&
شخصيا كنت معجبا بتجربة حزب العدالة والتنمية التركي وزعيمه السيد رجب طيب اردوغان، وكنت اعتقد انه يعطي صورة سليمة وواقعية للعمل السياسي تحت اليافطة الإسلامية، تكاد ان تكون قريبة من يافطة الأحزاب المسيحية الديمقراطية في الدول الغربية والتي لا تأخذ من المسيحية، الا التسمية والفخر بالتراث، ولكنها تتبني كل المفاهيم الإنسانية العامة والحريات الفردية كافة. ومما حدانا للاعتقاد بهذه الصورة كانت خطواته الخاصة بحل المشكلة الكوردية والانفتاح نوع ما لمشاكل الأقليات القومية والدينية الأخرى في تركيا. الا انه الظاهر اننا كلنا ننخدع مرة تلوة الاخرة بالزعماء ذي النبرة العالية والتي لا تحقق في النهاية الا التشبث بالمنصب باعتبار انه الزعيم الوحيد القادر على تحقيق إنجازات وليس هناك له بديل اخر. ولذا فانه حاول تغيير الدستور لكي يحصل على الصلاحيات الكافية كرئس للجمهورية لكي يحكم ويتحكم بالامور والمذهل انه في خطبه الأخيرة اختار نموذجا ليحتذي به هتلر زعيم المانيا النازية. &او أساسا ان اردوغان لم يكن مؤمنا بما طرحه وعمله في البداية، بل انه كان يمارس نوع من الخداع حتى يتمكن ومن ثم يظهر وجهه الحقيقي، ولذا راينا سياسة اردوغان وحزبه تتغيير نحو الإسلامية التقليدية ودعم الغير المباشر للاسلام الراديكالي بعد انتخابه لثالث مرة لرئاسة حكومة تركيا، وتجذرت بضمان انتخابه رئيسا لتركيا.
في الآونة الأخيرة وبعد انعقاد مؤتمر حزب الشعب الجمهوري، سرت دعايات كثيرة عن تحول هذا الحزب المؤسس من قبل مصطفى كمال اتاتورك، الى اليسار المتطرف وان زعامته تتحكم فيها الطائفة العلوية. والظاهر ان الدعايات ليست بريئة بل هناك من روجها ونشرها لغايات خاصة، ولعل أهمها دعوة غير مباشرة للسنة الاتراك لعدم التصويت لهذا الحزب لانه بات يمثل مصالح الطائفة العلوية، علما ان لا احد من السياسيين يعلن عن طائفته بشكل صريح.ويضيفون بانه مؤيد للكورد بدليل وجود شخصين كورديين في قيادته ومسيحي واحد.
من المظاهر الأخرى التي تدعو الى اعتبار السيد اردغونا سائرا نحو الطريق الخاطئ او الغير المنتظر بل المكرر لتجربة اغلب القادة الشعبويين الدكتاتوريين ممن ساهموا في قيادة دول المنطقة الى التراجع والتخلف الحضاري، بعد ان كانت الامال منعقدة عليها للحاق باوربا، هو ان اردوغان بدلا من ان يرسخ الانطباع الإيجابي الاولي عنه وعن حزبه الإسلامي، انجر الى محاولة تحقيق بطولات على مستوى العالم الإسلامي، فبدلا من استثمار علاقات تركية الدولية لحل مشاكل المنطقة وانخراطها في حركة تنموية تستفيد منها تركيا، قام بتبني خطابات القوميين العرب والإسلاميين المتشددين. وجعل من تركيا جزء من المشكلة وليس حلالة المشاكل. وخاصة في موقفه من إسرائيل والوضع الليبي والمصري.
وباعتقادنا ان كلمة نائب الرئيس الأمريكي السيد بايدن والتي تظهر بانه يساوي بين حزب العمال الكوردستاني وداعش، فيها رسالة أخرى اكثر جذرية، وهي ان مطلوب من تركيا ان تترك داعش ودعمها عسكريا وسياسيا مقابل خطوات معينة تجاه حزب العمال الكوردستاني، الذي احتاط لمثل هذه المواقف بذكاء من خلال انشاء واجهات متعددة له يمكن ان تلعب دور في الحل السياسي، يمثل ارادته &وتطلعاته. الا ان النقد الموجه لتركيا كان واضحا من خلال تركيز بايدن على قيام الدولة التركية بالتضييق على الحريات وخصوصا الصحفية والانترنيت.
بدء انتشار الخطاب الطائفي التحريضي، مثال حزب الشعب الجمهوري، والعلاقات الإقليمية المتوترة، والغالب فيها الصراع والعداء، وتغليب التوجهات الأيديولوجية على المصالح القومية، سيقودان الى تحلل ما يربط الاتراك (بمفهوم الدولة وليس القومية) بعضهم ببعض تدريجيا والاحتماء بالانتماءات الأخرى مثل القومية والطائفة. وهذا ان كان حاصلا وبقوة لدى الكورد، فانه بداء حقيقة لدى اطراف أخرى مثل العلويين، الذين يرون ان دعم الدولة التركية لداعش هو في الضد من تطلعاتهم ومصالحهم في حماية اخوتهم في الطائفة العلوية في سورية، وبالأخص بعد ان مال الزعيم التركي اردوغان الى الأطراف السنية في المنطقة بشكل سافر، كاشفا وجها طائفيا قاتما.
من هنا ولاجل تحقيق مصالح شخصية وتطلعات قيادية وباي أسلوب، لا يمانع السيد اردوغان وحزبة من نشر الخطاب الطائفي في دعوة الغير المباشرة &للسنة للتمترس والدفاع عن ذاتهم من خلال دعم حزب العدالة والتنمية. مما سيؤدي حتما الى انقسام مجتمعي ويخلق الأرضية لدعوة تقسيم تركيا ومن مثل هذه الدعوات الشرعية المطلوبة.

&