يحدثنا الأستاذ محمد الرميحي، في مقال بعنوان quot; مسلمو أوروبا والعودة إلى عاصمة الخلافةquot;، عما يجري تلقينه في المدارس الإسلامية الخاصة بمدينة برمنغهام، ثاني كبريات المدن البريطانية. ويظهر أن هذه المدارس [ باكستانية أو عربية] تأخذ رسميا بالمناهج الرسمية البريطانية، ولكن الشكوى هي من المدرسين الذين يلقنون الطلبة بأفكار كراهية الآخر وبالتعصب والانغلاق. وهذه المدارس، التي تسمى بمدارس quot;الهجرةquot;، تقيم المعسكرات والندوات التي تستشهد من التاريخ الإسلامي بما يغذي التعصب ضد الآخر. ولعل تفسير القائمين بأمر هذه المدارس الحرص على صيانة quot; هويةquot; المسلمين في الغرب، ولكيلا تذوب في هويات غريبة عنهم وquot;منافية للإسلام.quot;. ويخبرنا الكاتب أن برمنغهام أصبحت أرضا تصدر المتشددين، من سوريا والى الصومال. وقد افتخرت حركة الشباب الصومالية الإرهابية بأنها حولت المدينة الى ساحة تجنيد، ونشرت صورا بذلك. وفي المدينة ذبح شاب إرهابي مسلم [ كان قد تحول للإسلام] جنديا بريطانيا أمام الناس وفي وضح النهار .
إن جميع فروع التطرف الإسلامي، بمذهبيه، دعاة أو أحزابا أو أنظمة، تعمل وتستميت للسيطرة على سلك التعليم لقولبة الشباب فكريا وسلوكيا كما يريدون ، فالمدرسة خاصة [والبيت والجامع او الحسينية] هي التي تربي الناشئة، وعلى طبيعة البرامج واتجاهات المدرسين تعتمد نوعية الخريجين. وليس من الصدف عداء الإسلاميين للعلوم الاجتماعية، وللفلسفة خاصة، حيث أن الإسلاميين لا يريدون تربية الناشئة على الفكر العلمي الحر وملكة التمحيص والتدقيق والانفتاح على القيم المستنيرة والثقافات الحديثة. ورغم أن الجاليات المسلمة في الغرب تتلقى كل أشكال المعونة وتتمتع بالحرية الدينية وببقية الحريات، إلا أن الدعاة المتطرفين يعملون جهدهم لوضع الحواجز بين مسلمي الغرب والمجتمعات التي تستضيفهم، وذلك بذريعة الهوية الخاصة وما يمثله الغرب من خطر عليها. وهذه المواقف والممارسات والتصرفات، وكما كتبنا مرارا كثيرة، تشجع على بروز مشاعر مضادة عند بعض الأفراد والجماعات الغربية وردود فعل عنصرية، وربما إلى العنف، وتخلق انطباعات بأن المسلمين في الغرب يريدون تغيير الهوية والثقافة الغربيتين. وانظروا لما يجري في دولة أفريقيا الوسطى كرد فعل على عمليات وممارسات الإرهاب القاعدية، من شباب الصومال وغيرهم، حيث نشأت بالضد تنظيمات مسلحة مسيحية راحت تفتك بالمسلمين هناك عشوائيا، وبما حول البلد لساحة مذابح يومية.
