ما شهدته اكثر من مدينة تونسية منذ نحو عشرة ايام يدعونا لتذكر ما مر به هذا البلد من ثورة وصفت لـ " الياسمين " أدت لرحيل زين العابدين بن علي ، ولكنها لم تمهد الطريق إلي تحقيق أهم الشعارات التى رفعت في ذلك الوقت وفي مقدمتها توفير فرص اكبر لتشغيل الشباب الذين &اشعل محمد البوعزيزي النار في نفسه &( 17 ديسمبر 2010 ) تعبيرا عن يأسهم وتفشي مظاهر الفقر وزيادة مؤشرات التفاوت بين فئات الشعب وتقلص سياسات العدالة المجتمعية .. يدفع المتابعون للأزمة الحالية إلي تحميل رئيس الجمهورية وحكومته مسئوليتها دون أن يعفوا رئيس حركة النهضة الإسلامية الشيخ راشد الغنوشي منها بصفته مشاركاً في الإئتلاف الحاكم .. كلاهما متشدد في فرض شروطه وكلاهما يُجيش القوي الحزبية والمجتمعية من أجل تحصيل عدد أكبر من النقاط لصالح أهدافه المعلنة والخفية ..&
اشتعلت الشرارة الأخيرة بسبب ما وصفته القوي السياسية بمحاولات توريث حافظ السبسي – نجل رئيس الجمهورية - رئاسة الحزب الحاكم / نداء تونس ، تمهيدا لأن يجلس محله فوق كرسي رئيس الدولة .. حيث شكك كثيرون في مقومات فوز الابن بمنصب المدير التنفيذي للحزب " الذي يرأسه والده " مما فتح الباب لسيل من الإدعاءات التى اتهمت السبسي الأب بالتدخل لصالح الإبن .. وبلغ بعضها حد إتهامه بأنه يعمل علي فرض آلية توريث عفا عليها الزمن ..&
ولم يوفق رئيس الجمهورية ضمن خطابة بمناسبة الذكري الخامسة للثورة أن يقنع العدد الأكبر من رفاق الدرب من قيادات حزبه ولا القطاع الأكبر من إبناء شعبه بعدم مصداقية هذه الأقاويل ، وعابوا عليه أنه يستعين بحزب النهضة لتمرير هذه الآلية في مقابل منح قادته الحق في المشاركة في السلطة علي حساب مبادئ حزبه وقناعات قياداته ..&
زاد من حرارة هذا الإشتعال الإنقسامات الحادة التى شهدها الحزب وأدت إلي إستقالة عدد من الوزراء والأعضاء الحزبيين .. مما أثر مبارة علي أغلبيته البرلمانية ، الأمر الذي يهدد بحالة من الإنسداد السياسي يخشي الكثيرون في الداخل والخارج عواقبها التى قد تتحول إلي أعمال شديدة التطرف ..&
الإحتجاجات التى إنطلقت من مدينة القصرين وغيرها دفعت القطاع الأكبر من الشعب التونسي للتعبير عن حسرته الكبيرة التى ظل يعاني منها علي امتداد الخمس سنوات الماضية &لأن شيئا مما كان يطمح إليه لم يتحقق&
&
لماذا لم يتحقق ؟؟ ..&
لأن عشرات الألآف لا زالوا يعانون من قلة فرص التوظيف والتشغيل المتاحة ، لذلك يتظاهرون بصفة متكررة احتجاجا علي تراجع ظروفهم المعيشية إلي مستوي اقل مما كان عليه حالهم قبل خمس سنوات .. ولازالوا يفتقدون إلي العدالة والأمن ، ولم يجدوا لهم حتى اليوم مكان بالقرب من داوئر صنع القرار رغم الوعود التي ملوها ..&
ولأن تكرار الوقفات الإحتجاجية وتزايد عدد ضحاياها لم يدفع حكومة تونس إلي البحث الجدي عن حلول جذرية لما تعاني منه فئات الشعب المهمشة من إهمال في كثير من المستويات ..&
ولأن الشاب رضا اليحياوي الذي مات مصعوقاً بالتيار الكهربائي بينما كان يتسلق عمود الإنارة &ليلفت النظر إلي حالته أثناء وقفه احتجاجية بالقرب من مقر محافظة المدينة !! أعاد إلي الأذهان صورة " البوعزيزي " وفرض علي المجتمع كله سؤال ، ليست له إجابة محددة .. يقول .. هل عادت تونس إلي المربع رقم واحد بعد خمس سنوات ؟؟ ..&
خاصة وان هذه الحالة المتأزمة تحولت بسرعة إلي مواجهات عنيفة مع قوات الأمن سواء بترديد الشعارات المناوئة للحكومة ولتحالفاتها الحزبية أو بإستعادة الهتافات التى تعكس مطالب " ثورة الياسمين " التى لم تتحقق ، أو بإشعال إطارات السيارات والرشق بالحجارة وعبوات المولوتوف ، مما دفع المؤسسات الأمنية إلي الإستعانة بوحدات عسكرية لتأمين الممتلكات العامه والخاصة والجماهير ..&
إمتداد الإحتجاجات والتظاهرات من القصرين إلي العديد من المحافظات التونسية بما فيها أحياء كثيرة من العاصمة وسقوط ضحايا من جميع الأطراف مما إضطر الحكومة إلي فرض حظر التجوال ليلاً ، يؤكد أن الأمر ليس قاصراً علي العاطلين الباحثين عن فرص أفضل للعيش بل يمتد ليشمل المطالبين بقدر أكبر من الحرية الرافضين لقواعد التحالف مع حزب النهضة ، المصرين علي ضرورة إستكمال " المشروع المدني الحداثي الديموقراطي " في البلاد ..&
