تشدد وزارة العمل على معاقبة أي منشأة لا تخصص مكان للنساء العاملات لديها، وتؤكد أن عمل المرأة "بمفردها" في المكان المخصص والمغلق أيضاً، يُعد هو الآخر مخالفة وفقاً لقرار المخالفات والعقوبات الصادر مؤخراً. ونحن نريد أن نقف قليلاً عند هذه النقطة.&

فالمرأة تبعاً لنص العقوبة، يجب أن تمتنع عن أداء وظيفتها وتغادر فوراً مكان العمل إذا كانت وحيدة. وهذا يعني أولاً، أنه قطعاً لا يجوز لأي منشأة حتى وإن كانت صغيرة جداً أن توظف أقل من امرأتين في نفس الوقت، ثانياً أن على أي منشأة "إيقاف وتعطيل" جميع الأعمال والمسؤوليات المنوطة بالمرأة العاملة لديها إذا قضت ظروف زميلاتها أن تبقى بمفردها، أي في حال غياب أو تمتع الأخريات بإجازة أو غير ذلك من الظروف.

فنفهم إذن من هذه التشريعات أنها تقضي بأمرين واضحين أحدهما، عزل النساء في أماكن مخصصة والآخر، ضمان عدم بقاء المرأة في مكان العمل بمفردها.

والسؤال الذي أجده ملحاً الآن: كيف تنظر هذه القوانين للمرأة؟

&في ظني وقد أكون مخطئاً، أن هذه القوانين لا تختلف عن القوانين المستمدة من الأفكار الناظرة للمرأة بصفتها كائن "أنثوي مُثير" يجب عزله دائماً عن الذكر حفاظاً على غرائز هذا الأخير هادئة. وأننا معشر الرجال وفقاً لهذه الرؤية، لا نستطيع التمييز بين المرأة في جميع أحوالها، فهي موضع إثارة وفتنة سواء ظهرت بهوية العاملة أو الزوجة أو زميلة العمل. بل أن هذه القوانين تذهب أبعد من ذلك كما أتصور، فهي تفترض ضمنياً وبصورة مسبقة أن الأخلاقيات والعفة والفضيلة لا يمكن أن يتحلى بها العامل والعاملة إلا بعد أن تتجسد في هيئة عقوبات وقوانين!

والسؤال الآخر الذي أجده على أهمية من جانبي: هل تساعد هذه الاشتراطات على تغيير نظرة المجتمع للمرأة السعودية العاملة، وإلى أين تسير بها؟

من الواضح أن هذه القوانين تخالف كثير من القوانين الجديدة التي أعطت للمرأة والرجل حقوق متساوية. ولا داعي لِذكر جملة الأنظمة التي تتعامل معهما (اليوم) على حد سواء كمواطنين دون تمييز. فالمرأة اليوم تتساوى مدنياً وحقوقياً مع الرجل ولها ما له وعليها ما عليه، فلماذا نعمل على تعزيز الفجوة في المساواة بالتفرقة بين الجنسين في أماكن العمل؟

يجب أن نتذكر أن قانون العمل هو ضابط للعلاقة بين العامل ورب العمل، وليس حارساً للفضيلة!

كما يجب أن نتذكر أيضاً أن صناعة المرأة لمواجهة تحديات العمل في الغد، يبدأ بإعدادها اليوم، فهي بحاجة التطلع إلى معارف جديدة، وعملية الإعداد هذه لا تتأسس من خلال عزلها والإغلاق عليها، بل تتأسس من خلال الاحتكاك العملي بخبرات الرجل، كون هذا الأخير أكثر تجارباً وممارسة، وأطول تاريخاً في سوق العمل. فعزل المرأة في بيئة نسوية خالصة، يبقيها ضمن خبرات محدودة في المقابل، بل يجب أن لا نتوقع منافستها للرجل مستقبلاً، إلا في حدود ضيقة جداً.

&إن بعض التشريعات تعمل على تعميق النظرة الذكورية التي تحاول تشريعات أخرى هدمها ومحاربتها، فمن جوانب تتأسس تشريعات ذات بُعد مساواتي وعدلي تنظر للفرد كقيمة لا كجسد، في حين تتأسس أخرى بأفكار عالقة في مخاطر الجسد ولا تنظر للقيمة. فلماذا نخشى اليوم من عمل المرأة والرجل تحت سقف واحد، في ظل الوعي أن كلاً منهم يحمل مسؤولياته الأخلاقية بمفرده، وأن لدينا من القوانين ما يردع وقوع التحرش والجريمة؟&

ومع ذلك، فليس جمعهم تحت سقف واحد هو هدف لذاته، بل هدفه التشجيع نحو& رفع مستوى التشارك في خبرات العمل بين الجنسين، ما يرتقي بفاعلية عمل كلٍ منهم خاصةً المرأة. فالنماذج المشرقة للمرأة السعودية اليوم، والقليلة في نفس الوقت، لا يمكن للبيئة النسوية المعزولة أن تنتج مثيلاتها من النماذج. بل على العكس، سوف يكون نتاجها قدرات محدودة، إنما بأعداد كبيرة وضخمة. وعطفاً على ذلك، فإنني لا أستبعد إمكانية أن يُعالج دمج الجنسين في العمل، حساسية النظرة العامة للجنسين أحدهما للآخر خاصةً في مجتمعنا.&

يقول عالم الاجتماع الدكتور علي الوردي (رحمه الله): "فالمرأة عندما حجزناها وضيقنا عليها أُفق التجوال والاختلاط صار عقلها محدوداً. بل لقد وجدنا المرأة الغربية تنافس الرجل في بُعد النظر وسلامة الرأي، وسبب ذلك راجع إلى انطلاقها الجديد حيث أخذت تعمل معه وتسافر مثله وتدرس كما يفعل هو تماماً".&

*كاتب سعودي