وتعبير (كيوت) هو تعبير مستعار من صفحات الميديا الشبابية المنتشرة هذه الايام فى مصر، ولا أعرف ان كان هذا المصطلح واسع الانتشار فى المجال الجغرافى للمنطقة أم لا ،وتفسير الكلمة وعلى قدر المامى المتواضع بمفردات لغوية مستحدثة هو :الشخص العاطفى المثالى رقيق الملامح الذى لايميل الى العنف ،أو هكذا أعتقد وهنا يبرز التساؤل الحذر هل ينجح شخص أو مجموعة من الأشخاص يتحلون بهذه السمات (الراقية)فى صناعة احتجاج أو تمرد أو ثورة أو ماشابه ، والاجابه على هذا التساؤل جاءتنا عبر صور الحراك الذى اجتاح لبنان فى الايام الماضية وعلى استحياء تم وصفه بالثورة ، تيمنا بالموجة العاتية التى اجتاحت وتجتاح المنطقة، لكن لبنان له خصوصية يتفرد بها عن كل دول المنطقة دون استثناء ، مما جعل هذا الحراك مختلفا فقد كان أقرب الى فعاليات فنية منها الى مظاهرات ، رقص وغناء ورسوم جدارية وتبنوا مبدأ السلمية، أولا لان كلهم أو جلهم يبدو عليهم تلك السمة التى أسلفنا توضيحها ،ثانيا لأنهم يعلمون أن هناك ميليشيات مختبئة وعنيفة جاهزة للانقضاض عليهم فى أى وقت ،وقد حدث ،ثالثا لأن المكون اللبنانى العرقى والثقافى والاجتماعى والدينى خليط يبدو للوهلة الاولى انه مركب ذائب فى بوتقة ، لكن الحقيقة انه كذلك بتأثير عوامل أو بالأحرى ضغوط منها وعلى سبيل المثال ذكريات الحرب الاهلية المؤلمة ،ومنها التوازنات الدولية وتأثيرها ،ومنها اتفاق الطائف وغيرها كثير، لكن هذا الخليط فى أحايين كثيرة تظهر فصائله منفردة متمحورة ومتمترسة حول وخلف مرجعياتهاالمذهبية والسياسية وحتى العرقية .

تلك كانت مقدمة نمهد بها للادلاء بدلونا فى هذا الموضوع الشائك ،فالثورة يجب أن تكون على نظام حكم ارتكب أخطاء يتوجب معها تنحيته ومن ثم محاكمته، لكن فى لبنان لايوجد نظام حكم ــ وهذا رأى شخصى ــ لكن توجد معادلة أشبه بمعادلة رياضية أو كيميائيةأى تعديل فى أحد أطرافها يقلب ناتجها رأسا على عقب ، فكل طرف قابض على رقمه وأى تفريط فيه أو فى جزء منه هو خيانة للطائفة ، فالبرلمان للشيعة المدعومة من طرف ،ورئاسة الوزراء للسنة المدعومة من طرف ،ورئاسة الدولة للمسيحيين المدعومين من طرف ثالث ،بالاضافة لمكونات فرعيه أخرى لها نصيبها المقنن بحسب آخر اتفاق وهو الطائف ،وكل طرف من هؤلاء له بقعه من الجغرافيا هو الغالبية فيها وله ميليشيات بعضها صريح وبعضها مستتر ، وفى لبنان وضع سياسى شاذ لامثيل له فأنت لاتعرف من يحكم وكلهم (رئاسات )حتى الجيش مكبل بتوازنات طائفية .

نعود الى هؤلاء الشباب الكيوت ــ وعذرا لم أجد جمع لهذه الكلمة ــ فعادة هم الموجة الاولى التى تبدأ أى حراك مسلحين بهواتفهم الذكية ومتمترسين فى خندق الميديا ،رأيتهم بعينى فى مصر نفس الموجه ونفس الملامح ،وهؤلاء نموا وترعرعوا خارج معادلات هذه النظم المتكلسة التى سأموها ومللوا وجوه شخوصها التى بدت لهم وكأنها وجوه أزلية أبدية غير قابلة للتغيير ،سأموها ومللوها لأنها أغلقت عليهم أبواب الأمل فى غد مختلف ،أغلقت عليهم أبواب المشاركة فى صنع مستقبلهم ،فهم جاثمون على صدورهم منذ عقود ولدوا على صور برى ونصر الله وعون وجعجع وجنبلاط والحريرى .

وفى رأيى أن تغييرا سلميا فى لبنان بالذات لوحدث سيكون أشبه بمعجزة فهؤلاء الشباب بخصالهم وسلوكهم الراقى لن يستطيعوا الوقوف فى وجه ميليشيات مؤدلجة من القتلة المحترفين صناعتهم الارتزاق من حماية هذه الطغمة من كهنة الطوائف وبقاء الوضع على ما هو عليه .​​​