حسب علم النفس أن&البناء النفسي&للإنسان&البخيل تم&إكتسابه&من تمسكه القوي&بالحياة،&ومن&نظرته&للحياة بأنها ثابتة&ودائمة وغير منتهية، لذا يكون قابضاً على المال حتى في أحلك الظروف بالنسبة له، لأن انهماكه بالجمع،&وكره الإنفاق،&جعلاه يرى الدنيا كلها زائلة والمال&وحده&في ثباتٍ مبين، كما يتأتى حرصه من ظنه بأن معظم إن لم نقل كل الفرص الحياتية قد غادرته،&وما عليه إلاّالمحافظة على ما بين يديه قدر المستطاع،&حتى ولو كان بُغضه للصرف قد يحرمه من العافية نتيجة&النقص الحاد في&غذائه&اليومي،&وحيث يغدو&حاله&عندذاك&كحال مالك صهريج ماءٍ لم يعد يُرفد بمياه&الينابيع أو&الأمطار،&فمن زيادة حرص&صاحبه&على الماء المخزّن&وخوفه من نفاده&يكاد محتوى المخزون&أن&يتأسن&فلا يستفيد من الاحتفاظ به.

من كل بد&أن البخيل يعيش حالة نفسية تعيسة،&ولكنها غير ظاهرة للعيان،&طالما أن تلك الحالة لا تستدعي&فخر الإعلان عنها،&باعتبار أنها مذمومة من قبل عامة الناس، لأن البخيل يعرف بأن أي شكوى من الجود في سبيل الواجب سينكشف أمره أمام الملأ،&ويكون عندها موضعَ&استخفافٍ واستهجان&لدى&كل من يعرفه، لذلك وكوسيلة من وسائل&الحماية&وإبعاد الشبهة عن الذات،&قد ترى مقتّراً يستخف بقرينه الشحيح ويتحدث جهارة عن مقابح البخلاء علّه يبعد التهمة عنه&بضعة&كيلومترات.

ولكن يبقى المبتل بداء الشُّح مثله مثل المبتلين ببعض الأمراض الظاهرةوالمعروفة&لدى&أبناء المجتمع،&بينما&أصحابها يظنون بأن لا أحد يلاحظ&تلك العلل فيهم، أو أن ما من أحد ينتبه إلى الزوايا المخفية في ممارساتهمالسلوكية،&ولا يخطر على بالهم&بأن ما كانوا يخفونه لسنوات طوال&هو في حقيقته ظاهر للعيان&وثمة من&يدرك مكنوناتهم،&والمخفي&عملياً&مكشوف&من خلال تصرفاتهم بين الناس، والذي&عادةً&ما&يظهر في المواقف التي لا يستطيعون فيها&إخفاء&ما يكنونه.

وعلى كل حال فلن نتطرق هاهنا إلى ما ذكره الجاحظ في كتابه&"البخلاء"&ولا إلى الدراسة القيمة عنه،&إنما سنختار حالة وآلية واحدة من آليات البخيل المعاصر،&والتي&ما&تزال&معمول&بها وبكثرة من قبل الكثير ممن يحيطون بنا من الأصدقاء وعلى وجه الخصوص الأقرباء، وهي آلية إظهار الإنزعاج من أحدهم، وخلق إشكالية اجتماعية&ما&لأجل&التخلص من بعض النفقات&التي سيظل يدفعها،&أو هو يشعر&المتهرب&بأنه&مجبر على دفعها،&لذا&لا مفر له منها إلا في حال اختلاق&مشكلة&يجعله يقطع علاقته&بفضلها&إلى حين مع الجهة التي سيضطر&الإنفاق عليها إن لم يجد سبباً لوقف ذلك الإنفاق،&وذلك&سواءً&أكان&مؤقتاً&ذلك&الأمر أم فترة زمنية طويلة، حيث يتذرع الشخص المقتر&حينها&بأتفه سبب حتى يزيح عن كاهله&ثقل الواجب الاجتماعي أو العائلي،&وخاصة&فيما يخص&أقرب الناس إليه كاخوته ووالديه.

ولكي &يتخلص المقتّر من كابوس الإنفاق على الاخوة أو الأب والأم،&فهو لديه قابلية واستعداد دائم للامتعاض من أي كلمة أو موقف،&من أولئك الذين يشعر بأنهم يُشكلون عبئاً اقتصادياً عليه، فهو قد ينزعج من حركة طفل ما في البيت،أو من كلام سيدة ما في العائلة،&أو من موقفٍ عاديٍّ&لا يستدعي الإنزعاج أصلاً بالنسبة للشخص السوي والمتفاعل مع المحيط الاجتماعي والذي لديه المرونة على تقبل الأحداث وأسوأ الظروف والمواقف، لأن آلية الإنزعاج التي يلجأ إليها الكائن الشحيح&هي السبيل الوحيد للتحرُّر من سطوة الواجبات التي يستثقلها،&الواجبات التي يستشعرها&وكأنها مداحل تمشي على جسده،&وهو يفكر ليل نهار للتخلص من عبئها، وتلك الآلية&لا شك&تُستخدم سواء مع الأصدقاء أو مع العائلة والأهل في البيت الواحد.

لذا فإن&المقاطعة على قلب الشحيح كالثلج الذي يغمر المرء المُعاني من&قيظ البيداء،&والمقتر في حقيقته يبقى&جاهزاً لإشهار&المقاطعة مع الجيران،&أو مع العائلة،&أو مع سكان البيت الواحد، فهو قد&يختلق&حجةً تجعله يتحرر من طلبات والدته، وقد يجافي والده عاماً كاملاً أو أكثر إذا&ما&شعر بأن والده بحاجة ماسة للمساعدة المالية من الأولاد، وقد يختلق مشكلة مع أخيه أو أولاده لكي يتحرر من هاجس التواصل معهم، فمجرد أن لا يقوم أحدهم بإلقاء&السلام على الشحيح&من باب السهوِ&قد&تكون فرصة ذهبية&له&لإظهار الإنزعاج،وبالتالي إغلاق باب المودة مع&الطرف الآخر&إلى حين زوال المخاوف&الاقتصادية التي دفعته لاختلاق الذريعة.

والذرائع رغم كثرتها إلاّ&أن المقتّر يتعب أحياناً&في&إيجاد الذريعة&المناسبةالتي يقدر أن يقنع المحيط من خلالها&بصوابية&موقفه&حيالها، وكما قلنا فرغم كثرة الحجج إلا أن القابض على الفلس كما يقبض المرء على السائل&خشية من الإنزلاق&من بين أصابعه، بحاجة ماسة إلى&دلائل&مقنعة&تدعم موقفه، وبعكس التصور العام&عن إنسجام البخيل اجتماعياً،&فالبخيل لا يحب أن تتم معاملته بصدق واحترام وعدل ومساواة لأن تلك&العلاقة السليمة ستجبره على الإلتزام بالكثير من الواجبات تجاه المحيط الاجتماعي أو أهل بيته وعائلته، ولأن التعامل معه بناءً على القيم المذكورة&أعلاه ستكون&لاحقاً&مكلفة مالياً بالنسبة له، لذا يكون في أتم احتراقه الداخلي إن كان الطقس مستقراً من الناحية الاجتماعية في محيطه، ونفسيته لا تكون في حالة الإنتعاش التام،&إلاّ&إذا ما ظهرت المشاكل،&وكثرت الخلافات العائلية، لأن الأجواء المشحونة بالحسد والكراهية وبالتشنجات الاجتماعية هي المنقذ الوحيد للبخيل من الإنفاق على الأهل أو الأقارب أو المعارف.