كنتُ ورشيد الدين بن خليفة نستذكر بصمت بعض القراءات المهجورة للقرآن وقدمت له تعليقة لي قديمة كي يصحح لي موارد النقص فيها، كتبتها هنا ثم حذفتها لطولها وغرابتها لكونها من مقام التوقي والاجتناب، تركنا السطور في الأوراق وأخذنا نبحث عن سطورٍ مخفية بين العيون، حتى توقفنا عند قول سورة آل عمران (يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون)، فتعذر علينا نسخ ما اتفقنا عليه من شرح و تعليق و قررنا حذف ماكتبناه كلياً:

الشاشات الكمبيوترية صناديق كبيرة للعقول، و العقل اضيق من قلب طفل صغير. ف فالقلوب حينما تتنوّر تكون مثل المخطوطات النادرة تُتلف بأقل عملية استنساخ. و في زمن (الوورد) و الـ بي دي أف، مَن له صبر قراءة مخطوطة؟!

أواه قل لي يامعلم كيف اتحول الى فراشة كي اقترب من هذا اللهب؟! (يا أيها الذين آمنوا أصبروا و صابروا) أين أنت يا معلمي فمنذ غبت تحول طلسماً هذا الكتاب، اراقب جمهور تطربه ارخص اغنية اكثر من أية آية، فمن يستطيع أن يتعلم المصابرة في عصر سرعة المعلومة و سرعة الاتصال؟! بين رجاء الصبر و فصح المعاينة كنتُ ارقب عصافير حديقة المنزل و هي تتعلم البراءة من قلبك (النقاء و الارتقاء ص173) أيهٍ أيه، هل تسمع: (ورابطوا لعلكم تفلحون)؟! لقد عجبتُ ممن يربط ماله في جيب و زوجته في عقدٍ و مكانته في وظيفة، و يترك قلبه صعلوك مُشرد في شوارع الأفكار و أزقة الشكوك، يقتات على المزابل و ما يتصدق عليه السابلة من فتات المناهج و المصطلح.. و كيف للمعلم أن يرشد إلى الفلاح و أثمن ما فيك قلبك و قد ضيّعته و أرخص مافيك قالبك وقد زّينته و حرسته؟!.

لقد صرعني تكرار الياء في هذه الآية، لمن كانت هذه الرّنة و لماذا لم تعد تلهمنا تلكم الأجراس القديمة؟!، قلبك جرس يقرع في مسجد الصدر منذ سنين : يـ ا.. أيـ ها.. أنّا لك أن تفهم فالضفادع لا ترقصها أناشيد العاصفة.

أذهب.. أذهب بعيداً ضع عقلك في مزاد شاشات الأنترنت، و اترك مصابرة العشاق يفلحون في أرض القلوب حصادهم الوافر، لقد عافك الكتابُ منذ عفت قلبك