يعد مجال الروبوتات من المجالات التي تشهد حالياً تقدماً سريعاً ومذهلاً، وسباقاً محموماً وبخاصة في الدول المتقدمة، وقد أصبحت تكنولوجيا الروبوتات صناعة عالمية واعدة، كما أصبح مستوى تطويرها معياراً لقياس قوة الدولة الصناعية.
وهناك عدة عوامل تدفع نحو الإهتمام المتزايد بإعتماد تكنولوجيا الروبوتات في مجالات الحياة المختلفة، منها تحسين الإنتاجية في بيئة عالمية أكثر تنافسية، وتحسين نوعية حياة الأفراد، وتجنيب البشر مخاطر القيام بالأعمال الخطيرة والصعبة.&
وفي ظل اقتصاديات السوق والعولمة والمنافسة الدولية يصبح استخدام الروبوتات في الصناعة ضرورة حتمية، حيث ستؤدي لظهور صناعات وخدمات جديدة تتطلب عمالة عديدة، وقد يعتقد البعض أن استخدام الروبوتات في الصناعة، قد يكون له نتائج سلبية، بل على العكس ففي بعض الصناعات كالسيارات مثلاً، سيؤدي عدم استخدام الروبوتات لتقليل التنافس، وكساد الصناعة وتهديد العمالة. ومن المتوقع أن تشهد سوق الأنظمة الروبوتية والعمليات المؤتمتة، نمواً كبيراً في الإستثمارات في منطقة الشرق الأوسط في الفترة المقبلة.&
وفي السنوات القليلة المقبلة سوف تلعب الروبوتات وخاصة الروبوتات الإجتماعية والشبيهة بالبشر في المظهر والتصرفات والسلوكيات أدواراً أكبر بكثير في حياتنا. وهذا الأمر الجديد يثير الكثير من التحديات والتداعيات الإقتصادية والإجتماعية والأخلاقية والقانونية الجديرة بالبحث والمناقشة، والتي من بينها المخاوف من تهديدها للوظائف والأعمال، ومدى القبول الإجتماعي للروبوتات وكيفية التواصل والتفاعل بينها وبين البشر، بالإضافة الى قضايا السلامة والأمن والخصوصية والمسؤولية في التعامل مع الروبوتات. على سبيل المثال هناك حالياً مخاوف وتساؤلات أخلاقية وإجتماعية معقدة نتيجة تفاعل وتعامل الروبوتات مع البشر، من بينها: هل سنتقبل الروبوتات بيننا في المجتمع، وكيف ستكون نظرتنا للروبوتات الشبيهة بالبشر والقادرة على التعرف على مشاعرنا، بالإضافة الى حدود المسؤولية والخصوصية عند إستخدام الروبوتات، مثلاً: إذا أصاب الروبوت عطل وتسبب في حدوث أضرار لشخص ما، من هو المسؤول؟ هل صاحب الروبوت أم الشركة المصنعة له أم الروبوت نفسه؟، وإلى أي درجة من الأمان يجب أن تكون عليه الروبوتات قبل أن يتم نشرها في المجتمع ككل؟، والمخاوف من تهديد وإنتهاك الروبوت للخصوصية الشخصية للأفراد،وماهي الضوابط والتشريعات القانونية والأخلاقية المناسبة قبل نشر الروبوتات في المجتمع؟
ولعل السؤال المهم المطروح هنا هو: هل نحن جاهزون بالفعل لعصر الروبوتات؟
يمكن القول بأن هناك حالياً جهودا متنامية نحو الإهتمام بعلم وصناعة الروبوتات، إلا أنها غير كافية، فما زال العالم العربي يعاني نقصاً شديداً في الخبراء والمتخصصين في مجال الروبوتات، وكذلك نقصاً في معامل ومراكز البحوث والتطوير في مجال الروبوتات والذكاء الصناعي، وكذلك نقص في البنية التحتية العلمية والتكنولوجية اللازمة لبحوث وصناعة الروبوتات، بالإضافة الى النقص في الثقافة الروبوتية وتعليم البرمجة.
&التطورات والمنافسات العالمية الهائلة والمتزايدة في &مجال الروبوتات والذكاء الإصطناعي تدعونا حاليا الى إجراء دراسة وافية متعمقة للخلفية التكنولوجية والإقتصادية والإجتماعية للدول العربية، والتعرف الى الروبوتات المتاحة حالياً في الأسواق لإختيار المناسب منها للتطبيق، مع التأكد من المقدرة العلمية على استيعاب المشروعات الروبوتية، من حيث القدرة على التركيب والصيانة والتدريب ومراعاة جوانب الأمان والسلامة والقبول الإجتماعي عند الإستخدام، مع دراسة المميزات التي تتصف بها الروبوتات المراد إستخدامها في العالم العربي.
اقتراب عصر الروبوتات يضطرنا الى الإهتمام ببحوث الروبوتات والذكاء الصناعي ومتابعة التطورات والفرص الواعدة في هذا المجال، بهدف تنشيط صناعة الروبوتات في العالم العربي، وتأهيل وإعداد أبنائنا للتعامل مع الثورة الروبوتية القادمة، وذلك من خلال الاهتمام بالتعليم الصناعي والفني القائم على أحدث تكنولوجيا العصر، وما يرتبط به من علوم حديثة مثل الروبوتات والذكاء الصناعي والنانوتكنولوجيا والأجهزة الإلكترونية والميكانيكية الدقيقة، حيث يتوقع العديد من الخبراء بأنه في الألفية الثالثة، سوف تحل الروبوتات محل الإنسان في مختلف مجالات الحياة، وسوف تستغني المصانع والمؤسسات والشركات عن العمال والموظفين غير المهرة الذين لا يتقنون فنون تشغيل وإدارة أجهزة الروبوتات، وبكفاءة تعادل كفاءة هذه الأجهزة، من حيث السرعة والدقة والجودة.
&ومن الضروري أيضاً التوسع في نشر مراكز متميزة لبحوث الروبوتات والذكاء الإصطناعي، وكذلك الإهتمام بنشرثقافة الروبوت من خلال إدخال علوم الروبوت والذكاء الصناعي في مدارسنا وجامعاتنا، وكذلك &تأسيس المراكز والنوادي العلمية المتميزة، مع ضرورة الاهتمام بأدب "الخيال العلمي" الذي يعد من المداخل الضرورية لتنمية الثقافة العلمية، ولا يجد الاهتمام الكافي في عالمنا العربي، رغم أن كلمة "روبوت" وردت أولاً في أعمال وكتابات الخيال العلمي، بهدف تنشيط خيال أبنائنا وإعدادهم للتعامل والتفاعل مع تكنولوجيا الروبوت، ومن ثم ابتكار روبوتات عربية &تتناسب مع عالمنا العربي وثقافتنا ومجتمعاتنا، وتساهم في حل ومعالجة بعض المشكلات التي نواجهها.&
&
& د. خليل أبو قورة- باحث واستشاري ومؤلف (بالاشتراك) لكتاب "تحديات عصر الروبوتات وأخلاقياته"، الصادر عن "مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية"، سلسلة "دراسات إستراتيجية"
&