فى اتصال تلفوني مع أحد معارفى فى بغداد قبل بضعة ايام،أخبرنى عن شاب قريب له أكتشف الأطباء انسداد اربعة من شرايينه واوصوا بارساله الى الهند للعلاج،الذى سيكلفه 15 الف دولار على اقل تقدير. راتب المريض اقل من 500 دولار شهريا ولا يكاد يكفيه لسد احتياجات عائلته المتكونه منه وزوجه وثلاثة من البنين والبنات، فيجب عليه وعائلته فى هذه الحالة ان يصوموا ثلاثين شهرا لربما سيستطيعون توفير المبلغ،لكن على الأرجح سيكون المريض قد انتقل الى جوار ربه.

تذكرت رئيسنا الغائب السيد جلال طالباني حفظه الله (ولد فى 12/11/1933) الذى كان قد أدخل مدينة الحسين الطبية فى عمان فى 25/2/2007 بعد إصابته بوعكة صحية،ثم غادر الى الولايات المتحدة وأدخل الى احدى مستشفيات (مايو كلنك) هناك. وفى كلتا الحالتين كان برفقته فريق طبي عراقي وحرس خاص ndash; إضافة الى فوج حرس الرئيس المرابط فى بغداد بدون عمل -. لم أعثر على معلومات دقيقة حول مدة مكوثه فى الأردن والولايات المتحدة،ولا رواتب ومخصصات الفريق الطبي المرافق والحرس،ولا كلفة العلاج فى الدولتين،ولا عن موعد عودته الى العراق ndash;إن كان على قيد الحياة-. ولكن المعروف هو انه أدخل الى احدى المستشفيات فى ألمانيا فى 20/2/2012 لعلاجه من جلطة فى الدماغ،ومنذ ذلك الحين ونحن نسمع أخبارا متناقضة عن حالته الصحية،وسمعنا عدة مرات عن وفاته التى كُذبت،وسمعنا عدة مرات عن تحسن حالته وكذلك سمعنا بالعديد من الانتكاسات. وآخر ما نشر كان فى بداية هذا الشهر (آذار/مارس 2014 حيث صرح الدكتور نجم الدين كريم بأن صحة الرئيس جيدة وفى تحسن مستمر وانه كان معه فى يومي 7 و8 من هذا الشهر. ثم شاهدنا صورة يظهرفيها وكأنه يكلم السيدة زوجته. وبسبب مهارة المتخصصين بـ(فوتوشوب) وغيرها من (التكنولوجيا) الحديثة لم نعد نعرف الصدق من الكذب سواء بالصور او بالفيديو التى نشاهدها فى الصحف والانترنيت فى هذه الأيام. ولكن فى كل الأحوال فان الأموال التى تتكبدها خزينة الدولة على العلاج والمرافقين والحرس لابد ان تكون باهضة ومرهقة لخزينة الدولة.

لا أظننى ابتعد عن الحقيقة عندما أذكر أن بعض القادة فى البلد سواء كانوا فى الحكم او فى المعارضة يجدون من صالحهم إبقاء الرئيس خارج البلد،حيا كان او ميتا، الى ما بعد الانتخابات القادمة على اقل تقدير. فان هناك من يقول بتنافس الرئيسين مسعود البارزاني و أسامة النجيفي على منصب رئاسة الجمهورية. ولكن المؤكد ان المبلغ الذى ينفق يوميا لعلاج الرئيس الذى تعدى الثمانين من العمر ولم يعد صالحا للقيام بمهام الرئاسة -بالرغم من كونها شكلية فقط- يكفى لعلاج آلاف المرضى من الأطفال والشبان والكهول الذين لا يجدون المال لعلاجهم داخل البلد ناهيك عن العلاج فى خارجه. أين العدالة فى ذلك يا قادتنا؟ هل تملكون الجرأة على ذكر حقيقة ما يجرى وعن المبالغ التى تستقطع من أفواه الجياع والمعوزين من العراقيين التى تصرف على الرئيس الغائب وصحبه؟

قد يقول البعض ان المجرم المقبور اريل شارون رئيس وزراء اسرائيل كان قد أصيب بجلطة بالدماغ فى كانون الثاني/يناير 2006 ودخل فى غيبوبة استمرت حتى موته فى كانون الثاني/يناير من هذا العام، وكانت دولته تنفق عليه من خزينتها طيلة الأعوام الثمانية التى مرت عليه وهو فى حالة الموت السريري. أقول انه كان يعالج فى اسرائيل من قبل اطباء اسرائيليين والادوية والأجهزة الطبية من صنع اسرائيلي،ولا يوجد معه فى مستشفاه حرس ولا مرافقون (وإن وجدوا فلا يزيد عددهم على اصابع اليد الواحدة). ان اسرائيل تعتبر من الدول الغنية ومستوى المعيشة فيها لا يمكن مقارنته البتة مع العراق الذى يعيش أكثر من ثلث سكانه تحت خط الفقر بالرغم من ايرادات النفط الهائلة.

لا أدعوا الى اهمال الرئيس ولا أي عراقي آخر يصاب بالغيبوبة او بمرض يطول علاجه،ولكنى ادعو الى المساواة بين العراقيين فى كل المجالات،وان نكون واقعيين،فكلنا مائتون،فلا جدوى من صرف ملايين الدولارات على اشخاص فى ارذل العمر او فى حالة الموت السريري،بينما لا يجد من هم فى مقتبل العمر ثمن شراء قنينة دواء قد ينقذ حياتهم وحياة من يعيلونهم. وانا واثق كل الثقة من أن سيادة رئيس الجمهورية ndash; الذى ارجو له الشفاء التام - كان سيؤيدنى فيما ذهبت اليه لو كان فى حالة وعي تام وقابلية للتعبير عن رأيه.