على الرغم من استخدامنا وممارساتنا واستمتاعنا اليومي بالاختراعات العلمية ونتائج الأبحاث والتطورات في مجال العلوم والتكنولوجيا، إلا أننا لا نزال نشهد إقبالا ضعيفا من عامة الجمهور والناشئة على متابعتها والاهتمام بها؛ لهذا يحاول العلماء والإعلاميون العلميون والخبراء والمهتمون بشؤون وأساليب تبسيط وتوصيل العلوم والتكنولوجيا وتطوراتها السريعة اقتراح أساليب وبرامج علمية غير تقليدية، لكنها فعالة ومثيرة وجذابة ويمكن أن تساعد في دمجهم وجذبهم للاهتمام بها. ومن بين هذه الأساليب "مهرجانات العلوم" (Science Festivals) التي تعتبر أحد أهم الأساليب والوسائل العلمية والتعليمية غير التقليدية المثيرة والمميزة والمتكاملة والفعالة لنشر الوعي العلمي وتقديم الأنشطة العلمية واستعراض وتوصيل آخر التطورات والمنجزات والأبحاث العلمية وبخاصة بين عامة الجمهور، لتصبح العلوم في متناول الجميع.
ومهرجانات العلوم العالمية التي تنظم سنوياً وبخاصة في الدول المتقدمة، تحظى دائماً باهتمام عالمي وإعلامي متزايد، ومن بين أهم هذه المهرجانات العلمية المهرجان السنوي الذي تنظمه "الرابطة الأميركية لتقدم العلوم"The American Association for the Advancement of Science (AAAS)، والمهرجان العلمي السنوي للرابطة البريطانية لتقدم العلوم The British Association for the Advancement of Science، ويعد هذان المهرجانان من أضخم وأبرز المهرجانات العلمية في العالم .
هذه المهرجانات العلمية تلعب أدوار تعليمية وتثقيفية بارزة نحو تشجيع ودعم العلوم والتكنولوجيا وزيادة الوعي بأهميتها في تقدم البشرية وبخاصة بين الطلبة وعامة الجمهور، إذ تهدف الى جعل العلم متاحا لكل الأفراد والأعمار بمختلف خلفياتهم الثقافية وإعطائهم الفرصة لالتقاء العلماء وجها لوجه وسؤالهم عن أبحاثهم العلمية، وكذلك التعرف على أحدث التطورات والدراسات والبحوث العلمية في كل مجالات العلوم والمعرفة، خاصة علوم ودراسات المستقبل الحديثة، حيث يلتقي الآلاف سنوياً من مشاهير العلماء والباحثين من جميع أنحاء العالم لحضور مئات المحاضرات والمنتديات التي تعقد على مدى أيام المهرجان، كما يقوم هؤلاء العلماء بتقديم وتبسيط مختلف العلوم وآخر التطورات العلمية للعامة، كما يتبادل العلماء والسياسيون المعلومات ووجهات النظر والآراء والأفكار من أجل إرساء روابط قوية بينهم. وتمتاز هذه المهرجانات بتنوع المجالات والموضوعات العلمية المطروحة للبحث والنقاش، ويغطي كل هذه المجالات مجموعة من أبرز وأشهر علماء العالم، كما أن هذه المهرجانات فرصة متميزة لتوجيه الطلاب علمياً وممارسة العديد من الأنشطة العلمية واكتشاف المواهب العلمية، حيث تقدم فيها العديد من البرامج والأنشطة العلمية المميزة وبخاصة لطلبة المدارس، والتي تنمي لديهم المهارات العلمية ومهارات البحث العلمي .
ومن المهم هنا أن نشير ونشيد بمهرجان العلوم في أبوظبي، الذي يحقق سنوياً مزيداً من النجاح والتألق، ويسعى دائماً لتقديم البرامج والفعاليات العلمية المتنوعة، التي تتضمن العديد من العروض وورش العمل التفاعلية والعملية، وذلك بهدف تشجيع الطلبة والأطفال وعامة الجمهور على التفاعل والإهتمام بالعلوم منذ الصغر، مثل عروض الروبوتات، التي تجتذب العديد من الطلبة والجماهير، والتي يتاح من خلالها أن يلتقوا مع مصممي هذه الروبوتات، للتعلم ومعرفة المزيد عن هذه التكنولوجيا الواعدة عالمياً.
لقد آن الآوان أن تحتل مهرجانات العلوم مركز الأهمية والصدارة في عالمنا العربي، وبخاصة مع التطورات المذهلة والسريعة الحادثة في العديد من مجالات العلم والتكنولوجيا وخصوصاً الحديثة منها كالنانوتكنولوجي (التقنيات المتناهية الصغر) والخلايا الجذعية والاستنساخ والجينات والروبوتات والذكاء الصناعي، وأيضاً هناك ضرورة أن تستغل هذه المهرجانات في إثارة العديد من القضايا التي أصبحت تهدد مستقبلنا الآن مثل قضية التغيرات المناخية والاحتباس الحراري. فمن الممكن أن تحتضن مدينة عربية ـ بالتناوب بين الدول العربية ـ مهرجان سنوي دولي للعلوم، يتضمن العديد من البرامج والأنشطة المميزة، ويدعى اليه مجموعة من أبرز علماء العالم في مختلف مجالات العلوم والتكنولوجيا، مع أهمية أن تنال هذه المهرجانات العلمية الدعم الحكومي والاهتمام الإعلامي المناسب، كما يحدث في عالمنا مع العديد من المهرجانات الأدبية والشعرية والرياضية والسينمائية والفنية، ومن المهم كذلك أن يشارك في هذه المهرجانات علماؤنا في نشر الوعي العلمي وتقديم آخر التطورات والمستجدات العلمية بين عامة أفراد الشعب وبخاصة بين طلاب المدارس، والمساهمة في اكتشاف ورعاية المواهب العلمية، التي تعد سمة مميزة من سمات الدول المتقدمة.

& كاتبة وباحثة في الشؤون العلمية