تواصل الإضطرابات يعلن عن رفض غالبية فئات الشعب التونسي التى انتخبت حزب " نداء تونس " للتوافقات التى يرسخها مع حزب النهضة ، وعن إعتراضه علي نتائج مؤتمر سوسة التى اعلنت يوم 10 الجاري حيث وصفها الكثيرون بـ " الإنقلابية " علي ما طرحه الحزب من برامج وإصلاحات ووعود شعبية منحته الأغلبية داخل المؤسسة التشريعية .. &
التقارير الداخلية تنوه أن حالة الشعب التونسي التي لم تشهد تطوراً ملحوظاً علي مستوي التشغيل والتنمية ، وتؤكد أن مؤشر البطالة في إرتفاع متواصل بلغ مستوي 3ر15 % خلال الربع الأخير من العام الماضي .. وتُرجع سبب تباطؤ عجلة التنمية إلي تصاعد موجات الأضطرابات التى امتدت إلي العديد من القطاعات الاقتصادية وأيضا إلي هروب حجم كبير من رؤوس الأموال بحثاً عن مواطن إستثمارية أكثر أمنا وإستقراراً ، في ظل تضخم مديونية الدولة مع توالي الشهور ..&
الحكومات التونسية المتعاقبة وخاصة الترويكا لم توفق في إيجاد الحلول العملية لأزمات قطاع الشغيلة بسبب أنها تشكلت وفق مبادئ المحاصصة الحزبية وليس في ضوء معايير الكفاءة والقدرة علي الرؤية السياسية ، لذلك لم يقتنع المحتجون من أبناء القصرين بالوعد الذي قطعه علي نفسه رئيس الجمهورية بتوفير 6000 فرصة عمل لهم ووصفوها بـ " بالحلول الترقيعية والمسكنات التى لا تؤدي الي إتفراجات جذرية " ..&
وكلتا الحكومتين الترويكا والحالية قدمت الكثير من الوعود وتبنت العديد من المخططات الإنمائية التى لم يُنفذ منها شئ .. وكلها كانت تطرحها وقت الازمات – كما هو حادث اليوم – ثم تتناساها .. ثم تطرحها عند إندلاع الأزمة التالية ، وهكذا دون مكاشفة عن آليات تحقيق ما تخخط له أو مصارحة كافية بما تتعرض له من عقبات بسبب تحالفاتها الحزبية مع حزب النهضة او ما تعانية من ضيق أفق الإستثمار الخارجي وقيود المساعدات والمنح الدولية المجحفة .. &
الحكومة الحالية التى أظهرت أرتباكاً ملحوظاً علي مستوي تعاملها مع الأزمة الحالية وبرهنت علي أنها تفتقد للتنسيق فيما بين أعضائها من ناحية وبينها وبين مؤسسة الرئاسة من ناحية أخري ، تتهم البرلمان بأنه يشل يدها لأنه لا يُشرع لما يَدعم سياساتها !! لذلك لا نستغرب ما يؤكده حقوقيون أن أحزاب الإئتلاف بما فيها حزب النهضة تعمل لتوسيع سلطات رئيس الحكومة علي حساب سلطات المجلس التشريعي المنتخب ..&
الحكومة الحالية متهمة بأنها لا تعالج مشكلة الفساد السياسي والإداري بشكل جذري ، ومتهمة بأنها لا تملك رؤية سياسية واضحة لتنفيذ برامج إجتماعية وإصلاحية رشيدة تعود بالنفع المباشر علي المواطن الذي لا زال يعاني أشد المعاناة من تضاؤل فرص التشغيل ومن إهدار بعض المؤسسات الحكومية للمال العام ومن تعمد بعض رجال الأعمال تهريب أموالهم للخارج دون ملاحقة من جانب مؤسسات الدولة ذات الاختصاص سواء كافة أمنية أو رقابية ..&
حتى الخطاب الذي ألقاه رئيسها الحبيب الصيد بعد عودته المتعجلة من دافوس وطالب فيه الشعب التونسي بـ " الصبر " موضحاً أن كافة الحلول التى يطالبون بها للخروج من هذه الأزمة متوافره " ولكنها تفرض عليهم التروي ، لأن الصعوبات شديدة ويحتاج حلها لبعض الوقت " قوبل بإستهجان شديد عبر عنه العديد من المحتجين بالخروح ليلا أثناء ساعات حظر التجوال !! خاصة وأن جلسة مجلس الوزراء الطارئة التى عقدها ( السبت 24 يناير ) لم يصدر عنها قرارت مطمئة علي اي مستوي ..&
الكثير من السياسيون غير المنخرطين في الإئتلاف الحكومة ..&
- يخالفون بشدة موقف زعيم حزب النهضة المؤيد علي طول الخط لمقولات الحكومة الداعية للهدوء والإنضباط من أجل الأحتفاظ لحزبه بنصيب داخل التحالف الحاكم ..&
- ويرفضون مقولات المؤامرة التي يزعم البعض أنها هي التى تشعل الاحتجاجات وتفتعل المصادمات الدامية ..&
ويحذرون في الوقت نفسه من إندلاع ثورة شعبية أخري لا يعرف أحد هذه المرة .. ما إذا كانت ستتوافر لها متطلبات السلمية !! أم سينفلت من بين يدها مزمام الأمر ويقع الإنفجار المجتمعي الذي تخشاه جميع الاطراف !! ..&
&