آسيا بنت مزاحم، أسماء، أم الحكم، أم جميل، أم سلمة، أم كحلة، بلقيس، جويرية، حفصة، حواء، زليخة، زينت بنت جحش، سودة، سارة، فاختة، فضة، فاطمة، عائشة، ميمونة، مريم، وغيرهن. هذه الأسماء التي ذكرتها هي للنساء اللواتي تكلم عنهن القرآن الكريم دون ذكر الاسم الصريح باستثناء مريم ولو أن القرآن نزل في وقتنا الحاضر لذكر هذه الأسماء صراحة والسبب في ذلك أن القرآن لم ينزل بلسان العرب فقط وإنما راعى تقاليدهم وعاداتهم فكان العرب عندما يتحدثون عن المرأة فإنهم لا يذكرون اسمها صراحة وهذا ضرب من الحياء الذي يمتازون به حتى أصبح هذا الأمر طبيعة راسخة لديهم. وحين نزل القرآن الكريم أبقى كثيراً من الملكات التي ألفوها ولم يكن بمعزل عنها إضافة إلى أسباب أخرى وآداب أصبحت كالقواعد القرآنية التي لا حول عنها.
&أما مريم فلا يمكن أن تعرف في القرآن إلا بذكر اسمها لأجل أن يعرف الناس أن عيسى ليس له أب لذلك فقد نسب لها وأصبحت علمية مرافقة لاسمه وهو مرافق لها في أغلب الآيات التي تطرقت إلى أمرهما. وقد كان الشعراء العرب يمتازون بهذه الصفات أيضاً والذي يشذ في ذكر اسم المرأة يعتبر خارجاً عن العادات المألوفة لديهم لذلك تجد الكثير منهم يرمز إلى حبيبته دون التعريف باسمها أو أنه يذكرها معرفة باللقب فقط كما جاء في معلقة طرفة بن العبد حين أشار إلى حبيبته ووصفها بالمالكية في قوله:
&كأن حدوج المالـكية غدوة......خلايا سفين بالنواصف من دد.&
وأنت خبير من أن هذه السنة قد وجدت في أغلب المعلقات فعلى ما كان فيه امروء القيس من مجون فإنه جارى وراعى تقاليدهم بقوله: أفاطم مهلاً بعض هذا التدلل. إذ إنه رخم اسم حبيبته وما صرح به تصريحاً كاملاً بينما ترى المتعففين منهم من أمثال زهير بن أبي سلمى يترفع حتى عن الترخيم كما في قوله:
&أمن أم أوفى دمنة لم تكلم......بحومانة الدراج فالمتثلم.&
وقد جرت هذه السنة حتى عند المتأخرين عن العصر الجاهلي مثل ابن الفارض الملقب بـ "سلطان العاشقين" وهو من الذين عاشوا في أواخر العصر العباسي نراه يخاطب المرأة التي كانت تنقل إليه أخبار حبيبته دون ذكر اسمها بقوله:
&يا أخت سعد من حبيبي جئتني......برسالة أديتـها بتلطف.
&وبالعودة إلى العصر الجاهلي نجد النابغة الذبياني لم يذكر اسم فتاة الحي في معلقته التي يقول فيها:
أحكم كحكم فتاة الحي إذ نظرت......إلى حمام شراع وارد الثمد&
&يحفه جانبـاً نيــق وتتبـعه......مثل الزجاجة لم تكحل من الرمد.
