(مثقفون، سياسيون، مؤرخون) يشيدون بفضل (العرب المسلمين) في تحرير مسيحيي سوريا والمشرق من الاحتلال الروماني. كلام يحمل الكثير من المغالطات (السياسية والتاريخية والمجتمعية). المراد منه، تضليل (الراي العام)، و تجميل صورة (الغزو العربي الاسلامي). (العرب المسلمين) لم يحاربوا الرومان لأجل تحرير مسيحيي المشرق، وإنما طمعاً بحكم المنطقة وفرض (الاسلام) كدين جديد على شعوبها. بمعنى آخر(العرب المسلمين) لم يكونوا محررين للمشرق ، وإنما غزاة ومحتلين جدد. وإلا لكانوا تركوا مسيحيي المشرق ، من (السريان الآشوريين، والأقباط)، أن يحكموا أوطانهم التاريخية (سوريا القديمة- بلاد ما بين النهرين - مصر). لو فعلوا هذا، لكانت (الخريطة السياسية)للمشرق، غير التي هي عليه اليوم، ولكان حال شعوبه غير الذي هو عليه اليوم. لا ننفي المظالم التي لحقت بمسيحيي المشرق على ايدي المحتلين الرومان.تلك المظالم دفعت برؤساء بعض الكنائس للترحيب بالغزو العربي الاسلامي.بيد أن الترحيب المسيحي كان يخفي أملاً كبيراً بعودة (البدو العرب) الى من حيث أتوا (الى الصحراء) بعد مكافاتهم بدفع لهم الجزية(ضريبة). كما كان يفعل عادة (العرب البدو) حين يغزون أهل الحضر قبل أن يتحولوا الى الاسلام.حقيقة، لم يتخيل (المسيحيون) المتحضرون، أن يتحول (الغزو البدوي العربيالاسلامي) الى (احتلال دائم) وأن يكون هذا الاحتلال سبباً في انحسار وتلاشي وجودهم من (مهد ديانتهم المسيحية ومن أوطانهم التاريخية).

(معمر) سوري، في حديثه لـ( لمجموعة من الصحفيين السوريين )، كانوا في جولة سياحية ربيع 2006 على المعالم الأثرية في ارياف حمص وحماة، يكشف عن عملية (التطهير الديني) الممنهج، لمسيحيي سوريا والمشرق. يقول المعمر : " نحن بالأساس من الحجاز ، أيام الخلافة العثمانية طلب الوالي من والدي وجدي القدوم الى هذه المنطقة وزودونا بالسلاح (الخنجر والسيف) وأعطونا غنم ومال وقالوا لوالدي وللكثير من قبيلتنا والقبائل الاخرى، نُطلق يدكم على هذه المنطقة. دوركم هو تطفيش سكان هذه المنطقة ومعكم كامل الصلاحية . وفعلا جئنا لهذه المنطقة . سكانها كانوا من الصليبيين (المسيحيين) الكفار الملعونين . الحمد لله تكافئنا وامتلكت أراضي خصبة وجميلة على العاصي. يضيف المعمر " كنا نأتيهم بالحيلة. نعمل لديكم يرحبون بنا ثم يعطونا غرفة نسكن بها ثم نتزوج مرة واثنتين وثلاث ونجلب عدد كبير من الأولاد .. احياناً نترك خرافنا ترعى اراضيهم واحياناً نضيّق الخناق عليهم واحياناً نخطف بناتهم أو نقتل احدهم أو نفتعل مشكل من أجل غنم أو مرعى المهم الله أعاننا وقضينا على وجودهم ..".. يضيف المعمر" ها الحوش وها البيت كان لواحد صليبي كان عنده بنت جميلة ودفعت بأخي على خطفها وأخذها لمنطقة اسمها البارة هناك ولم يدعها تشاهد اباها . ابو ميخائيل اي أباها مات وحيد في هذا المنزل وترك لنا نصف أراضي هذه البلدة وهذا كان سنة ١٩١٩.." . قاطعه أحد الصحفيين، بالقول: يا عم لكن هؤلاء الناس هم سكان هذه الارض سوريون مسيحيون. رد المعمر " لا تغلط أنت شب متعلم ومثقف لا يجوز أن تتكلم هكذا. هذه الأرض أرض عربية أرض إسلامية وكل من يحمل الصليب هو صليبي كافر وعلينا طرده أو قتله من جميع بلادنا الإسلامية.." .

سقوط (دولة الخلافة العثمانية الاسلامية) وقيام(الدول الوطنية) في المنطقة ، لم يُحدث تغير اجابي مهم في الوضع (القانوني والحقوقي والمجتمعي) لمسيحيي المشرق. بقاء (الشريعة الاسلامية) " مصدر اساسي للتشريع في دساتير جميع الدول العربية والاسلامية"، ترك الباب مفتوحاً بتطهير المشرقمن مسيحيه، بطرق واشكال مختلفة. في سوريا، الغارقة في (حرب أهلية)، قبل اسابيع، صادق (مجلس محافظة حماه) ،في اجتماع رسمي ( ٩/٩/٢٠١٩) وبحضور المحافظ، على قرارين رقم ( ٤٧٣ و٤٨٢) يتضمنان الموافقة على إشهار مسيحيتين إسلامهما. (مجلس المحافظة) ، المعني بتقديم الخدمات للمواطنين ومعالجة مشكلاتهم المعاشية، أصبح (دار إفتاء)، يفتي بقضايا الدين ، يحث المسيحيين على ترك دينهم و اعتناق الاسلام. في مصر حوادث (العنفالطائفي) ضد الأقباط المسيحيين في تصاعد مستمر. بدأت باغتيال (بطرسباشا غالي- عام 1910) وهو في منصب رئيس الوزراء. رغم (التغيرات السياسية) التي حصلت في مصر 2011 ، ارتفعت وتيرة الهجمات والاعتداءاتالطائفية ضد الاقباط المسيحيين الى مستويات خطيرة، بالتزامن مع ارتفاع وتيرة (الخطاب الطائفي) المحرض على الكراهية الدينية والعرقية ضد المسيحيين. وصل الحال إلى شروع (الكونغرس الامريكي) بمناقشة "مشروعقرار" ينتقد ازدياد التعصّب الطائفي والهجمات الإرهابية ضد المسيحيين فيمصر. هل سمعتم بحكومة تحتفل بـ"إبادة جماعية لأبنائها"؟ هذا ما فعلته حكومة (رشيد عالي الكيلاني – آب 1933) في العراق. احتفلت بتنفيذ جيشها،بمشاركة العشائر العربية والكردية، مذبحة جماعية بحق أهل العراق الأصلاء (الآشوريين المسيحيين)، لمجرد (انتفضوا) مطالبين بحقوقهم المشروعة ومساواتهم في حقوق المواطنة الكاملة مع باقي مكونات الشعب العراقي. حكومة الكيلاني،اعلنت "الجهاد الاسلامي" على مسيحيي العراق واعتبرت "إبادة الآشوريين" عملاً وطنياً بطولياً. منذ ذلك التاريخ وعمليات التطهير (العرقي والديني)مستمر بحق أقدم المكونات العراقية، وإن بمستويات مختلفة من عهد لآخر. منأصل أكثر من مليوني آشوري مسيحي عراقي في ثمانينات القرن الماضي،اليوم يوجد في كل العراق فقط نحو 300 ألف آشوري ومسيحي.