عاد الحزب الشيوعي الفلسطيني يخطب خطاب الأحزاب الشيوعية التي لم تعلن بعد إفلاسها عقب اتهيار مركز الثورة الاشتراكية العالمية المتمثل بمشروع لينين البلشفي في موسكو. في السادس من مارس آذار 1919 أعلن لينين لدى افتتاحه الاجتماع التأسيسي للأممية الشيوعية أن البروليتاريا الروسية وقد أثبتت أنها متقدمة على البروليتاريا في أنجلترا وفي ألمانيا هي منذ اليوم التي تقرر مصائر العالم، وأن الثورة الشيوعية غدت مضمونة النجاح.

&

الأحزاب الشيوعية التي لم تعد تعترف اليوم بوجود المشروع اللينيني وبوجود الثورة الشيوعية، وبأن البروليتاريا الروسية ليست هي التي تقرر مصائر العالم، هذه الأحزاب يستوجبها الشرط الأدنى من الأمانه أن تعلن تخليها عن اللينينية وعن الماركسية تبعاً لذلك، وأن تعلن إفلاسها. وعليه فالأحزاب التي ما زالت ترفع راية الشيوعية وتخلت بنفس الوقت عن الماركسية اللينينبة إنما هي أحزاب تناقض نفسها بنفسها ولذلك لن تكتب لها الحياة، وستموت وتتلاشى وكأن شيئاً لم يكن.

&

ليس من وسيلة تغطي إفلاس هذه الأحزاب سوى استبدال نداء الثورة الشيوعية التي كان لينين قبل قرن "أحمر" قد أكد انتصارها على صعيد العالم، استبداله بنداء آخر مختلف، نداء وطني، ينادي إلى مقاومة الاستعمار بعد أن تلاشى الاستعمار!! كان المؤتمر التاسع عشر للحزب الشيوعي السوفياتي بحضور ستالين في العام 1952 قد قرر أن النظام الامبريالي في العالم سينهار في وقت قريب. طبعاً لم يكن حزب لينين بقيادة ستالين يتبنى قرارات رغبوية لا أساس لها ؛ كانت ثورة التحرر الوطني قد أخذت تتعالى في مختلف القارات تبعاً لبروز الاتحاد السوفياتي كأقوى قوة في الأرض في نهاية الحرب العالمية 1945. كانت الهند والصين أكبر محيطين للنظام الرأسمالي العالمي ودول أخرى كثيرة قد تحررت وفكت ارتباطها بمراكز الرأسمالية العالمية. في العام 1972 أصدرت الأمم المتحدة بياناً يعلن نهاية الاستعمار في العالم وهو ما اقتضى حل لجنة تصفية الاستعمار التي كان خروشتشوف قد طالب بإنشائها لدى زيارته الأمم المتحدة في العام 1960.

&

في 17 نوفمبر 1975 قرر زعماء الدول الرأسمالية الخمسة الغنية (G 5) في اجتماعهم في رامبوييه/ باريس الاستغناء عن النظام الرأسمالي حيث لم يعد هناك محيطات لتصريف فائض الإنتاج المتحقق بالضرورة في مراكز الرأسمالية. وتسهيلاً لذلك اتخذوا قراراً بتوسيع التبادل التجاري مع البلدان الاشتراكية وآخر يقضي بغمر البلدان المستقلة حديثاً بالقروض السهلة المخصصة لاستيراد فائض البضاعة في المراكز الرأسمالية. أما قرارهم الأخطر والذي ينقض مباشرة أسس النظام الرأسمالي فكان نقل القيمة من البضاعة إلى النقود وهو ما اقتضاهم سحب عملاتهم من أسواق الصرف التي تحدد القيمة الفعلية لمختلف العملات، وادعوا لأنفسهم الحق بتعيين قيمة العملة خلافاً لقوانين علم الاقتصاد الموضوعية والنافذة والتي تحكم بأن النقد إنما هو يجري مجرى البضاعة وتتحدد قيمته الفعلية في السوق ونحن في غنى عن الإشارة إلى أن دولار اليوم لا يساوي أكثر من خمس سنتات من سنتات 1975. كانت مجمل قراراتهم في إعلان رامبوييه تقول. نحن الدول الرأسمالية الغنية الخمسة سنستمر نتحكم بمقدرات العالم لكن ليس كمنتجين للبضاعة بل لأننا نملك الفيض من النقود الصعبة. هم هنا جهلوا أو تجاهلوا أن عملاتهم الصعبة ما كانت لتكون صعبة بغير إنتاج الفيض من البضائع، وأن قيمة عملاتهم تتحدد بمقدار ما ينتجون من البضائع.