&وبالإضافة إلى هذا فإن أغلب الشعراء يستخدم اسم ليلى كناية عن حبيبته لأن هذا الاسم أصبح مشهوراً لدى العاشقين تجنباً لذكر اسم الحبيبة الحقيقي وقد سرت هذه السنة إلى عصرنا هذا. من هنا نكون قد عرفنا السبب الذي جعل القرآن الكريم لم يصرح بأسماء النساء. وهناك عادات وتقاليد كثيرة عند العرب خلاف الأسماء أبقاها القرآن الكريم على ماهي عليه، وقد ذكر في تاريخ العرب قبل الإسلام إن أهل الجاهلية كانت لهم سنن ساروا عليها أبقى الإسلام أعظمها وأسقط بعضاً منها ومن هذه السنن: الطلاق الثلاث والخطبة أي خطبة المرأة إلى أبيها أو أخيها أو أولياء أمرها والحج إلى البيت والعمرة والطواف والتلبية والوقوف بعرفات والهدي ورمي الجمار والاغتسال من الجنابة وتغسيل الموتى وتكفينهم وقطع يد السارق والوفاء بالعقود والصوم.&
وقد قيل للنبي (صلى الله عليه وسلم) إن الله قد ذكر الطواف بالبيت ولم يذكر الطواف بين الصفا والمروة (كعادتهم) فهل علينا إثم أن لا نطوف بهما فأنزل الله تعالى قوله: (إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما) البقرة 158. وبالعودة إلى أمر المرأة يتبادر إلى الأذهان أن هناك أشياء كثيرة وخصوصيات تهمها قد أخفاها القرآن في حين جعلها ظاهرة عند الرجل كخطاب الناس بصيغة المذكر ولم يذكر الحالة التي سوف تكون عليها في الجنة كما هو الحال مع الرجل من ذكر حور العين وصفاتهن وبكارتهن وأكثر من هذا أن جمال المرأة الذي لا يختلف عليه اثنان لم يشر إليه القرآن منسوباً إليها وإنما ذُكر منسوباً إلى يوسف، وكذلك فإن القرآن الكريم لم يطنب في الكيفية التي خلقت فيها المرأة كما هو مفصل في خلق آدم. للإجابة على كل هذه الأسئلة نستطرد نفس القاعدة التي ذكرناها في الأسماء. فبالنسبة لخطاب الناس بصيغة المذكر لا يعني أن هذا يخص الرجال دون النساء لأن هذا نابع من نفس السبب إذ نرى أن الشعر العربي فيه الكثير من الشواهد التي يخاطب فيها الحبيب محبوبته بصيغة المذكر كقول أحدهم:
&يامن هواه أعزه وأذلنـي......كيف السبيل إلى وصالك دلني.&
وكما جاء في معلقة طرفة بن العبد:
وفي الحي أحوى ينفض المرد شادن......مظاهر سمطي لؤلؤ وزبرجد.&
وبالإضافة إلى هذه القاعدة التي ليس عليها غبار فهناك أسباب أخرى جعلت أمر المرأة في خفاء وهو حرص القرآن الكريم على عفتها وعدم الاسفاف بها مما يجعلها مكرمة ولذلك فقد أظهر الله تعالى أمرها بنفس النسبة التي أباحها لها في إظهار زينتها كما قال: (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) النور 31. أي إن هذه النسبة تتمثل في الوجه والكفين على رأي أغلب المفسرين وإن كان قابل للنقاش، أما الجمال الذي نسب إلى يوسف فهذا كان على لسان النسوة أنفسهن كما في قوله تعالى: (فلما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن وقلن حاش لله ماهذا بشراً إن هذا إلا ملك كريم) يوسف 31.&
فإن قيل: كيف وصفن يوسف بالملك وهل أن الإنسان قد رأى الملك من قبل؟ أقول: لقد استقر في النفوس أن الملك جميل كما استقر فيها أن الشيطان قبيح لذلك حين وصف الله تعالى شجرة الزقوم قال: (إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم***طلعها كأنه رؤوس الشياطين) الصافات 64–65. وبنفس هذه القاعدة والحياء لم ينسب القرآن الكريم مراودة امرأة العزيز ليوسف من حيث هي امرأة للعزيز لذلك قال: (وراودته التي هو في بيتها) يوسف 23. ولكن في الآية [30] قال: (وقال نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه)، لأن هذا ليس كلامه المباشر (جل شأنه) وإنما كلام النسوة فتأمل ذلك.
&فإن قيل: ماذا تعني بمصطلح الجنة القرآنية الذي ورد في عنوان المقال؟ أقول: لا أقصد الجنة التي تقابل النار وإنما أشتق هذا اللفظ من الأصل الذي يعني التغطية والستر أي إن المقصود هو الغيابة القرآنية والعمق في المعنى كقول العرب: جنة البئر أي غيابته والجزء غير المنظور منه وهذا اللفظ ومشتقاته تكاد تكون معانيه متقاربة، فالجنة بفتح الجيم: تعني الأشجار الكثيفة التي تظلل الأرض وتسترها كما في قوله تعالى: (أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا) الإسراء 91. وبكسرها: تعني الجنون أي ما يغطي العقل ويستره كما في قوله: (إن هو إلا رجل به جنة فتربصوا به حتى حين) المؤمنون 25. أما بضم الجيم فتعني الحاجز المانع كقوله: (اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله إنهم ساء ما كانوا يعملون) المنافقون 2. ومنه قول النبي: (صلى الله عليه وسلم) الصيام جنة من النار. أي حاجز مانع منها، ومنه الجنين لاستتاره في بطن أمه والجن لاستتارهم عن العيون. من هنا نعلم أن هذه الأسماء قد أخفاها الله تعالى ولم يصرح بها في القرآن الكريم، ولهذا قلنا.. أسماء النساء في الجنة القرآنية.
&
التعليقات