصلحة الوطنية، وتمسكت بمطالب مستحيلة، عندما قدَّم ولي العهد سلة حلول توافقية، بعد ثمانية أشهر من الحوار، مع أطراف النزاع السياسي. فأصرت المعارضة على مطالبها في وجه رفض أطراف أخرى، لهدف واحد وحيد هو مقاطعة الانتخابات. المعارضة تستطيع أن تقاطع الانتخابات مرة ومرتين وعشر مرات، ولن تحقق شيئاً غير الإضرار بمصالح المواطنين.. أربع جماعات معارضة، بينها الوفاق، أعلنت المقاطعة وهي كانت تستطيع الفوز في 18 دائرة من 40 كما حدث في آخر انتخابات شاركت فيها، وربما كانت استطاعت انتزاع دائرتين أخريين ليصبح لها 20 مقعداً في البرلمان أو النصف..& هي مقاطعة تحتقر المواطن البحريني.. الذي تدَّعي تمثيله لأنها تقف ضد مصالحه، ولن تحقق شيئاً على الإطلاق بالمقاطعة.. المعارضة البحرينية خسرت الانتخابات قبل أن تبدأ.. فأتمنى أن أرى يوماً تسير فيه المعارضة في طريق الصواب فلا يُعتَقل أحد، أو يُحاكَم، وإنما يُعفى عن السجناء جميعاً، لفتح صفحة جديدة من الممارسة الديمقراطية للجميع في البحرين."
&&كما تذكرت ضمن هذه الظروف المعقدة مقابلة سابقة لسعادة الوزير والسفير السابق الدكتور على محمد فخرو، حيث قال: "أن سمو ولي العهد منذ العام 2011، ولا يزال، يبذل جهودا، من أجل إخراج مملكة البحرين من أزمتها السياسية المعقدة، وهو يستحق أن يدعم في مساعيه تلك ... وبـأن الأوضاع السياسية قد وصلت لمرحلة اللاحسم. فلا الإجراءات الأمنية استطاعت أن تخرج مملكة البحرين من محنتها، ولا القوى السياسية، من أجل أهداف ديمقراطية، ومن أجل مجتمع أكثر عدالة، استطاعت أن تحقق أهدافها ... وعندما لا يوجد حسم من خلال هذا الطريق أو ذاك، فلابد من التفتيش عن طريق جديد، وقد طرح سمو ولي العهد طريقا يقترحه، وهو طريق ليس سهلا، ولكنه يستحق النظر في إمكانية تجربته وتحسينه... وان بقاء العمل السياسي مقتصرا على الشارع في شكل مظاهرات، أو حرق عجلات، وإجراءات أمنية لمواجهتها ... لم يوصل إلى نتيجة. فالعمل السياسي يجب أن يتواجد في ساحات كثيرة متعددة، ومن هذه الساحات البالغة الأهمية هي ساحة البرلمان." كما طرح سعاته سؤال مهم: "هل البرلمان هو ملك الحكومة أم هو ملك المجتمع؟ ليجيب: "إنه ملك الشعب، وأحد أدوات المجتمع الكبرى من أجل الدفاع عن المجتمع وساكنيه. فالبرلمان ساحة من ساحات النضال السياسي، ومنبر إعلامي بالغ الأهمية، وهو مكان محاسبة أي أخطاء ... فيجب إذن أن تسعى القوى السياسية المعارضة احتلال أكبر جزء ممكن منه. وهي اذ تفعل ذلك لا تتنازل عن تواجدها في الساحات الأخرى."& كما رد سعادته على تساءل البعض عن العديد من الجوانب الغامضة في النقاط الخمس المطروحة، بقوله: "النضال أن تكون محتويات النقاط الأربع الباقية نقاط تصب في صالح التقدم نحو مزيد من الديمقراطية ... كما أن عناوين النقاط ستحتاج إلى وقت نضالي طويل للوصول إلى نهايتها، فالعمل من أجل الديمقراطية هو سير درب طويل، فالشعوب الاخرى لم تصل إلى الديمقراطية في خطوة واحدة، وإنما عبر تراكم خطوات. فإذن، القبول بالنقاط الخمس، لا يعني أن القوى السياسية تتخلي عن المطالب الديمقراطية التي طرحتها؟ أبدا لا، فأنا شخصيا قد كتبت مرارا بأن الديمقراطية لها بداية، ومراحل، ولكن ليس لها سقف. وعندما تقبل بخطوة مرحلية، فإن ذلك لا يعني أنك لا تستمر في نفس الوقت المطالبة لتهيئة الظروف للانتقال إلى المرحلة التي تليها." كما علق سعادته على التساؤل: هل في الحالة التي وصل إليها العمل السياسي سبب للسير في الطريق الذي يقترحه سمو ولي العهد؟ فقال سعادته: "أعتقد أن الكثيرين يرون ضرورة التفتيش عن طرق جديدة لحلحلة الوضع الذي وصل إلى مرحة اللاحسم، وإلا سيكون على المجتمع البقاء في المراوحة في نفس المكان. لابد من إجراء تجارب عديدة، والمقترح هو واحد من هذه التجارب. وبين الشعوب الحية الذكية النشطة، مثل شعب منقسم على نفسه إلى حدود الفجيعة، ولخروجه من ذلك الانقسام، لابد من تجربة محاولات متعددة، وليس الوقوف عند محاولة واحدة. وهنا لابد القول بأنه لا حاجة للدخول في لعبة التخوين والعتاب، فالنضال السياسي هو نضال مرن، ولا يزال نضال بوجهات نظر كثيرة. ولكن المهم هو أن يسعى الجميع للوصول إلى الأهداف النهائية: الأهداف الديمقراطية العادلة في السياسة، والاقتصاد، والاجتماع، والثقافة، وهو هدف ستصل إليه مملكة البحرين عاجلا أو أجلا.. ولعله من الضروري التذكير بأن الواقعية في الحياة السياسية لا تعني قبول الواقع والخضوع له، وإنما تعني استعمال إمكانيات الواقع، من أجل تغييره."