&

الموضوعة الرئيسة في كتاب كارل ماركس الشهير رأس المال (Das Capital) هي أن نظام الإنتاج الرأسمالي ينحصر في إنتاج البضاعة حتى أن ماركس مثّله بالمعادلة (نقد بضاعة نقد) أي أن النقد في

&

محفظة الرأسمالي لا يتزايد إلا من خلال إنتاج البضاعة. خلق النظام الرأسمالي المتجسد بإنتاج البضاعة كونه الوسيلة الوحيدة لمراكمة النقود وهو الهدف الأخير للرأسمالي.

&

كيف للولايات المتحدة أن تتخلي عن الهدف الأخير للرأسمالي وهو مراكمة النقود وتبقى في ذات الوقت رأسمالية؟ كيف لأحد أن يتصور أن هناك رأسمالياً يستمر في توظيف نقوده في صناعة لا تحقق غير الخسارة!!؟

&

الولايات المتحدة الموصوفة بقلعة الرأسمالية تستدين سنوياً من الخارج حوالي 1500 مليار دولار لتغطي نفقاتها ؛ لكأنما هناك نظام رأسمالي يتحقق فيه عجز في الإنتاج بدل فائض للإنتاج، نظام رأسمالي لا ينتج فائض القيمة لم يعرفه كارل ماركس!!

&

الإمبريالية، أعلى مراحل الرأسمالية، التي أفاض في شرحها لينين إنما هي بالتالي تصدير المراكز الرأسمالية (المتروبول) رؤوس الأموال بالإضافة للبضائع إلى الأطراف. اليوم الولايات المتحدة الأميركية تُعتبر أكبر مستورد للبضائع وللأموال في العالم ؛ نصف موازنتها العامة للسنة الحالية هي سندات صينية بقيمة 1500 مليار دولار مستوجبة الإيفاء مع الفائدة. يكد العمال في أميركا في العمل لتوفير الفوائد المصرفية على القروض الصينية والتي في حدها الأدنى أكثر من 60 مليار دولار. تلكم هي قلعة الرأسمالية الإمبريالية!!!

&

ما كان النظام الرأسمالي ليأخذ دوره في التطور الإجتماعي إلا لأنه الأسلوب المجزي في تركيم الأموال. أميركا مدينة اليوم ديوناً خارجية تصل إلى 20 ترليون دولار، فكيف يمكن بحق السماء وصف الولايات المتحدة الأميركية بالرأسمالية الإمبريالية وهي التي يترتب عليها أن تدفع فوائد سنوية لدائنيها الأجانب أكثر من 250 مليار دولار تُؤخذ في النهاية من إنتاج العمال دون غيرهم!؟

&

قد لا يلوم المرء الوطنيين والقوميين إذا ما تحدثوا بمثل هذا الحديث الغبي السقيم والمفضوح فهؤلاء لا سنداً فكرياً لديهم أما الشيوعيون فلديهم الماركسية التي لا تعصى عليها أية قضية في التحليل وإعادتها إلى أصولها، إلى منشئها وأحكامها. لا يمكن لأي شيوعي لم يطلّق الماركسية أن يصف الولايات المتحدة اليوم بالرأسمالية الإمبريالية. الولايات المتحدة التي رئيسها وليم كلنتون انتخبه الشيوعيون وقال في خطابه الرئاسي 1993. الولايات المتحدة لم تف العمال حقوقهم في تاريخها أما أنا فسآخذ على عاتقي أن أرعى حقوق الطبقة العاملة. الولايات المتحدة التي وقف رئيسها المحافظ جورج بوش الإبن يخطب في القاعدة العسكرية (ويست بوينت) يقول في خريف 2003 بعد تحرير العراق من طغمة البعث الدموية. " نحن ندين ونستنكر الإرث الإستعماري للولايات المتحدة التي كانت تؤيد الطغاة ضد شعوبهم. الولايات المتحدة التي أصدر حزبها الشيوعي بياناً عاماً في العام 2008 يطلب فيه من أعضائه انتخاب أوباما لأنه الأقرب للطبقة العاملة ويحمل همومها ؛ بل إن أحد قادة حزب الشاي (نيوت غنغرتش) كتب كتاباً يتهم فيه أوباما ليس بالشيوعية فقط بل وبالبولشفية أيضاً.

نحن هنا لا ندافع عن الولايات المتحدة خاصة والدفاع عنها لا يجلب أي مغنم للشيوعية والشيوعيين إنما ذلك مرمانا السهل القريب في فضح ضلالة الشيوعيين، تلك الضلالة التي تؤذي أبلغ الإيذاء الشيوعية والشيوعيين. الحزب الشيوعي الذي لا يعي أن النظام الرأسمالي قد انهار في سبعينيات القرن الماضي لن ينصر الشيوعية، بل لن يكون إلا عدواً للشيوعية.

&