إن القلق الأوروبي الغربي من خطر التطرف والإرهاب الإسلاميين هو احد أسباب اللامبالاة بالمذابح اليومية في سورية، ولاسيما ما يسببه الخوف من عودة المتطوعين المتشددين إلى الدول الغربية التي يعيشون فيها. وقد فهم بشار الأسد والمالكي وإيران وروسيا [*]مدى قوة وتداعيات هذا الهاجس الغربي، فراحوا يرفعون شعار مكافحة الإرهاب لصرف نظر الرأي العام الدولي عن جرائم النظام السوري وعن رعاية إيران والأسد للإرهابيين، وعن العدوانية التوسعية الروسية، وللتعتيم على دور المليشيات الحزبية الشيعية في العراق والتي تحتمي بالحكومة، كما يستخدم الشعار انتخابيا هناك. وقد حذر توني بلير في خطابه منذ يومين من عواقب عدم مبالاة الغرب بمنطقة الشرق الاوسط ومشاكلها، مبينا أن ما يجري فيها يمس مصالح الغرب كله. وهذا تحذير لأمثال اوباما ومن يشايعونه النظرة السياسية والموقف. وهذا التحذير من بلير يدل على بعد نظر ونضج سياسي؛ ولكنه، في الوقت نفسه، يقع في خطأ التقليل من الخطر الروسي باسم المخاطر القادمة من الشرق الاوسط. فهو يدعو للعودة لكسب روسيا والتعاون معها بذريعة مواجهة الخطر المشترك وكأن عدوانها على أوكرانيا يستوجب صرف النظر عنه . بلير ينسى أن روسيا قد غزت أوكرانيا للتو وابتلعت جزءا هاما من أراضيها، وأنها تواصل تهديد أوكرانيا باكتساح مناطقها الشرقية. لقد أصاب بلير في التنبيه لخطورة أيديولوجيا التطرف الإسلامي ووجوب عدم الفصل بينها وبين ممارسات العنف والإرهاب. وكان هنا يقصد الإخوان المسلمين، الذين نشأت تحت خيمتهم فروع ومدارس مختلفة من التيارات والجماعات المتشددة. ولكن لا نعتقد أن بلير لم يقرا التقارير التي نشرتها رويترز وغيرها عن المذهب الأيديولوجي الذي يبشر به بوتين، ويريد صوغ عقليات الروس وفقه. وقد قال في برنامج تلفزيوني منذ ايام قليلة quot;إن روسيا او أي فرد ينتمي إلى العالم الروسي يفكر أولا، وقبل كل شيء آخر، بان للرجل مصيرا أخلاقيا ساميا والقيم الغربية تقول على العكس إن النجاح يقاس بالنجاح الشخصيquot; ووفقا لمشروع السياسة الثقافية الروسية الجديدة الذي نشر هذه الأيام، فان quot;روسيا تقف عند مفترق طرق وعليها أن تختار بين التراجع الثقافي والحفاظ على أسسها الأخلاقية والمعنوية والحل يكمن في سياسة ثقافية للدولة.quot;[ أي كالعهد السوفيتي]. وقال وزير الثقافة الروسية إن quot;روسيا ستكون ربما آخر حراس الثقافة الأوروبية والقيم المسيحية[**] والحضارة الأوروبية الحقيقيةquot;. وفي مقال لنا سابق بعنوان quot;بوتين وروسيا العظمىquot; تطرقنا الى مشروع بوتين المخصص للتعليم الثانوي لإعادة كتابة التاريخ الروسي بحيث يبدو كله ناصعا وساطعا حتى عصر إيفان الرهيب وعصر ستالين. والإعلام السائد البوم في روسيا يعيد ما كان يردده الإعلام السوفيتي من أن روسيا قلعة محاصرة وعدوها الغرب، وخصوصا الولايات المتحدة. وبكلمة، فإن مذهب بوتين الثقافي والتربوي يؤكد على أن روسيا فوق الجميع، كما كان شعار الهتلريين: quot;ألمانيا فوق الجميعquot;. وهذه الأيديولوجيا خطرة على السلام العالمي والقانون الدولي وسيادة الدول. وإذا كانت أكثرية دول العالم تكافح التطرف والإرهاب الإسلاميين، والقاعدة مطاردة برغم استمرار جرائمها، فإن الخطر الروسي أكبر، فروسيا دولة كبرى ونووية ولها موارد طبيعية هائلة وعلاقات دولية متشعبة، وقد انفتحت شهيتها للغزو والتهام الدول الأخرى، وهي تدعم الأسد وايران، وتشل مجلس الأمن.
لا يجوز نسيان خطر كبير حين نؤكد على خطر كبير آخر، فالمشاكل الدولية مترابطة ومتشابكة.

[* بوتين يصف بالإرهابيين المجرمين حكومة كييف لأنها تكافح العصابات الروسية المسلحة التي تحتل المباني وتحرق الأعلام وتطارد الأوكرانيين. هؤلاء ليسوا إرهابيين، ولكن من يدافع عن سيادة ووحدة أراضي بلده هو الإرهابي!]
[** من الطريف اللاطريف، وما يدل على ما أصاب كثيرين من الروس من هوس هذه الأيام أن الكنيسة الأرثوذكسية تطالب بمناطق من آلاسكا مدعية أنها كانت عائدة لها! وحدث quot;طريفquot; لا طريف آخر هو ضبط وإذاعة مكالمة هاتفية بين سفيرين روسيين في دولتين أفريقيتين. يتمازحان عشية ضم القرم. أحدهما يقول ضاحكا:quot; سوف نطالب بميامي، قائلين إن فيها جالية روسية يجري اضطهادها. يجيب الثاني ضاحكا وهو يذكر اسم مدينة أوروبية تستحق المطالبة بها.. ]