ويذكرني أوضاعنا اليوم بما قاله جورج برنارد شو: "لانسان العاقل يتكيف مع العالم، أما الانسان الغير عاقل يصر على أن يتكيف العالم مع تفكيره، لذلك تطور البشرية يعتمد على الانسان الغير العاقل." وقد تكون هي مصيبتنا اليوم في مملكة البحرين، المعارضة المتطرفة هي التي دفعت البلاد لهذا التحدي المؤلم. ولنراجع التاريخ مرة أخرى لنقرأ ما نقلته الصحافة البحرينية في 29 ديسمبر لعام 2007، عن رد رئيس كتلة الوفاق النيابية البحرينية في ذلك الوقت، على المعارضة المتطرفة. فقد نصح الشباب بالابتعاد عما يؤدي للانفلات الأمني، في ظل خيار الإصلاح الديمقراطي، مؤكدا ضرورة الحفاظ على الأمن، الذي يشكل خيارا استراتيجيا. كما أكد بأن العنف لا يولد إلا العنف والإرهاب، بينما يوجه حوار الحكمة لفهم اختلافات الرأي، ويبعدها عن الخلاف، ويبني جسور الثقة، ويشجع عمل الفريق، لتزداد إنتاجية المجتمع وتطور اقتصاده. كما تسائل: "هل يجب أن تصبح الوفاق كالطفل الضائع تلحق بكل من يخرج في الشارع ويخترع برنامجه؟ إن جماهير الوفاق لن تكون مجرد خشبة تغرز فيها الأفكار المخترعة، ولا الوقود لهذه الأفكار، ولن تجر الوفاق لمعركة لا تؤمن بها، ولن تجر الأمة بكاملها لطريق بسبب تحرك.... مجموعة متطرفة للأمام. أن& خيار الإصلاح والعمل السلمي، والذي استغرق مدة ليتبلور ويتم تبنيه، أصبح خيارا استراتيجيا، مع الإيمان بأهمية العمل التدريجي في الإصلاحات الديمقراطية." كما حذر الشباب عن خطورة الاندفاع العاطفي بالعمل الثوري، الذي قد ينعشهم في الخيال، ثم ينزلهم للواقع بخسارة مصالحهم، وبتضييع الوقت في الانفلات. كما نصح بالابتعاد عن العنف بعد اختيار طريق الديمقراطية منهجا لاستدامة الحريات، والاعتماد على السلوك الديمقراطي في التعبير. وحذر بأنه لو فقدت هذه الديمقراطية التي تستمتع بها البلاد، ستعود البلاد عشر سنوات للوراء، وعلينا البدء بجولة جديدة من إرهاصات العنف، في ظل قراءة الواقع المحلي والإقليمي والدولي المعقد، والذي لا يعلم نتائجه إلا الخالق، جل شأنه. ولنعود بعد معركة طويلة إلى النقطة نفسها، لنطالب من جديد بالحريات التي نعيشها اليوم، والتي ستكون المحور الأساسي. كما وضح بأنه من الممكن ممارسة الخيار الإصلاحي بتهيئة الأرضية المناسبة للجمعيات وإفراد المجتمع للمطالبة بحقوقهم واهتماماتهم، حيث هناك قنوات مفتوحة للعمل السياسي والاجتماعي للمواطنين. وبأن خيار الإصلاح يستند على العمل الجاد الدءوب، وبتحديد الأولويات، واختيار الأساليب المناسبة لمعالجتها. ومن الضروري التحرك& بأدوات الواقع وليس بأدوات الشعر فقط أو أدوات الانفعال، وبالعمل على خلق أدوات القوة السلمية لدفع هذه الأولويات. وأنهى خطابه بالقول: "هذا هو الخيار حسب فهمنا وقناعتنا، كما ناقشنا هذا الأمر على مستوى الوفاق والنخبة. فهذا النوع من العمل يراكم الايجابيات، ويزيل السلبيات، ويؤدي بعملية الإصلاح للتقدم إلى الأمام." ويبقى السؤال: هل يتذكر قائد المعارضة ما قاله في عام 2007، ولماذا لم ينفذ ذلك في انتخابات عام 2014؟ ولنا لقاء.

د. خليل حسن، سفير مملكة البحرين في اليابان