quot;عندما يغيب العدل.. لا تسأل عن الفرق بين (الدولة) وعصابات قطاع الطرقquot; (القديس الفيلسوف (الأمازيغي) أوغسطين)
في فبراير عام 2010 شرفت بحضور المؤتمر الدولي الخامس حول quot; تاريخ المسيحية والرهبنة في أسوان والنوبة quot; بدير الأنبا هيدرا بأسوان، وكتبت مقالا في quot;إيلافquot; آنذاك عن هذا الحدث العالمي الذي شارك فيه صفوة علماء الآثار والقبطيات في العالم، تحت عنوان quot;كنيسة عبدالله نرقيquot; 7 فبراير 2010.
أمام هذه الحفاوة العالمية غير المسبوقة بحضارة النوبة وأسوان ndash; التي تزداد يوما بعد يوم - سألت الخبير العالمي ndash; ورئيس المؤتمر - quot;فوزي اسطفانوسquot; أستاذ التخدير بمستشفي كلبفلاند بالولايات المتحدة : هل يمكن أن يلعب أهلنا في النوبة دورا في وصل ما أنقطع مع إفريقيا خاصة مشكلة quot; مياه النيل quot;؟.. قال : نعم.. وأنا مستعد لعمل كل ما يخدم مصر، لكن بعد موافقة الرئيس quot; مبارك quot; شخصيا. تحمست جدا للمحاولة وقابلت أحد المقربين من الرئيس، ووعد بالرد السريع لأنها قضية أمن قومي لا تحتمل التأخير، وفوجئت بعد أيام برد الرئيس (البليغ) عبر هذا الصديق quot; الوسيط quot; : أنسي هذا الموضوع!
أتصور أن (نسيان أهلنا) وتجاهلهم في النوبة وفي سيناء وفي مطروح والسلوم (وفي الصعيد الجواني)، ناهيك عن الأطراف الحدودية والعشوائيات علي الحواف، أبعد من تحميل جماعة الإخوان المسلمين (الإرهابية) كل الجرائم الحالية والسابقة والقادمة، كما أنه (أكبر) من قدرات الرئيس مبارك العقلية والسياسية، الذي تفنن في إضاعة مصر بالقطعة علي مدار ثلاثين عاما (سابقة ولاحقة)!
مشكلة معظم الحكام العرب الجهلاء تكمن في تجاهلهم للحقائق علي الأرض، وابتكارهم لأعتي الأساليب التي تقمعها وتلغي وجوهها وتنفيها إلي سراديب الظلم والظلام، إنهم لا يعرفون أن ما يقمع لا يختفي أبدا ndash; كما قال عمنا quot; فرويد quot; ndash; وهو ما صاغه أدبيا العبقري quot; إميل زولا quot; : quot; إن أخرست الحقيقة ودفنتها تحت الأرض فسوف تنمو وتنبت quot;.. السلبية والتقاعس عن أداء الواجب الوطني والحلول الأمنية الفظة واستخدام سياسة فرق تسد بين المصريين جميعا منذ عام 1952 وحتي اليوم، دمرت أهم مقومات الدولة المصرية.
الدولة تقوم في شكلها الحديث علي اقليم له حدود ثابته نسبيا، وهي (مكلفة بالسكان) الذين يقطنونها، وهي ذات سيادة لا تخضع من حيث المبدأ لأي سلطة أعلي، وتعترف بها الدول الأخري بهذه الصفة. الدولة الحديثة تقوم علي العدل وسيادة القانون والمساواة بين المواطنين جميعا في الحقوق والواجبات، وهي التي تحمي (مواطنيها) وتفرض نفسها بوصفها إطارا للتضامن المؤسسي بين الأغنياء والفقراء والاصحاء والمرضي والفاعلين وغير الفاعلين، سكان الشمال والجنوب والشرق والغرب علي السواء.
حين يفتي أحد شيوخ الغبرة بعد المجزرة البشعة في أسوان (بين quot; الدابودية quot; وquot; الهلايل quot;)، بأن القاتل والقتيل (من الشهداء) لأن القتل تم بسبب الفتنة الإخوانية، هذا معناه أنه لا توجد (دولة) ولا (قانون) ولا (عدل) ولا يحزنون، الشهادة ndash; حسب المفهوم الإسلامي ndash; تكون أمام الأعداء وليس بين أبناء الوطن الواحد وشركاء الأرض، لأن (كل دم المصريين حرام) إلا إذا اعتبرنا أن أهلنا في النوبة أو في أسوان ليسوا (مصريين)!
حين يصدر الدكتور quot; محلب quot; رئيس وزراء مصر ndash; الذي استبشر البعض به خيرا ndash; قرارا يمنح التزام طريق (شبرا ndash; بنها) للقوات المسلحة مدة quot; 99 عاما quot;، كما جاء في جريدة الشروق أمس الأحد، فإن هذا القرار يصبح اعترافا من الدولة بأن الجيش الذي يسيطر بالفعل علي (60%) من اقتصاد مصر هو بالفعل quot; دولة قائمة بذاتها quot; داخل (الدولة المصرية) ndash; ولا أقول quot; دولة احتلال quot; مثلما يزعم البعض!
عندما تخلط النخبة (المثقفة) بين الحكم والسياسة ولا تعرف الفرق بينهما، قل علي الدولة السلام، يقول صديقي quot; حازم حسني quot; أستاذ العلوم السياسية تعليقا علي حديث الأستاذ المخضرم محمد حسنين هيكل : quot; أكدت خلال السنوات الثلاث الماضية علي ضرورة التمييز بين معادلات الحكم ومعادلات السياسة... الجيش عنصر مهم في معادلات الحكم في مصر.. لكنه لا يجوز أبدا أن يتحول إلي عنصر من عناصر معادلات السياسة، وإلا دمر الجيش الحياة السياسية ودمرته.. ودمرته.. ودمرته!!quot;.
أحداث أسوان مجرد عرض لمرض عضال يكشفت ndash; للمرة الألف ndash; عن غياب كامل للدولة ومؤسساتها المختلفة.. لا يجب أن يتحدث أحد بعد اليوم عن quot;الانتخابات الرئاسيةquot; والدولة العميقة والرخوة والفاشلة... إلخ.... يجب أن نرسي دعائم الدولة المصرية - التي انهارت - quot;أولاquot;.. قبل أن نبحث عن من يحكمها ويرأسها!
[email protected]
التعليقات