أثار الإستفتاء الذي دعا له مسعود بارزاني رئيس إقليم كردستان العراق لتقرير مصير الأكراد في العراق و إعلان إستقلالهم النهائي و إنفصالهم التام عن العراق و إقامة جمهورية جنوب كردستان الكبرى حفيظة العديد من القوى الإقليمية و الدولية لتوقيته غير المناسب وفقا لرؤية الإدارة الأميركية التي أعلنت بأن الوقوف ضد داعش يتطلب عراقا موحدا وقويا وليس كيانات إنفصالية تحصن نفسها و تستفيد من أزمات الآخرين!، لقد كان واضحا بأن الإستعجال في رسم خارطة طريق إستقلال و إنفصال كردستان من جانب حكومة أربيل قد جاء بعد فقدان حكومة العراق للسيطرة على محافظة نينوى و توابعها و إمتداد المعارك لحدود كردستان في تكريت و مدن غربي العراق مما مهد الطريق لقوات البيشمركة الكردية التوغل بعيدا و إحتلال كركوك النفطية بدعوى حمايتها من داعش و أخواتها!، بينما كانت الحقيقة تقول بأن ماحدث كان إستغلال فرصة ذهبية لتأكيد سياسة الأمر الواقع وإستكمال الحدود المطلوبة للدولة الكردية المنشودة، وجاءت تصريحات الكاكا مسعود التصعيدية برفضه الإنسحاب من المدن و القصبات التي إحتلتها قواته لتدعم هذا الرأي!، رغم أنه يعلم علم اليقين بأن ساعة الحقيقة و المواجهة الميدانية في كركوك لم تأت بعد بسبب تداخلات الوضع العراقي، و بأن حرب الإستنزاف المهلكة التي سيقوم بها العرب و التركمان في كركوك ستكلف الحكومة الكردية غاليا وستطيح بكل جهود الإستثمار و البناء في أربيل!، فكركوك لايمكن لتهامها بجرة قلم، وهي مشكلة عراقية عويصة فشلت الحكومات العراقية السابقة في حلها ولايمكن للمعدة الكردية أن تهضمها بسهولة بل سنرى في قوادم الأيام ردود أفعال مروعة نسأل الله أن يجنب الأبرياء و المساكين و المدنيين تبعاتها و نتائجها.

لقد فتح الكاكا مسعود صندوق العفاريت على مصراعيه وباتت الأيام القادمة حبلى بتطورات مثيرة وخطيرة ستتجسد ميدانيا و ببشاعة، و التحذير الأمريكي من الإستقلال و الإنفصال يصب في هذا الإطار، ثم أن دول المنطقة و أبرزها النظام الإيراني لايمكن له أبدا أن يبارك ذلك الإنفصال الذي يعني دق المسمار الأول و الأخطر في نعش وحدة دولة الولي الفقيه ذاتها التي تعيش على براكين خامدة و نشطة من أتون الحمم و الصراعات الإستقلالية القومية في عربستان و كردستان و أذر بيجان و بلوشستان!!

وهي كلها مشاريع جاهزة للإشهار في أي فرصة مناسبة، لذلك سيعمل النظام الإيراني ما بوسعه لمقاومة مشروع الإنفصال الكردي التام وبكل الوسائل المتاحة وهو قادر على جعل أربيل جحيم بسبب الوضع الجغرافي لكردستان العراق و الذي يجعلها تحت رحمة الأقوياء من الجيران، وتركيا ذاتها التي تمتص شركاتها عوائد الإستثمار لن تذهب بعيدا في دعم الإنفصال الكردي بل ستتوقف عند مساحات وحدود معينة لكون الأكراد يشكلون في الجنوب الكردي حجما كبيرا ولكون قضية حزب العمال الكردي التركي وقائده المعتقل أوجلان لم تزل ساخنة و بحدة هذه الأيام، مسعود بارزاني يحاول إستغلال الفرصة التاريخية المتاحة بضعف حكومة بغداد التعبانة و المنقسمة على ذاتها، ولكن ضعف بغداد لايعني أبدا قوة أربيل!، لقد نشطت الجاليات الكردية في الغرب بتنظيم التظاهرات لدعم رؤية وخارطة طريق بارزاني ولكنهم تناسوا حقائق ستراتيجية مهمة وأهمها موقف الغرب و الولايات المتحدة تحديدا وليس موقف إسرائيل التي تبارك أي إنقسام إقليمي لأنه خشبة إنقاذ لها!، فالتمسك بالدعم الإسرائيلي هو إمعان في سياسة هوجاء و فاشلة و مفتقدة للمصداقية و الضمير!

ويبدو أن سعي حكومة أربيل للإنفصال و الذي أباركه شخصيا قد جعلهم ينسون الماضي القريب وحين تنادت دول المنطقة لضرب إستقلال جمهورية مهاباد الكردية التي أقيمت في شمال غرب إيران برئاسة قاضي محمد في مطلع عام 1946 وتحت الحماية السوفيتية أيام الإحتلال السوفياتي لشمال إيران ثم بسبب موقف الغرب المعادي لها إنهارت تلكم الدولة وتم إعدام رئيسها قاضي محمد في ربيع 1947 ومن ثم هروب وزير دفاع تلك الدولة وكان والد السيد مسعود وهو الجنرال السوفيتي الملا مصطفى بارزاني لموسكو و بقائه هناك حتى أعاده الزعيم عبد الكريم قاسم بعد إنقلاب 14 تموز 1958 في العراق! ثم قيام الملا مصطفى بعض اليد التي أكرمته و أعادته لوطنه في إعلان العصيان المسلح في أيلول 1961 والذي كلف العرب و الأكراد الكثير الكثير من الخسائر...! في الشرق القديم و التعيس يبدو أن لا أحد يتعظ أو يتعلم من دروس الماضي... ومصير جمهورية مهاباد هو الذي ينتظر بكل تأكيد جمهورية مسعود الجديدة... و خليكوا شاهدين على الخيبة التاريخية لمن يحاول إقتناص الأزمات و التربح من دماء الشعوب و معاناتها.&

&

[email protected]

&