ما هو الأصل في السياسة؟! هل هو الشعارات أم المضامين، التنظيرات أم التطبيقات؟!. لا شك أن السياسة منذ أرسطو و حتى هنتنغتون، هي من قسم العمليات حيث مطلب السياسة هو العدل. فهي من مُدركات العقل العملي و ليس النظري. و هذا مُتفق عليه منذ العصور السحيقة لعلم الكلام و حتى البحوث السياسية المعاصرة. لكن على الرغم من هذه البديهة نجد في العراق (كما هو حال بلدان العرب الأخرى) تعويم السياسة على قشة اللافتات. يكفي ان يكون الحزب او الزعيم او الكتلة، الفلانية ترتدي مسوح الدين حتى تتلاحق إصدارات فتاوى بشرعية انتخاب هؤلاء الاسلاميين و تحريم انتخاب العلمانيين. و كأن الدولة هي دولة إسلامية تشمل حجاب مذيعات القنوات الرسمية و غير الرسمية وعدم وجود حفلات إمتاع بعد رمضان و قبله فضلاً عن استضافة اشهر الراقصات و المطربات باسم رئيس الوزراء نفسه، و وقوف العمامات البيضاء و السوداء في مجالس و أحزاب تنتسب لعوائل فقهية، بجنب نساء ذات مكياج صارخ. بالإضافة الى سرقة المال العام الذي بات كأنه من الامور البديهية، كل ذلك و هذه الأحكام ولا زالت هذه الأحزاب تُسمى إسلامية و دينية!. هنا خرج علينا فقيه يعاني من شبه احتضار مُدد على فراش الموت منذ أكثر من سنة أسمه كاظم الحائري(نقاشنا بعض افكاره في كتاب : محمد الصدر كفاح الجماهير). و هو رجل دين إيراني يعيش في مدينةquot;قمquot; لم تصدر له أية فتوى بحق لباس الصبايا في طهران و أصفهان، و ليس له أي دور في مشاكل قمع الثورة الخضراء في بلاد فارس، و ليس له أي صوت في كل مشاكل ايران، الصغيرة و الكبيرة. لكن ما أن اقتربت الانتخابات العراقية حتى دبت فيه الحياة و أصدر فتوى بتحريم انتخاب العلمانيين. و لا اعتقد أن الرجل أو اتباعه يعرفون معنى العلمانية هنا، سوى تقويض التهديد الذي يواجه حزب الدعوة و أخواته في الخراب، من غضب الشارع العراقي الذي ملّ من تكرار أخطاء الواقع التي يتم تغطيتها بوعظيات المنابر و شعارات المذهب. لقد كان كاظم الحائري في السابق فقيه حزب الدعوة لكن الحزب عزله حيث تسبب كاظم الحائري بإحراج الحزب أمام التنظيمات التي كانت تأتيه من بغداد و غيرها و لم يستطع منحهم أية تنظير ممكن التطبيق. قد يكون كاظم الحائري له حظ من الذكاء في العلوم التجريدية كقواعد علم الاصول لكن في مشاكل الحياة و تركيباتها لايمكن للانسان الاعتماد عليه و يمكن لأي أحد الرجوع الى كتاب (دليل المجاهد) الذي كتبه للعناصر القتالية للمعارضة في الاهوار و المُدن، ليجد ان الرجل كان يستسهل قتل الاطفال لكونه لم يكن يستطيع رؤية مرونة الواقع قياساً بالقواعد الصُلبة لمنهج تجريدي بات يزداد فشلاً مع تقدم العصر و تشابك العلوم و الحياة. و لو أنا راجعنا تاريخ الموقف الفقهي القديم لوجدنا ان الفقهاء شيعة (مثل ابن طاووس) و سنة (مثل ابن تيمية) قالوا بشرعية الحاكم العادل ولو لم يكن مسلماً (فضلاً عن ان يكون علماني يؤمن بفصل الدين عن الدولة، أو حرية الاعتقاد) وعدم شرعية الحاكم الظالم و لوكان سيداً هاشمياً. فالسياسة مطلب عملي يُراد منه إدارة المصالح الواقعية وليست الشعارات الإنتمائية. فالناس تريد من السياسي ان يسهر على احتياجاتهم و ليس أن يصلي بهم. إنه الفنتازيا العراقية تهجو كل مثقف ينتقد المشهد العراقي إذاما كان بعيداً عن البلاد بحجة كون بعده المكاني يشوش رؤيته النقدية، لكن حينما يتدخل فقيه محتضر شبه فاقد للوعي لا يعلم منذ عام ماذا يجري في الزقاق المجاور له، لكنه يفتي بشأن بلد كامل لم يره منذ 30 عاماً أو اكثر، فهنا يتم السكوت و كأن مجرد شهرة الاسماء و اللألقاب تفضي نوعاً من الحُجة و الدليل الذاتي. و في نفس السياق يتم إسكات خبراء و اساتذة في الشأن السياسي بينما يطوف صبي من صبيان عائلة معمم آخر أسمه بشير الباكستاني النجفي، بالطواف في أزقة النجف يحرض فيها ضد كتلة حزب الدعوة التي رفعت الان مطلباً في البرلمان بمعاقبة من يتعرض لكاظم الحائري. بمعنى أننا هنا أمام حرب فقهاء من ذات الطائفة و ليس فقط صراعات احزاب و مذاهب مختلفة. و السؤال ماذا لو قام فقيه عراقي باصدار فتوى تخص الانتخابات الإيرانية و الشأن الإيراني؟!